الاثنين، 8 أكتوبر 2018

كنت مع سعد وهبة في رأس العش


كنت مع أول من زاروا نقطة رأس العش بعد تحريرها في حرب أكتوبر
بعد قرار وقف إطلاق النار بأيام قليلة 



كان الراحل الكبير سعد الدين وهبة رئيس جهاز الثقافة الجماهيرية التابع لوزارة الثقافة قد عينني مديرا لقصر ثقافة دمياط في خريف عام 1971 وكان عمري وقتها 27 عاما بعد حصولي علي المركز الأول في الدورة الثالثة لمركز إعداد الرواد للثقافة الجماهيرية في نادي الغابة بمصر الجديدة والتي استمرت لثمانية أشهر وبالمناسبة كان من زملائي في تلك الدورة محمد غنيم رئيس العلاقات الثقافية الخارجية لوقت طويل وكان قد عين وقتها مديرا لقصر ثقافة الحرية بالإسكندرية  وبعد أن قامت حرب أكتوبر المجيدة وصدر قرار الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار ووضح للعالم أجمع أن قواتنا الباسلة قد غسلت عار نكسة يونيو وحققت انتصارا كبيرا ومعجزا بكل المقاييس وبسبب الروح المعنوية العلية جدا لكل أفراد الشعب نظمت إدارة الشئون العامة والتوجيه المعنوي بالقوات المسلحة يومها رحلة للفنانين والكتاب لزيارة النقطة الحصينة في رأس العش جنوب بور فؤاد التي تم تحريرها في بداية المعركة وجاء أتوبيس الفنانين والكتاب إلي دمياط وكان من بينهم شكري سرحان وعزت العلايلي وصلاح ذو الفقار وعبد الرحمن ابو زهرة وحمدي غيث وعبد الله غيث وغيرهم وكانت تعليمات سعد الدين وهبة أن أعد لهم إفطارا في دمياط لأنهم كانوا قد تحركوا عند الفجر من القاهرة ورتبت مع المحافظة أعداد هذا الإفطار في نادي المحافظة وطلب مني أن أرافقهم في الرحلة لأن السائق لم يكن يعرف الطرق جيدا إلي بورسعيد وبور فؤاد وفرحت بذلك حيث كان الطريق الوحيد إلي بورسعيد من دمياط فقط عبر الساحل بطول البحر الأبيض المتوسط بعد مدينة عزبة البرج وكان طريقا خطيرا لأن البحر كان عندما يرتفع المد تطغي المياه علي الإسفلت وشيئا فشيئا تكسر فيما بعد وأنشيء طريق آخر لبورسعيد من دمياط مارا بقرية شطا بعيد عن ساحل البحر وصلنا إلي بورسعيد وصحبتنا الشرطة العسكرية وعبرنا بالأتوبيس المعدية إلي بور فؤاد واتجهنا جنوبا بقيادة الشرطة العسكرية ومندوب التوجيه المعنوي إلي النقطة الحصينة التي تم تحريرها وفي الطريق إليها أصابنا الهلع جميعا من هول ما رأينا فقد كان الطريق الذى أعده المهندسين العسكريين لا يسمح إلا بمرور سيارة واحدة فقط بين حواجز علي الجانبين من أعمدة خشبية متصلة يبعضها بالحبال ونري فيما وراء هذه الحواجز علي الجانبين كثير من أحذية البيادة الضخمة ا لتي كان يرتديها جنودنا في الجيش المصري فأصابنا الهلع علي كثرتهم ظنا منا أن أصحابها قد لقوا حتفهم فقد كانت تلك البيادات وسط حقول ألغام من الجانبين وعندما وصلنا إلي بداية الموقع كان هناك كوبري صغير أعده أيضا سلاح المهندسين لعبور المركبات والمدرعات الصغيرة أول الأمر إلي داخل النقطة الحصينة  وقبل هذا الكوبري بأمتار قليلة فجوة كبيرة وحفرة قطرها يصل إلي حوالي عشرة أمتار قبل لنا من مندوب التوجيه المعنوي أن هذه الحفرة قد خلفتها دانة ألف رطل من طائرة فانتوم إسرائيلية تشاء عناية الله أن تسقط بعيدا عن الكوبري الذي استخدمه جنودنا في اقتحام تلك الدشمة الهائلة ويبقي الكوبري سليما وتنجح القوات في الاقتحام
الدشمة نفسها تقع علي مساحة كبيرة تحيطها تلال مرتفعة من الرمال والحديد والطوب والخرسانة وكلها تحيطها مياه الملاحات وأرضها الرخوة من كل جانب ومقسمة من الداخل إلي تقسيمات كان بداخلها ثلاث دبابات سنتوريون الضخمة ثم ملاجئ للأفراد مجهزة علي مستوي عالي من الرفاهية وداخل الملاجئ تلاجات وأطعمة راقية معلبة ومبردات مياه وتكييف مركزي  ودورات مياه علي مستوي عال من النظافة وعلي التباب العالية كانت المدافع الضخمة الموجهة ناحية بورسعيد بالأساس والتي دمرت معظم مبانيها في حرب الاستنزاف وللوهلة الأولي عند الدخول للموقع شاهدنا أول دبابة كانت تتأهب للضرب حيث خرجت من ملجئها إلي تبة عالية لا يظهر منها إلي برجها ولكنها كانت بلا برج وشاهدنا برج الدبابة منزوعا منها ومرمي علي الأرض وبه ماسورة المدفع الخاص بها بعيدا عن جسم الدبابة بحوالي 30 متر وتكرر المشهد مع الدبابتان الأجرتان أما المدافع الضخمة المثبتة في تبابها فكانت مواسيرها كما لو كانت من البلاستيك وقد طوتها قوة هائلة وفي جانب بعيد من التبة بجوار دورة المياه كانت هناك بضع أكياس من البلاستيك القوي المغلق بإحكام قيل لنا أنها جثث الإسرائيليين الذين كانوا بالموقع معبأة في انتظار وفد من الصليب الأحمر لاستلامها ونقها إلي الجانب الإسرائيلي وكانت المفاجأة التي سررنا لها أننا وجدنا كل جنودنا المصريين الذين حرروا الموقع واستقروا به يرتدون سويترات كاكي  مبطنة بالفرو من الداخل وتغلق بسوسته قيمة ويرتدون النظارات الريبان وأحذية رشيقة خفيفة هاف بوت بسوسته قال لنا مندوب التوجيه المعنوي أحذية البيادة التي شاهدتموها وأنتم داخلون للموقع كانت تخص هؤلاء الرجال استبدلوها بأحذية وملابس الإسرائيليين الرشيقة وكان الجميع يجمع علي أننا لم ننتصر بقوتنا ولكن بقوة الله وعونه ومدده فلك أن تتصور كيف انتزع هذا البرج الضخم للدبابة وطار بعيدا عنها أي قوة جبارة استطاعت أن تفعل ذلك ليست قوة الصواريخ المضادة فقط ولا الأرباجيهات ولكن بدعم ومدد من الله حيث كان المقاتلون الصائمون يرددون في كل حين صيحة النصر المبين الله أكبر
من جلال المشهد خر كثير من الفنانين المرافقين وكان أولهم شكري سرحان وعزت العلايلي وعبد الرحمن أبو زهرة وغيرهم علي الأرض ساجدين شكرا لله علي توفيقه ونصره وانهمرت الدموع في عيون الفنانات المرافقات وكان منهن الفنانة الكبيرة سهير البابلي وسميحة أيوب ومحسنة توفيق وأخريات