السبت، 6 نوفمبر 2021

نقد النقد

 

نقد النقد



في ندوة مختبر السرديات لمناقشة المجموعة القصصية الأخيرة للكاتبة هبة عادل السويسي ( ظل رجل ميت ) تصدي لمناقشتها الأساتذة محمد طاهر ودعاء البطراوي وسمير الفيل وسيف بدوي وفكري داود ، ومن التقاليد المحمودة في الحركة الأدبية بدمياط منذ نشأتها في أواسط الستينيات إلي اليوم سعيها الدؤوب لاستكشاف نقادها الذاتيين دون ما حاجة إلي استقدام نقاد من خارج دمياط ودون ما أدني اهتمام بقدرات النقاد العلمية ومخزون خبراتهم الإبداعية التي قد تعوض نقص الإلمام بقواعد وأصول النقد الأدبي العلمي ، فإذا كانت مهمة الناقد الأدبي هي شرح وتفسير النصوص ، وتحليلها واستكشاف خباياها ، وتقييم ورصد الملامح الإيجابية والسلبية لدي الكاتب ، ومن ثم يسعي الناقد وفق منهجه النقدي العلمي لتكوين صورة كلية أكثر وضوحا عن الكاتب للقارئ من خلال أعماله التي يتصدى لنقدها ؛
إلا أننا للأسف في أغلب الأحوال في الدراسات النقدية التي تقدم في هذا المختبر وغيره من أدباء لزملائهم الأدباء ، نجد إطارا يضم الجميع وهو تبادل المنفعة الأدبية فأنت تنقد أعمالي اليوم وسأقوم أنا بالضرورة بنقد أعمالك غدا ، وعملا بمبدأ من قدم السبت يلقي الأحد أمامه فإن المجاملة وتلمس الإيجابيات في تلك الأعمال هو السبيل الوحيد عند التعرض لتلك الأعمال إلا فيما ندر ، واليوم في ندوة مناقشة مجموعة هبة عادل السويسي ( ظل رجل ميت ) جاء الناقد الأول الأستاذ محمد طاهر المولع كعادته بالأرقام واستكشاف الإعجاز الرقمي في النصوص، فاستخرج منها كم مرة ذكرت الكاتبة لفظي رجل وامرأة وكم مرة تحدثت عن الحياة والموت وهكذا ولم يكتف بهذا بل صنع أيضا كعادته نصا سرديا من مجمل عناوين المجموعة القصصية ، ثم ختم دراسته بملاحظة رآها مهمة وهي المقابلة اللفظية عند الكاتبة والتي دلل عليها بحديثها عن الفقر والعوز محاولا التفرقة اللغوية بين الكلمتين ( ملحوظة أراها مهمة أن الناقد تحدث عن المقابلة ( اللغوية ) وقرأها بفتح وتشديد اللام وهذا خطأ دارج فاللغة تنطق بضم وتشديد اللأم وليس بفتحها ) وهنا أشير إلي أن الكتاب في بداية حياتهم الإبداعية عادة ما يكتبون دون فلسفة أو توجه معين يحتوي ما يكتبون ولكن مجمل كتاباتهم يأتي وليد الصدفة الإبداعية البحتة ورغم ذلك نجد النقاد يلهثون دوما وراء الربط بين مجمل أعمالهم ربطا فنيا لم يقصده الكاتب بالمرة ، ثم تحدثت الكاتبة دعاء البطراوي فكان أكثر ما لفت انتباهها في مجموعة صديقتها استخدام الكاتبة للجمل المطولة التي تنهك القارئ ولم تقدم علي ذلك دليلا من النصوص ولكنها مع هذا رأت في أسلوب الكاتبة أنه سهل وبسيط ، وقد أعجبتني الدراسة السريعة المركزة التي قدمها سمير الفيل بالطبع متسلحا بخبرته العريضة وإلمامه الكبير بخبايا النقد وقواعده أما الأستاذ سيف بدوي فقد اهتم كعادته أيضا بجدية بقراءة النصوص والعمل علي تحليلها وتقييمها ولكنه بطبعه ينشد الكمال فوجد قصورا عند الكاتبة في استخدامها لعلامات الترقيم وهذا أمر في غاية الأهمية ولكن ما لا يدرك كله لا يترك بعضه فإن الكتاب المحدثين في الأغلب الأعم تنقصهم الخبرات اللغوية وقواعدها بشكل كبير فكيف لنا أن نطالبهم باستخدام علامات الترقيم مع أهميتها الشديدة وأراهن أن كثيرا من كتابنا الكبار لا يلقون بالا لهذه العلامات في كتاباتهم بل ولا يعرفون مدلولاتها في الأغلب الأعم ؛
ورغم أن البعض قد تحدث عن انحياز الكاتبة للمرأة في نصوصها والاهتمام بقضاياها نجد الكاتبة في معظم نصوصها تتحدث بصيغة المذكر وهذا ما التفت إليه سيف بدوي دون غيره ،
نأتي إلي ملاحظة أخري في نصوص الكاتبة جميعها يأتي دائما الموت ليحسم كل قضاياها فهو كما تحدث الروائي فكري داود المعادل الموضوعي للكاتبة في عالمها القصصي الحي سواء كان موتا واقعيا أو موتا معنويا إلا أنها ربما لحداثة خبرتها مع الكتابة قد وقعت في تناقضات موضوعية بين الموت الواقعي والموت المعنوي ففي قصة طرق متفرعة تتحدث الكاتبة مرة عن قلمها الذى جف حبره وقلمها الرصاص المكسور سنه ثم فجأة تعود للكتابة عن الشجرة التي قطعها عمال البلدية والعصافير التي فقدت بقطع الشجرة موطنها وسواء كان الرمز هنا مقصودا أو غير مقصود فهو رمز شديد البراعة وله دلالات كثيرة ولكنها وقعت هنا في مأزق لم أفهمه ذلك أن قلمها قد مات مرة أخري وجف وطارت العصافير في طرق متفرقة فوقعت هنا في تناقض بين الموت الرمزي الذى يعبر عنه جفاف القلم وانتهائها من كتابة روايتها وبين خلودها إلي السكون وهو الموت المعنوي وبين كل ذلك وبين انطلاق العصافير لبدء حياة جديدة في موطن آخر .