السبت، 21 يوليو 2018

هل تراجع دور النقد العلمي ؟


هل تراجع دور النقد العلمي ؟








                                                                                                                                                                                          الدكتور محمد مندور

أخرج لنا مرة الفنان إبراهيم الدالي مسرحية باسم ( القرش الأزرق ) وبعد التصفيات الأولي رشحت المسرحية للعرض علي مسرح السامر بالقاهرة في المهرجان الختامي للمسرح علي ما أتذكر في عهد الدكتور سمير سرحان صاحب مهرجان المائة ليلة مسرحية وقد حدث قبل العرض أن نسي أحد نجومه الفنان الراحل محمد ناصف زيه المرسوم والمنفذ للعرض فارتدي جلبابا عاديا أبيض  اللون من جلابيبه المنزلية وبعد العرض فوجئنا بأحد النقاد الذى انبري لمناقشة العرض المسرحي يشيد علي وجه خاص بالجلباب الذي ارتداه ناصف وظل يستفيض في دلالة الجلباب ولونه واختياره العبقري من قبل المخرج وقد كان إبراهيم الدالي علي وشك أن يعاتبه علي نسيان زيه المسرحي وعدم ارتدائه أسوة بباقي الزملاء في العرض .
أي أن الناقد قد يري في العمل الفني ما لا يراه المبدع أو المتلقي ويستخرج منه مالا يقصده الفنان ويستدعي برؤيته الخاصة من العمل إضافات أخرى كثيرة غير واضحة للمتلقي العادي فلعلاقة بين الناقد والمبدع أو الفنان هي علاقة تبادلية، قد يأخذ فيها الفنان برأي الناقد في إنتاجه الفني. وقد يلتقي الناقد بالفنان فيتم تبادل الرأي مباشرة، أو قد يتناول الناقد عمل الفنان بالدراسة والتحليل، ويكتب عنه مقالاً نقدياً ينشر في الصحافة ليقرأه الفنان كما يقرأه أي قارئ آخر. وقد تصل العلاقة بين الناقد والفنان إلى حد الخلاف والشد بين الطرفين بسبب تضارب الآراء أو عدم رضى الناقد عن عمل الفنان، كذلك عدم رضى الفنان عن ما يكتبه الناقد. ومهما كان نوع العلاقة بين الفنان والناقد إلا أن الفنان والفن في حاجة إلى النقد الفني. فالناقد ينقد العمل الفني من خلال فهمه وخبرته الفنية ومعرفته الثقافية. فنجد أن لبعض النقاد قدرة على أن يرفع بكتابته النقدية من مكانة فنان أو قد يؤثر في المتلقين من الجمهور حــول أهمية أعمــال بعض الفنانين،
ويؤكد باريت (Barrett 1994) أن على الناقد أن لا يكون في موقع المراقب الذي يبحث عن الأخطاء في الأعمال الفنية، بل يجب أن يبحث عن الإيجابيات. كما أن عليه أن لا يضع نفسه في موضع المتحدي للفنان مما يجعل عملية النقد ذات صفة شخصية وليست موضوعية، بل أن على الناقد أن يتجرد من الأهواء الشخصية، وأن يحكم على الأعمال الفنية من غير تحيز أو تشدد في الرأي.
ويرى بقشيش (1997) أن النقد يشارك في صنع الفنانين والأعمال الفنية، "فقد يربط الناقد بعض المؤثرات بعمل فني ما، لا يكون الفنان نفسه قد تأثر بها، وقد يتوقف الفنان في مرحلة سياسية مرتبكة... فيسارع الناقد إلى الربط الآلي بين الارتباك العام والتوقف الخاص، وربما كان هذا التوقف عائداً لسبب فردي بحت لا علاقة له بذلك الاضطراب العام، ولأن معظم فنانينا، إن لم يكن كلهم، لا يمارسون الكتابة الإعترافية عن سيرتهم الذاتية، أو الكتابة الموضوعية عن تجاربهم في الإبداع، لذلك يتحمل الناقد الذي لا يجد أمامه إلا وثيقة العمل الفني عبء التفسير الذي يظل ناقصاً على الدوام."
فالنقد الفني يفسر ويوضح ويحلل الظاهرة الفنية، ويدعو إلى أن يتعايش الناس مع الفن بموضوعية وحيادية. ومما يسهل على الناقد مهمته في رفع مستوى الذوق العام في المجتمع، وتوضيحه لمعاني الأعمــال الفنيــة وبنائهــا وقيمتهــا التــعبيرية والــرمزيـــة إلى المتلقــين.
ويعتبر البعض أن المغالاة في مدح الفنانين قد تؤدي إلى الخداع لهم وجعلهم يحسون بأنهم وصلوا لمستويات عالية مما قد يقلل من الاجتهاد، كما أن الهجوم والهدم المستمر قد يثبط من هممهم، ويقلل من فرصهم، لذلك يؤكد على الحاجة إلى نقد متزن لا مغالاة فيه ولا هدم. يقول: "يجب أن تبرز المحاسن والرؤى الكلية، ويقل الاهتمـام بالهفــوات كيــلا تضيــع المعــالم الرئيسيــة في العنــاية غير المحدودة بالتفاصيل."
ويعد النقد الفني عملية تحليلية تمكن الناقد من جعل الأشخاص غير القادرين على تذوق الأعمال الفنية، قادرين على إدراك القيم التي تؤدي إلى الرؤية الفنية الصحيحة، وقد ينقل الناقد من خلال نقده رؤية جديدة لم تكن واضحة لدى الفنان الذي أنتج العمل الفني.
وتعتبر وظيفة الحكم هي أهم وظائف النقد الفني حيث يحتاج النقاد إلى مبررات تدعم هذا الحكم لتكون آراءهم وأحكامهم مبنية على أسس واضحة ومحددة. فلا يمكن الوصول إلى الحكم دون أن يحيط الناقد بظروف العمل الفني أو بالسيكولوجية المحيطة بالفنان وظروفه الاجتماعية. كما أن عليه أن يتتبع البناء الشكلي والجمالي ويفسر دلالته التعبيرية أو الأيديولوجية أو الاجتماعية أو التراثية أو السياسية... وغيرها من الدلالات. ولابد للناقد من أن يقيم نوع من العلاقة الإنسانية مع الفنان، يستطيع من خلالها أن يستنتج بعض المبررات للأحكام التي يطلقها على أعمال ذلك الفنان. فالناقد هو من يستشعر الصفات الإبداعية في الأعمال الفنية ويكشف النقاب عنها ويوجه النظر لرؤيتها وتذوقها .
ولا يستطيع أي ناقد مهما كانت قدرته ومهارته النقدية أن يفرض أي مقاييس مسبقة على الأعمال الفنية، ولكن هناك معايير عامة للقياس ولإصدار الأحكام على أساسها. وحتى هذه المعايير ليست مطلقة بل تعتبر مساعدة للناقد، فلكل عمل فني مبتكر قوانينه ومعاييره الخاصة التي تصلح في وقت ما، بينما قد لا تصلح لعمل مختلف ووقت آخر. وينظر النقد المعاصر بمرونة إلى الأعمال الفنية وبأسس مختلفة في كل عمل فني، حيث يوجه النقد الانتباه إلى الشكل الظاهري للعمل الفني والطريقة التي تم بها بناؤه الشكلي، ثم ينتقل إلى معاني الرموز، والروح التعبيرية للعمل ككل، ويزيل الغموض ويوضح المضامين الفكرية داخل العمل الفني في سياق الأحداث التي تدور في المجتمع.
من هنا أصبح النقد علما يدرس في المعاهد والكليات له أسس وقواعد وهو علم حديث ولكن له تاريخ ويعود الفضل في مصر إلي شيخ النقاد وأول من حدد للناقد الفني ملامح ومعايير علمية وهو الدكتور محمد مندور في أن قنن للعملية النقدية ووضع لها أسسا ومعايير وأهداف ولم يعد النقد فهلوة أو ارتجالا شخصيا يخضع لمهارة البعض ممكن استحلوا لأنفسهم أن يكونوا نقادا بلا دراسة وبلا مقومات ولكن مع بروز دور الميديا في فرض سيطرتها علي الأحوال الفكرية والثقافية والفنية عدنا مرة أخرى إلي تكريس الفهلوة والانطباعية وتلاشي دور العلم والأكاديميين النقاد في زحمة فرسان الفهلوة والارتجال وسط استحسان حملة المباخر والمطبلين والمجاملين ,

الاثنين، 2 يوليو 2018

سعد الدين وهبة ابن البصارطة دمياط







2- سعد الدين وهبة ومذبحة الصحفيين




مذبحة الصحفيين التي وقعت عام 1964 لم تكن في نظر السلطةعقابا لأحد ولكن ( شدة أذن ) بناء علي تقارير أمنية كيدية صنفت بعضهم علي أنه يساري والبعض علي أنه يميني والبعض الآخر علي أنه لم يكن مواليا تماما للنظام وتفاوتت درجة شد الأذن من كاتب إلي آخر فمنهم من أقصي إلي شركة باتا ومنهم من أقصي إلي نقابة الصحفيين للقيام بأعمال إدارية أو علاقات عامة ولك أن تتصور مثلا أن أستاذنا عبد الحميد سرايا صنف علي أنه موالي للإخوان في حين أنه كان من المعروف أنه متزوج من فنانة المسرح القومي الكبيرة نعيمة وصفي وكان وراء تلك المذبحة مراكز القوي التي ظهرت في تلك الفترة وكان أوفر الكتاب المبعدين من دار التحرير وجريدة الجمهورية تحديدا حظا كان سعد الدين وهبة حيث أقصي إلي وزارة الثقافة ولأنه كان قد فرض نفسه ككاتب مسرحي متميز بعد كتابته لمسرحيات المحروسة وسكة السلامة وكفر البطيخ وغيرها فوجدوا في إبعاده عن الصحافة والاستفادة به في موقع أكثر ملاءمة فقد عمل بوزارة الثقافة في كثير من المناصب بين عامي 1964 وعام 1980 ، فشغل أول الأمر منصب رئيس مجلس إدارة الشركة العامة للإنتاج السينمائي ،ثم رئيس مجلس إدارة دار الكتب للطباعة والنشر.ورئيس مجلس إدارة هيئة الفنون. ووكيل وزارة الثقافة للعلاقات الخارجية. ووكيل وزارة للثقافة الجماهيرية. وسكرتير المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب ، ووكيل أول وزارة الثقافة.ونائبا للوزير من عام 1975 وحتى عام 1980.ورئيس مجلس إدارة صندوق رعاية الأدباء والفنانين .ثم انتخب نقيباً للسينمائيين عام 1979.ثم رئيسا لاتحاد النقابات الفنية. ثم انتخب رئيسا لاتحاد كتاب مصر عام 1997. واختير رئيسا لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي عام 1985.ورئيسا لمهرجان القاهرة لسينما الأطفال 1990.ورئيسا للاتحاد العام للفنانين العرب وفي كل تلك المناصب نجح في أن يصنع من تلك المواقع شيئا كبيرا لافتا بنجاحه النظر إلي قدراته الكبيرة فرشح أكثر من مرة كوزير للثقافة إلا أنه لم يفز بثقة النظام الساداتي في ذلك الوقت فلم يتم اختياره ولكن تمت الاستفادة به في كل الأجهزة التي عمل بها اعترافا بقدراته ولكن في حدود ما يخدم النظام السياسي فلم يسمح له مثلا بأن يفوز في انتخابات مجلس الشعب عام 1975 في عهد السادات وممدوح سالم رئيس الوزارة عندما ترشح عن دائرة الأزبكية وفضل عبد المنعم الصاوي عليه (كان الصراع الشخصي بينهما كبيرا وتلك قصة أخري كبيرة ) وحتي لا أطيل أكثر من ذلك فقد كان النظام السياسي يتعامل معه بمنطق لا بحبك ولا أقدر علي بعدك وعندما يئس سعد الدين وهبة من التعامل مع النظام انزوي أخيرا يدير أعماله الخاصة في شركة الفجر للإنتاج الفني والسينمائي التي كان شريكه فيها الصحفي الكويتي الشهير أحمد الجار الله رئيس تحرير جريدة السياسة الكويتية وظل كذلك حتي لقي ربه .
رحم الله سعد الدين وهبة الذى رحل عن عالمنا في 11 نوفمبر عام  1997 

سعد الدين وهبة ابن البصارطة دمياط


 
1- سعد الدين وهبة ابن البصارطة دمياط







سعد الدين وهبة أستاذي وأستاذ جيلي في الثقافة الجماهيرية رحمه الله كان قائدا مثقفا فذا موسوعي الثقافة وهو من مواليد دميرة مركز طلخا 1925 وكان أبوه من عائلة بعيت من البصارطة وأمه من عائلة شاهين من نفس القرية ألا أن مولده كان في دميرة حيث كان يعمل أبوه في الإصلاح الزراعي بتلك القرية ونشأ فيها وتلقي تعليمه في طلخا والمنصورة وتخرج من كلية الشرطة عام 1949 وعمل بمرور الإسكندرية عندما قامت ثورة يوليو 1952 ولكنه بعد 7 سنوات من تخرجه بالشرطة درس في آداب الإسكندرية وحصل علي ليسانس الفلسفة واتجه إلي الأدب يقرأ ويكتب وبدأ بكتابة القصة القصيرة ثم الرواية والمسرحية وكتب العديد من سيناريوهات الأفلام الكبيرة وعندما بدأ نجمه يلمع بعد الثورة التي لعب معها دورا كبيرا في تأمين طوابير الدبابات والسيارات التي اتجهت إلي قصر رأس التين والمنتزه حني أجبر الملك فاروق علي الرحيل إلي إيطاليا وتقديرا لموهبته ترك الشرطة وعين كاتبا صحفيا في الجريدة التي أنشأتها الثورة الجمهورية وبدأ يكتب مقالات وتحقيقات وينشر بعض أعماله الأدبية وذاع صيته ككاتب مع نصر الدين النشاشيبي وإسماعيل الحبروك وعبد الحميد سرايا وإبراهيم نوار ومحمد الحيوان وغيرهم ثم تعرض للفصل من الجمهورية في مذبحة الصحفيين التي وقعت عم 1964 وأقصي مع من أقصي من الجمهورية وكان حظه أن عين رئيسا لجهاز الثقافة الجماهيرية الوليد خلفا للكاتب الصحفي الشهير سعد كامل فنهض بها نهضة كبري وأصبحت وزارة مصغرة للثقافة في سائر ربوع مصر أما عن انتمائه لدمياط فلم يكن يجاهر به وعندما كان يسأل عن موطنه كان ينتسب للدقهلية بحكم مولده وشهادة ميلاده إلا أنني شخصيا مع أستاذنا الراحل سعد الدين عبد الرازق مدير الثقافة الأسبق قد حضرنا وبعض من زملائنا جنازة والدته في البصارطة وكانت المرة الأولي التي نعلم فيها جميعا انتماء أسرته إليها فقد كان خاله الحاج حمدي شاهين الكبير وكان دائم التواصل معه إلي أن لقي ربه