السبت، 21 أبريل 2018

الحمار في قصر ثقافة دمياط






الحمار في قصر الثقافة
( أنثي الحمار لا تستطيع أن تلد إنسانا بينما أنثي الإنسان تستطيع أن تلد الحمار ... ) هكذا قدم المخرج المجتهد سمير زاهر مسرحيته الجديدة مع فرقة دمياط القومية المسرحية ( قضية دهب الحمار ) التي كتبها سعيد حجاج وكتب أغانيها سعيد شحاتة ولحنها المبدع توفيق فوده ووزع الألحان عبد الله رجال وصمم الديكور عبد الحميد الكوفي وصمم الرقصات أحمد الغزلاني وقد نجح هذا الطاقم الفني في تقديم فرقة دمياط في شكل جديد يبهج المتابع فقد سعدت وسعد الجمهور الكبير الذي ملأ المسرح لأول مرة في عرض مسرحي منذ سنوات طويلة بتلك الفرقة التي ضمت مجموعة كبيرة متناغمة ومتحابة ومصممة علي تقديم متعة فنية لجمهورها برغم التحديات الكبيرة التي واجهتهم ومنها وأهمها تلكؤ الإدارة في توفير متطلبات العرض بسبب العودة في قصور الثقافة مرة أخرى إلي مركزية الإدارة فيما يتعلق بميزانية الإنتاج والتحكم القاهري في صرفها مع تعمد تهميش دور الأقاليم مرة أخري وهذا شأن مصري قديم أن نحن دائما إلي مركزية السلطة والإدارة وبرغم ذلك فقد نجح سمير زاهر بامتياز في تجميع مجموعة من الشباب المثقف والمحب حقيقة لفن للمسرح فقدموا فرجة مسرحية ممتعة ومبهجة لمسرحية سعيد حجاج ؛
تقوم مسرحية دهب الحمار علي فكرة سبق تناولها مرات عديدة سابقة في كثير من الأعمال الدرامية وهي فكرة التاجر اليهودي الشرير الذي يتفنن في جمع ثروته من الحرام بالغش والتدليس والربا بدأها ربما لأول مرة الكاتب كريستوفر مارلو في مسرحيته يهودي مالطة ثم تبعه شكسبير في رائعته تاجر البندقية والتي قيل أنها مأخوذة من مارلو هي وبعض أعمال شكسبير الأخرى فقدم شكسبير شيلوك التاجر الرباوي اليهودي الخبيث ولكنه قدمه في قالب صراع الخير مع الشر مع التاجر الإيطالي أنطونيو كمعادل موضوعي ومن خلال هذا الصراع ينجح الخير في نهاية الأمر علي يدي شكسبير في الانتصار علي الشر وهنا تناول سعيد حجاج فكرة التاجر اليهودي بصورة مختلفة قليلا فبدلا من أن يقدمه كرباوي قدمه علي أنه نصاب يعتمد علي طمع ضحاياه وغبائهم وهو ما جري بالفعل علي ساحة الصراع العربي الإسرائيلي منذ أربعينيات القرن العشرين وإلي اليوم وهو ما جسده مخرج العرض النابه سمير زاهر في كلمته ببامفلت العرض بقوله إن أنثي الحمار لا يمكن أن تلد إنسانا بينما أنثي الإنسان يمكن أن تلد حمارا فما أكثر الحمير الذين قادوا الصراع مع العدو الصهيوني ورغم أن فكرة المؤلف قد قدمت التاجر وهو يضحك علي ضحاياه البلهاء مرة ببيعهم حمارا طنوا أنه مع نهيقه يتساقط الذهب من فمه ومرة أخرى يؤكد علي نفس الفكرة ببيعهم كلبا يقوم بالمهام المنزلية كاملة ومرة ثالثة وغير أخيرة ببيعه لهم مزمارا يعيد الحياة للموتى وفي جميع الأحوال لم يتعلم قادة المجتمع ففي كل مرة لا يستوعبون الدرس ويقعون بسبب طمعهم وغبائهم مرة بعد مرة في حبائل التاجر اليهودي الخبيث فطمع الشاهبندر في الحمار وعندما لجأ للقاضي وقع الأخير فريسة الطمع في كلب اليهودي وبعد أن لجأ إلي وزير الشرطة وقع هو الآخر بدوره فريسة الطمع في مزمار اليهودي وقتل زوجته وينتهي المطاف إلي الوالي الذي يطمع ببلاهة في ذهب جنية البحر كما أوهمه به اليهودي الخبيث الذي ينتهي به الأمر إلي التخلص من الجميع بدفعهم إلي إغراق أنفسهم جميعا طمعا في ذهب جنية البحر ولكن يؤخذ علي المؤلف سعيد حجاج تجاهل صاحب المصلحة الحقيقي وهو الشعب فلم يتضح لنا موقف هذا الشعب مما يحيط به من ألاعيب الصراع مع العدو التقليدي الذي دائما ما ينتصر علينا لا بفضل قوته ولكن بسبب فرط غباء الحكام وطمعهم المستمر .
وإن كان مالرو ومن بعده شكسبير قد قدما التاجر اليهودي الطامع الجشع في مواجهة التاجر الخير الذى يقاوم أطماعه ثم ينتصر عليه في نهاية الصراع إلا أن سعيد حجاج في تناوله هذا فقد انحاز للواقع بأن أنهي الصراع بانتصار الشر في النهاية بغرق الجميع وفرار التاجر فائزا بملابس ومقتنيات الغارقين جميعا . وقد نجح سمير زاهر في تقديم هذا الصراع التاريخي الدموي في قالب كوميدي أضحك فيه الجماهير الغفيرة التي ملأت صالة المسرح وهي المفارقة التي تجسدها مقولة أساتذة المسرح في تعريفهم للكوميديا بأنها تطبيقا للحكمة القائلة: شر البلية ما يضحك فكثيرا ما يضحك الإنسان في مواجهة أشد الأحداث مأساوية .
والنجاح الأكبر لسمير زاهر هو في بلورة مجموعة محترمة من الفنانين الشبان في عددها وقدراتها الفنية وهنا حقق المعادلة بنجاح بين تقديم فرجة شعبية في قالب كوميدي فانتازي وبين خلق كيان مسرحي من شباب محب لفن المسرح برغم تفاوت ثقافاتهم واختلاف مستوياتهم العلمية والفكرية والاجتماعية فاستحقوا منا التحية والاحترام مع فرقة دمياط القومية المسرحية في شكلها الجديد متمنيا لها الاستمرار والنمو والتقدم ومسجلا إعجابي وتقديري للعناصر النسائية الخمسة من بنات دمياط وهو أمر غير مسبوق لم ننجح فيه من قبل ، ولا يفوتني هنا أن أكرر الإشادة بالفنان المبدع توفيق فوده الذي قدم هنا ألحانا ينطبق عليها صفة السهل الممتنع وكذلك بالفنان أحمد الغزلاني الذي نجح في ترجمة الحركة برقصاته وحركاته البسيطة المعبرة ، أما الديكور وهو هنا من تصميم مهندس ديكور شاب علمت أنها تجربته الأولي في عالم المسرح بقصور الثقافة فقد جاء دون مستوي باقي العناصر الفنية التي قدمها لنا سمير زاهر فجاء الديكور خليطا بين الواقعية والطبيعية والرمزية التي تصل حد السذاجة في البانوراما الخلفية التي قيل إنها دلالة علي البحر بقيت ملاحظات ليست كثيرة علي أداء بعض نجوم الفرقة الذين قدموا جهدا كبيرا جديرا بالاحترام خاصة رزق العزبي ومحمد السعيد فقد نضجت موهبتهما نضوجا كبيرا مع توصيتي للأخير بأن يكون نفسه ولا يلجأ إلي استحضار الشخصيات المسرحية القديمة .