الجمعة، 29 أبريل 2016

حلمى سراج رحيل بلا وداع

حلمى سراج رحيل بلا وداع




طابور طويل من العمال والحرفيين منهم النجار والخراط والمنجد والأويمجي والأستورجي والحداد  والقشرجي عرفت منهم عبده الجنتيري وزغلول البابلي ورضا عثمان وعاطف اللبان ومجدي الغندور والسيد العناني والسيد الفناجيلي و أخيه صلاح و محمد درة وطلعت الحناوي ونبيل النجار ومحمد الهنداوي وأحمد أبو ليلة وفوزي سراج وسعد الكندوزومحمد إبراهيم ومحمود عثمان وغيرهم ألف بينهم حلمي سراج في منتصف الستينيات و كون منهم فرقة مسرحية تحت اسم (المسرح العمالي ) و من مساهماتهم التي قدموها طواعية فيما بينهم قدموا أعمالا مسرحية متعددة علي مسرح مدرسة الزراعة التي كان يعمل بها حلمي أمينا للمعمل و بعد انتهاء البروفات و العروض كل ليلة تجمعهم قهوة العزوني بشارع الجلاء التي كانت تقع علي الرصيف المقابل لصالون الشاعر الشعبي و الغنائي محمد النبوي سلامة تعرفت عليهم و قدمتهم باسمهم ( المسرح العمالي ) تحت مظلة مركز الثقافة و الاستعلامات و أنا موظف في بداية سلم الوظيفة ورافقتهم متحمسا في عروضهم في مختلف المواقع غير مدرسة الزراعة علي مسرح مدرسة دمياط الثانوية العسكرية و ملاعب مراكز الشباب بالقري و المدن و أخيرا علي مسرح دمياط القومي في إطار ليالي رمضان الثقافية ؛ و بعد تحملي مسئولية إدارة قصر الثقافة بدمياط في خريف عام 1971 فكانت لمحافظة دمياط فرقة مسرحية و فرقة للفنون الشعبية تابعين للمحافظة تبعية كاملة و لهما مجلس إدارة وكانت الثقافة ممثلة فيه بمديرها و لم يكن لها أي صلاحيات تجاه هذه الفرق و لمع علي خشبة المسرح القومي نجوم محليين كان منهم عبد الكريم عبد الباقي ونبيل عمر ومحمد ناصف والسيد مسحه ومعاطي حبة وغيرهم وفي الفنون الشعبية لمعت وجوه كان لها تأثيرها في الحياة الفنية في دمياط ومنهم الملحن العبقري وفيق بيصار وأحمد شبكة ومحمود أمين ومصطفي السنباري والسيد الغطاس ومحمد محفوظ وغيرهم كثيرين لا تسعفني الذاكرة لذكرهم جميعا أما في قصر الثقافة فلم يكن هناك اهتمام مباشر بأن يكون له فرقة مسرحية أو أن يقوم بالدور المفروض أن يقوم به بشكل أكبر في فرقة المحافظة مكتفيا بدور الوسيط أحيانا في مصاحبة بعض العروض خارج المحافظة فكثيرا ما قمت و أنا أخصائي ثقافي بمصاحبة فرقة دمياط للفنون الشعبية إلي القاهرة في رمضان للعرض في سرادق الثقافة الجماهيرية بالحسين أو في مسابقة التليفزيون حيث حصلت فرقة دمياط في منتصف الستينات علي كأس التليفزيون في أحد أعوام تلك المسابقة علي فرق كبيرة كانت تشارك في تلك المسابقة و منها فرقة البحيرة الأقدم و الأشهر و فرقة الشرقية التي ذاع صيتها فيما بعد وكانت هناك محاولات جادة من بعض الفنانين في دمياط لتقديم أعمال مسرحية بجهودهم الذاتية و كان علي رأسها فرقة المسرح العمالي بقيادة حلمي سراج و التي كانت تقدم عروضها علي مسرح مدرسة الزراعة في غيط النصاري وفرقة الإستاد الرياضي بقيادة أحمد جبر وفرقة أخرى في الساحة الشعبية بقيادة نادر شحاته ومعه رضا حسني وقمت بضم فرقة المسرح العمالي الأكثر إنتاجا و نضجا بالعمل في إطار قصر الثقافة سعيا للعثور علي كيان رسمي يقدمها و يحتضن أعمالها واستطاعت هذه الفرقة أن تقدم كثيرا من العروض المسرحية في مختلف المواقع بالقرى و المدن برعاية قصر الثقافة .
و في السبعينيات لعب المسرح دورا مهما في ريف و مدن مصر كلها و يتضح أيضا أن البداية انطلقت من هواية محببة لبعض الشباب حتى أن الفرقة كانت تحمل الديكور فوق سيارة نقل أو جرار زراعي معار من أي جهة حكومية ثم يركبون فوق الديكور و يذهبون إلي قرية و ينصبون ديكوراتهم و يقدمون عرضهم و يعودون في ساعة متأخرة من الليل إلي بيوتهم بكل الحب و الترابط و كانت الرابطة التي زرعها حلمي سراج باقتدار بين أعضاء الفرقة رابطة صداقة متينة و محببة فكانوا يحتفلون بأعياد ميلاد بعضهم البعض علي خشبة المسرح ويقفون إلي جانب بعضهم في الملمات و الأفراح وعرف الناس في بلدنا يعني إيه مسرح لأول مرة و لم يكن يكلف ميزانية الدولة شيئا يذكر و لعب المسرح دورا تنويريا مهما اعتبارا من نكسة 67 إلي أواخر الثمانينيات بتقديم عروض متفاعلة مع الواقع المعاش و مع القضايا الوطنية المثارة علي الساحة فلا زلت أذكر الدور الذي لعبته مسرحية أغنية علي الممر بعد النكسة في العروض التي قدمتها الفرقة لفترة طويلة و في حرب الاستنزاف ، لم تكن الحركة و الحياة و ردية علي طول الخط بل كانت هناك معوقات و منغصات اعترضت الطريق كثيرا و لاقينا فيها الكثير من المعاناة و لكن بالترابط الذي كنا نحرص عليه وروح الأسرة التي كانت تضم الجميع لعبت دورا مهما في الاستمرار و الاستقرار و كانت قهوة العزوني الملاذ الهام الذي يجمع الجميع في نهاية الليل بعد كل عرض لتستمر الحوارات حول العمل الذي قدم نقدا وتحليلا بسيطا دون تراكيب أو تقعير بينما كانت الحركة الأدبية هي الأخرى تلعب نفس الدور و بعد نشاطها يجتمع الكثيرين في صالون النبوي سلامة وهكذا إلا أن أهم المواقف التي يجب الإشارة إليها موقف أجهزة الدولة من هذا النشاط الذي كان يزعج البعض أحيانا كثيرة فحدث مثلا و بعد افتتاح القصر أن تصادف إعجاب حلمي سراج والجميع معه بكتابات علي سالم المسرحية فظل لفترة طويلة يخرج أعمالا له و من باب المصادفة الغريبة أن أغلب مسرحيات علي سالم و غيره تحمل أسماء تثير الاعتراض دينيا لأول وهلة من أول مسرحية زيارة عزرائيل لمحمد أبو العلا السلاموني ثم الناس اللي في السما الثامنة والراجل اللي ضحك علي الملائكة و قد أثار ذلك حنق و غضب بعض التيارات الدينية و كان منهم فضيلة الشيخ محمد البواب حفظه الله فكانت معظم خطبه في الجمعة بمسجد المعيني القريب من قصر الثقافة تعليقا علي هذه  المسرحيات وكان هذا كافيا لإثارة الرأي العام ضد الثقافة فظهر اتجاه قوي مضاد لحركة الثقافة في دمياط فكان لابد أن نتجه إليه ونحاوره في مسجد المعيني حيث كان الرجل يتمتع بشعبية كبيرة وحب كبير من المواطنين و أنا منهم و دعوته إلي القصر ليلقي فيه محاضرة أو يجري حوارا و لكنه أبي في حين نجحت بعد ذلك في عقد علاقة و رابطة مع أنصار السنة بدمياط و نجحنا في إقامة سلسلة من المحاضرات الدينية بمسرح القصر الذي لم يكن قد اكتمل و بأجهزة إذاعة بدائية فأذكر محاضرات ناجحة لفضيلة الشيخ الراحل عبد الحميد عرنسة ومصطفي برهام و الدكتور السيد رزق الطويل و غيرهم و قد لعب ذلك دورا كبيرا في تحسين صورة الثقافة أمام الرأي العام و كان ذلك ردا علي ما أثارته بعض أجهزة الدولة و منها أمن الدولة أن قصور الثقافة قد تحولت إلي خلايا شيوعية بعد ذلك نجحنا في اعتماد فرقة قصر الثقافة كفرقة قومية واستقدمنا لها مخرجين كبار كان لهم فضل كبير في التثقيف المسرحي مثل عباس أحمد و حافظ أحمد حافظ و ماهر عبد الحميد و محمد توفيق و سعد أردش و ناصر عبد المنعم و غيرهم و استضفنا كثيرا من العروض الهامة بدءا من مسرحية بيومي أفندي ليوسف وهبي و أمينة رزق و محمد صبحي و سعيد صالح و نجوم المسرح القومي و الطليعة في عصرهم الذهبي و تصاعد نجم المسرح في مصر من خلال الثقافة الجماهيرية في عهد سعد وهبة و ازداد تألقا في عهد سمير سرحان عندما تولي رئاسة الثقافة الجماهيرية ، و في تلك البداية الصعبة كانت هناك جهودا كبيرة قد بدأت و قبل أن يكتمل بناء القصر حيث سار العمل علي عدة محاور لتنشيط الحركة الثقافية ؛ تألقت فرقة دمياط المسرحية بقيادة حلمي سراج و انهارت فرقة المحافظة و تفرقت و انضم بعض أعضائها إلي فرقة قصر الثقافة و منهم محمد ناصف و السيد مسحة و أحمد عجيبة و كانت بنسيون الأحلام إخراج محمود شركس آخر أعمال فرقة المحافظة و مع حلمي سراج تم إنتاج عدد كبير من المسرحيات بلا أي ميزانيات لفرقة قصر الثقافة المسرحية التي كانت فرقة المسرح العمالي من قبل منها ما تكلف بعضها 9 جنيه ميزانية للديكور مثل مسرحية القفل و الزوبعة و أبو زيد في بلدنا و غيرها و كانت الفرقة تنتج من مسرحيتان إلي ثلاثة في العام الواحد و كانت تقدم عروضها علي المسرح و هو غير مكتمل بلا إضاءة و بلا كراسي و بلا ستائر بعد أن قدمت عروضها علي مسرح مجلس المدينة و أحيانا علي مسرح مدرسة الزراعة في بداية غيط النصارى و في كثير من أفنية المدارس و الأجران و ملاعب مراكز الشباب بالقرى و المدن المختلفة بالمحافظة و كان من نجوم الفرقة في ذلك الوقت مجموعة كبيرة من الحرفيين منهم رضا عثمان و زغلول البابلي و عبده الجنتيري و السيد العناني و السيد ألفناجيلي و أخيه صلاح و من شباب المثقفين انضم لهم أحمد عجيبة و شوقي بكر ثم رأفت سرحان و محمد الشربيني و محمد الغندور و غيرهم ، ثم انضم أحمد شبكة و محمد ناصف فقويت الفرقة وتألقت وأخرج لها إلي جانب حلمي سراج ومحمد ناصف مخرجين كبار أمثال سعد أردش وحافظ أحمد حافظ وعباس أحمد وماهر عبد الحميد وناصر عبد المنعم ثم سمير زاهر وأحمد عبد الجليل وسمير العدل وإبراهيم الدالي وتخرج منها مخرجين مسرحيين شبان تألقوا بأعمالهم فيما بعد منهم رأفت سرحان وفوزي سراج وشوقي بكر ومحمد الشربيني ؛

مسيرة حافلة من العطاء بدأها حلمي سراج وما زالت القافلة تسير وإن كان هو قد آثر الانزواء في صمت منذ أعوام مكتفيا بما قدم و ما علم حتى وضع القدر نهاية لدور هذا الفنان القدير في مسرحية الحياة مساء أمس الأحد السابع عشر من أبريل عام ألفان و ستة عشر من الميلاد رحم الله حلمي سراج الذي سجل اسمه بحروف من نور في سجل المسرح بدمياط