السبت، 10 يونيو 2017

السقوط عند السيد شليل مثل عين الشمس


السقوط عند السيد شليل مثل عين الشمس










في قصته ( مثل عين الشمس ) المنشورة في موقع المنار الثقافية الدولية تعددت حوادث السقوط لأبطال هذا النص فالسقوط  الأول جاء بسبب العين الزائغة لراكب الدراجة حامل طاولة العيش فلم يتحكم في اتزان دراجته فسقط علي الأرض وتبعثر الخبز ، ولكن ما لبث أن حدث السقوط الثاني عندما تقمص الراوي دور البطولة والمروءة وحاول الدفاع عن الأنثى الغريبة محط مطامع الجميع والتي حاول مستهتران معاكستها وهو يسير إلي جانبها فدفعه أحدهما فسقط علي الأرض وتبعثرت كرامته وجاء السقوط الثالث لرجل عجوز اقترب منه محاولا مساعدته علي النهوض فلم يلتفت لحجر وضع خلف سيارة أحدهم ليحدد لها مساحة وحرمة من الأرض فتعثر فيه وسقط العجوز بسبب شهامته وتبعثر وقاره وحكمته في جميع الأحوال يحكي لنا السيد شليل عن أن السقوط في الحياة تتعدد ألوانه وأشكاله فهو طيش شباب أو مروءة زائدة أو حكمة ليست في موضعها لتنتهي الرحلة في نهاية كل مراحل السقوط مدركا أنه ليس من الطبيعي أن يحارب كل العيون الثاقبة لأستار وحرمة الآخرين منفردا ومكتفيا من الغنيمة بالبحث عن تلك المجهولة التي كانت سببا في سقوط الجميع دون جدوى .

يأتي النص ليؤكد نزعة اجتاحت معظم الساردين الشباب نحو عبثية الحياة وعبثية الأقدار مؤكدا في نفس الوقت جنوح الجميع نحو البحث والسعي الحثيث إليه ولكنه بحث عن المجهول وهو نص جيد في هذا الاتجاه يحتاج إلي قليل من السيطرة علي اللغة وإدراك مفاتيحها والعمل علي إصلاح بعض الهنات اللغوية وفي نفس الوقت تجاوز اللجوء إلي استخدام بعض المفردات اللفظية الدارجة بين سطور الفصحى السهلة الممتنعة عند السيد شليل وأيضا ضرورة أن يتواءم عنوان النص السردي مع محتواه ولو كان ذلك عند المحدثين ليس ضروريا ولكنه عند المتلقي يحتل أهميته . 

https://photographics3000.blogspot.com.eg/2017/04/blog-post_704.html

الجمعة، 9 يونيو 2017

تساؤلات فأر مجذوب


 تساؤلات فأر مجذوب 












 خبيب صيام كاتب شاب في مقتبل حياته درس الهندسة ومثله كمثل أي خريج يتطلع إلي بداية ناجحة لحياته العملية تتفق مع طموحاته التي ما فتئ يحلم بها ولم يكن من بين دراساته المدارس والمذاهب الفلسفية ورغم ذلك تلمح دائما في كل محاولاته النزوع إلي الفلسفة والجنوح إلي البحث في المجهول وقد تبلور ذلك بشكل ملحوظ في هذا العمل الذي يسجل به شهادة نضجه ككاتب وسارد بدأ في التمكن من أدواته فحمل هذا النص بكثير من تساؤلاته وهي تساؤلات مشروعه لكل أبناء جيله الباحثين في البدء عن كنه الحياة وحقيقة الوجود وهي نظرة وجودية أراها لازمة له لكي يصل إلي قناعة الإيمان واليقين بعيدا عن مؤثرات المجتمع والعائلة وتوجهات الجميع التي يعاني فيها جيل الشباب في مستهل حياتهم العملية من سيطرة ودكتاتورية الحنو الأبوي وبطل القص هنا عند خبيب يسأل ويتساءل دائما عن حقائق العلاقة بين الراكضين في الحياة والثقالي المتحركين بالكاد لكي تستمر معهم الحياة ووسط علاقات متشابكة بين هؤلاء وهؤلاء فهو وقد تجمل في بداية مسيرته للبحث عن تلك الحقائق الغيبية المجهولة قد تهندم وجمل من مظهره الذي ظن في بادئ الأمر أنه ربما يعطيه رخصة الاعتبار بين أفراد مجتمعه من القطط السمان والعجاف علي السواء إلا أنه وبسرعة قد أهمل مظهرة لأن لم يجد أنه قد أضاف إليه شيئا يؤهله للاعتبار واكتفي بالركض إلي مبتغاه وما هو هذا المبتغي المجهول لقد قرر أنه العبث وقد تعجل في حكمه هذا لأنه بذلك قد أنهي حماسه في الركض إلي ذلك المجهول الذي قرر مبكرا بأنه العبث ومع ذلك فلا غضاضة من أن يصادق أعداءه بالفطرة من القطط ويظل يصارع من أجل الحياة التي كان يحلم بها بالرغم من أن الآخرين يرون في ذلك نوع من الجنون ولكنها الحياة بكل متناقضاتها تسير وتستمر تضم في حناياها الخير والشر والقبح والجمال والصدق والكذب شريطة أن يبقي بطلنا محافظا علي تلك الشعرة الرقيقة داخله بين الحقيقة والعبث ( كالفأر بالمجار ير كنت أرمح بين الشوارع و الأزقة ) وبأن يوقن بطلنا وكاتبنا أن لايبتئس لحال الآخرين فربما يكون القادم دائما أفضل
 تساؤلات خبيب صيام تساؤلات فلسفية عميقة تنبئ بكاتب سارد بدأ يقبض بكل قوة علي أدواته ومبشرة بشأن كبير لمستقبل السرد عنده . له كل التهنئة علي نصه هذا وأتطلع إلي تعميق التجربة في محاولات سردية جديدة .

http://journas.com/------/post/49883/%D8%AA%D8%B3%D8%A7%D8%A4%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D8%A3%D8%B1-%D9%85%D8%AC%D8%B0%D9%88%D8%A8

الخميس، 8 يونيو 2017

صفحات من كتاب حياتي



صفحات من كتاب حياتي 









ولدت في الزرقا دقهلية كما تقول شهادة ميلادي في الثالث من شهر أبريل عام 1944 ولكن والدتي رحمها الله كانت تقول لي دائما إن ولادتي كانت قبل هذا التاريخ بأربعين يوما وكانت المولدة في الزرقا في هذا التاريخ وهي جدة أحد الأصدقاء الأعزاء كانت لا تسجل المواليد يوما بيوم ولكن تنتظر حتي يتجمع لديها عدد مناسب وتذهب لتسجيلهم مع بعضهم في تاريخ واحد وكانت تقول أيضا إن هذا التاريخ قد شهد معي تسجيل ميلاد كل من الإخوة الأعزاء محمد عبد السلام الملاحي رحمه الله ومحمد عبد الجواد الصايغ  شفاه وشفانا الله والراحلة الكريمة فايزة كامل الباز وعشت طفولتي المبكرة متنقلا مع أبوي وخالتي الصغرى والدة الأستاذ أحمد السيد حجازي وجدتي لأمي رحم الله الجميع بين عدة منازل لا أذكر أولها وكان في منزل كبير يضم أسرا كثيرة كان معروفا بمنزل أبو مجاهد في شارع الملاحي ثم في منزل مستقل بحارة أبو موسي وقد كانت والدتي تنتمي إلي تلك العائلة الكريمة وكان قريبا من منزلنا هذا منزل شيخ البلد محمد عبد العزيز أبو موسي والشيخ مندوه أبو موسي رحمهم الله ثم انتقلت الأسرة مرة أخرى إلي منزل عبد العظيم ندا في حارة أبو نوفل القريبة من حارة أبو موسي لنجاور أسرا كريمة لعز الدين أبو نوفل وإخوته والشيخ أحمد أبو توما الترزي الصوفي الشهير والشيخ سعيد أبو توما والحاج صادق الصايغ والصريف كما كان يسمي وكنت قد قد ألحقني والدي في كتاب الشيخ سعيد الجلب وفي الكتاب تزاملت مع صديقي لعمر طويل إبراهيم العناني وكان معنا الشيخ سيد فرج والشيخ صابر نتعلم نحن الحساب والعربي علي اللوح الأردواز ثم بالريشة والقلم بعد أن كبرنا قليلا والشيخان يحفظان القرآن  ولما جاوزت مرحلة الطفولة المبكرة لألتحق مع أخي عبد الرحمن في المدرسة النموذجية وناظرها الكبير ذو الجانب المهيب الأستاذ فتحي أبو العطا وفي تلك المدرسة الشهيرة التي كانت تقع في حارة البوابة زاملت إخوة أفاضل ارتبطت بمعرفتهم في تلك السن المبكرة كان منهم بهي الدين الحفناوي لواء المخابرات فيما بعد ورئيس عمر أفندي رحمه الله وإبراهيم العناني عميد حقوق عين شمس فيما بعد وعثمان الصايغ رحمه الله ومحمد عبد السلام قاسم الشهير بميمي ومحمد عبد الجواد الصايغ ولم أكمل تعليمي في تلك المرحلة  فأنهيناها جميعا بعد الصف الثالث حيث كان مسموحا بالقفز سنة أو اثنتين للالتحاق بالمرحلة الابتدائية القديمة لنلتحق بالصف الثاني بها مباشرة في مدرسة عبد المنعم ناصف الشهيرة بعد امتحان شفوي أجري لنا في قهوة أبو قايد أمام أحد كبار المعلمين في ذلك الوقت وكان يعرف بصعوبته وهو الأستاذ السيد غيث من شربين وأذكر أنه سألني يومها سؤالا لا أنساه أن صيادا أطلق طلقة من بندقيته علي شجرة عليها 40 عصفورا فأسقط خمسة عصافير فكم الباقي وكان جالسا معه عدد كبير من معلمي الزرقا الكبار في ذلك الوقت أساتذتنا الأفاضل أحمد الأجدر وعبد الجواد الصابغ والسيد الشيحة وإبراهيم مشعل وغيرهم وعندما أجبته بسرعة بأنه لن يتبقي ولا عصفور لأن الباقي سيفر فزعا من شدة الصوت فتم إلحاقي مع زملائي في الصف الثاني الابتدائي مباشرة فتجاوزنا بهذا الامتحان عامين دراسيين الرابع في النموذجية والأول في الابتدائية والتي تحولت إلي إعدادية بعد إلغاء مسمي الابتدائية القديمة لنصبح مرة واحدة في الصف الثاني الإعدادي ولنكمل مرحلة الإعدادية أربع سنوات كاملة زاملت فيها إلي جانب من ذكرت آنفا أربع أخوات من خيرة بنات الزرقا هن أول من التحقن بالتعليم حني هذه المرحلة هن الفضليات عزيزة محمد فوده رحمها الله وليلي علي فوده  وفايزة كامل الباز وتحية حلمي السعدني  لننتقل بعد ذلك إلي المرحلة الثانوية في مدينة فارسكور وهناك تعرفت علي وجوه جديدة ارتبطت يبعضها لزمن طويل فيما بعد كان أقربهم إلي محمد البغدادي رحمه الله وإبراهيم العناني والسعيد فايق ومحمد البراشي وعثمان الصايغ ومحمد عبد الجواد الصايغ وغيرهم من جيل أعتبره أنه كان جيلا ذهبيا فكل منهم كان وما يزال علامة في تاريخ قريتنا الجميلة الزرقا في هذا التاريخ تزاملنا في الدراسة وتنافسنا لتحقيق التفوق وتزاملنا في لعب الكرة في الأجران وانقسمنا فيها إلي عدة فرق متنافسة بعضنا كان بقيادة بعض الكبار من جيل سبقنا كان منهم الأساتذة أحمد ناصف وأحمد العناني وإبراهيم الحديدي وجمعة أبو صقر وحتى تلك المرحلة من حياتي كان أبي رحمه الله ذلك الوافد السكندري الذي أقام مع الأخوين فرج ومحمد علي فوده مصنعا للصابون بعد هجرتهم جميعا من الإسكندرية في أعقاب غارات الألمان عليها وكبرت تلك الصناعة وراجت تجارة الصابون فينتقل المصنع من مكانه القديم علي النيل في ملك الأخوين حلمي وياسين شعبة فيما بعد ليستقر المصنع كمرفق من مرافق مضرب الأرز الحديث الذي بناه الأخوين فوده في موقعه الذى احتله فيما بعد معهد المعلمين بجوار محطات الجاز والبنزين ملك أسرة الراعي وأخر ملك الملاحي وفي محيط هذا المضرب ومن داخله مصنع الصابون شهد تكوين مرحلة الصبا من حياتي مع أصدقائي  وإخوتي فرج علي فوده وشقيقه محي وسلطان محمد فوده وشقيقه الأصغر علي وشقيقي عبد الرحمن ومع قلة اهتمام الأخوين فوده بمصنع الصابون وتدهور حالته المالية انفصل أبي عنهما واستقل بنفسه وبمصنعه الذي أنشأه وكان مقره الأول في ملك الحاج إبراهيم شريف بجوار ( الزربية ) تلك الساحة المغلقة التي كانت تباع بها منتجات الفخار من القلل جمع قلة والبلاليص جمع بلاصي والأزيار جميع زير القادمة بالمراكب الشراعية الضخمة عبر رحلة سنوية طويلة من أقصي الصعيد مع الفيضان كل عام وكان يجاورنا فرن علي سعد ومحل نجارة السواقي للأخوين المتولي وأحمد النجار وكان يقيم فوق فرن علي سعد في منزل عرف  بأنه منزل البيه لأنه كان ملك العمدة عبد الرحمن بك المليجي عبد الحميد أبو سمرة مدير الشئون القانونية فيما بعد بمديرية الصحة وفي تلك الحارة الشهيرة تعرفت علي إخوتي الأفاضل السعيد فابق وحمدي أبو سمرة الطيار الشهيد في حرب 1967 ومحمد المتولي النجار وحمدي علي النجار أستاذ كلية الزراعة فيما بعد وحسن الراعي  من خلال عمله مع والدي في مصنع الصابون لفترة طويلة وطلعت عبد اللطيف رحمهم  الله ثم توسع المصنع ليضم الجزء المطل علي النيل في نفس المبني وانتقلت سكني عائلتي أيضا من منزل عبد العظيم ندا إلي منزل  ملك عوض الصايغ فوق قهوة طلبة الشهيرة بجوار سيدي صالح ثم إلي منزل ملك الحاج إبراهيم شريف مجاور لمصنع الصابون في نفس ملكه علي جسر النيل ومع ازدهار الصناعة ورواجها اشتري والدي ثلاث نمر كما يقولون في أرض التقسيم بجوار صديقه الراحل الحاج عبد السلام موسي قريب والدتي وشقيقه السعيد بتشجيع من الحاج يوسف رخا والشيخ مندوه موسي رحم الله الجميع وقام والدي ببناء المصنع الجديد علي نمرتين وأعلاه شقتين لسكني عائلتنا وعائلة خالتي الصغرى وترك نمرة ليقيم عليها حديقة أحاطها بسور وكان يقوم بنفسه علي زراعتها ورعايتها حتى رحل عن دنيانا وفي هذا المنزل الجديد شهد انتقالي إلي مرحلة التعليم الجامعي حتى تخرجت من قسم الصحافة بآداب  القاهرة
أعود لأتحدث عن أشهر كتاب ( وجمعه كتاتيب )  في قرية الزرقا في الخمسينيات كان كتاب الشيخ سعيد الجلب وكان يقع في حارة جانبية متفرعة من الشارع الوحيد الذي تم تبليطه بطوب من البازلت الأسود المار أمام نقطة الشرطة في ذلك الحين وكان يشغل حجرة تشترك مع مشغل للنسيج اليدوي في شقة بالدور الأرضي أرضيتها من الطين الأسود الجاف حيث لم يكن البلاط قد انتشر استخدامه ومن ثم السيراميك وفي حجرة الكتاب التابع لجمعية الإصلاح الاجتماعي كان الشيخ سعيد الجلب يقوم بتعليم تلاميذه كل شيء اللغة العربية والحساب وحفظ وتجويد القرآن الكريم رغم أنه لم يكن حاصلا علي أي شهادات دراسية أو أزهرية إلا أنه في ذلك الكتاب قد تخرج فيه من عباءة الشيخ سعيد الجلب الكثير من الأعلام والشخصيات الاجتماعية المرموقة وكذلك الشيوخ الأفاضل الذين نبغوا في علوم الدين من بعد ، ولما بدأت السنة الرابعة من عمري قرر والدي رحمه الله أن يذهب بي بنفسه إلي الشيخ سعيد الجلب ويوصيه بأن يشدد علي وعلي أخي بعد ذلك في تحصيل العلم ولو بالفلقة وكان لدي الشيخ فقلة يمد عليها من لا يقوم بكتابة الواجب أو حفظ ما فرض عليه حفظه من آيات القرآن الكريم وهذه الفلقة استخدمت فيما بعد كثيرا في نقط البوليس وفي دوار العمد لتأديب المنشقين والخارجين علي القانون أو الحصول منهم علي اعترافات بما ارتكبوا من جرائم ينكرونها في بادئ الأمر وعند وضع أرجلهم في الفلقة كانوا يبادرون بالاعتراف قبل نزول أول خرزانة علي أرجلهم المكبلة بالحبل في عامود من الخشب هو والحبال مكونات تلك الفلقة التي اشتهرت بأسماء عديدة في ذلك الحين ، كانت تشد إليها الأقدام حافية وتثبت إليها ويحمل الفلقة شخصان واحد من كل جانب لضمان رفع الأقدام في مستوى الضرب وأيضا ضمان عدم تحركها مهما كانت قوة المربوط إليها .
وأذكر أنني ومعي صديق عمري إبراهيم العناني ( الذي صار فيما بعد عميدا لحقوق عين شمس وعضوا معينا في مجلس الشورى وأحد أعضاء لجنة مصر أمام محكمة العدل الدولية للدفاع عن قضية طابا والتي كسبناها بفضله وبفضل زملائه ) كنا نتنافس علي سرعة حل الواجب المنوط بنا في الحساب قبل الخروج من حجرة الكتاب مستعينين بلوح من الإردواز والطباشير الذي كان الشيخ سعيد يكافئنا به علي شطارتنا وكنا ونحن جلوس علي الأرض نحل الواجب نشهد شيخان في مقتبل العمر حرما نعمة البصر يدعي أحدهما الشيخ صابر والآخر الشيخ سيد فرج وكانا زبونان دائمان في فلقة الشيخ السعيد عند قيامهما بتسميع واجب حفظ القرآن لكثرة ما كانوا يخطئون في التلاوة أو التلعثم في مجرد القراءة للفظ من الألفاظ .
كانت أيام جميلة وصافية نذهب إلي الكتاب مسرعين فرحين خاصة يوم الخميس لنبادر قبل الدرس بدفع المعلوم وهو قرش صاغ واحد للشيخ الذي يكافئنا بأصبع كامل من الطباشير . ولما تقدم بنا العمر وازدادت مهارتنا قليلا في الكتابة كان ذلك حافزا لأهلنا أن يشتروا لنا كراسة وريشة ودواة حبر نكتب بها وتعلمنا مبكرا تحسين الخطوط علي غير قواعد وتعلمنا اختراع أقلام الحبر من البوص لكثرة تلف الريشة المشتراة وغلو ثمنها .
في كتاب الشيخ سعيد الجلب تعلمنا قبل أن نلتحق بالمدرسة الكتابة والحساب وحفظ أربعة أجزاء من القرآن الكريم وجودة مطالعة آيات القرآن حيث كانت وصية والدي دائما أن كثرة القراءة في القرآن تحسن النطق ومخارج الألفاظ كما تحسن الصوت أيضا وكان صادقا بالفطرة في كل ما قال فقد ساعدني ذلك كثيرا في الحفاظ علي سلامة الكتابة وسلامة النطق وجودة الإلقاء مما جعلني من الصغر مؤهلا للمشاركة في الإذاعة المدرسية وإلقاء الكلمات في الحفلات التي تقام بالمدارس في المناسبات المختلفة وحتى بعد التخرج من الجامعة أهلتني كيف أواجه الجماهير وكيف أكون محدثا وخطيبا يستمع إليه ويستحسن صوته في اللقاءات والمؤتمرات الرسمية وغير الرسمية فيما بعد وإلي وقت قريب حتى سألني الدكتور الفاضل أحمد جويلي يوما وهو محافظ لدمياط لماذا لم أعمل بالإذاعة ولم أجبه لأن الإجابة كانت تثير في نفسي كثيرا من الشجن والحنق علي شخصيات أخرى كان لها دورا سلبيا في حياتي منهم عبد الحميد الحديدي والدكتور مهدي علام اللذان أسقطاني في امتحان الإذاعة بعد تخرجي من الجامعة .
أجدني مضطرا قبل الاسترسال أن أعود قليلا لمرحلة التعليم الثانوي في فارسكور الثانوية لأسجل بعض المحطات المهمة في حياتي من خلال تلك المدرسة ففي الصف الأول كان علينا أن نستقل الديزل ( أبو خليل ) من الزرقا إلي فارسكور لقلة تكلفته سواء بالتذاكر أم بالاشتراك الشهري المخفض وكثيرون كانوا يزوغون من الدفع وبرعوا في ذلك وكانت له مخاطره اليومية المتكررة أقلها عدم القدرة علي الحركة علي قضبانه المبللة بماء الندي كل صباح أو بماء المطر فتدور عجلاته  في الهواء ولا تتحرك من مكانها وكان علي أحدهم أن  يجلس في مكان معين في منتصف العربة به وعاء كبير من الصاج مملوء بالرمل فيقوم صاحبنا بإسقاط بعض الرمال من فتحة معينة تنتهي أسفل القطار علي أحد القضبان فيساعد ذلك العجلات علي أن تدور فوق القضيب لا في الهواء وأحيانا مع السرعة والزحام نتيجة لميل العربات الشديد تنقلب علي الأرض ويتعطل القطار وتقف الحركة عليه من دمياط إلي المنصورة حتي يتم إرسال ونش يرفعه ونتيجة للزحام أيضا كانت تحدث كثير من المشاحنات والمشاجرات بين الطلبة كتجمعات تنتمي إلي قرية معينة ضد طلبة من قرية أخري بسبب تحرش أحدهم بطالبة من إحدي تلك القرى وهكذا
في المدرسة الثانوية بفارسكور كنت صغير السن والجسم بين رجال شبه متزوجين لهم شنبات ويرتدون الكرافتات بينما من في مثل سني كانوا ما يزالون يرتدون الشورت فكنت أجلس في  الدرج الأول في منتصف الفصل إلي جانب زميل متميز شكلا وهنداما أبوه  صيدلي من فارسكور كان اسمه عبد القادر خطاب بينما يجلس في آخر الفصل رجال كبار منهم الراحل صفوت شالوه وعلي عبد الحميد المليجي وحسين عبد الحليم بدوي من شرباص وزكريا عبد الباري المناوي من السرو وهكذا
في نهاية العام الدراسي الأول كانت مشورة الأستاذ الراحل أحمد العناني لي ولأخيه إبراهيم بأن نكتب رغبة الالتحاق بالقسم الأدبي تخصص جغرافيا حيث لم يكن سوي تخصصين اثنين فقط هما المتاحان في فارسكور الجغرافيا والتاريخ وكانت حجته أن القسم الأدبي يؤهلنا للالتحاق بكلية التجارة علما بأننا علمنا فيما بعد أن كلا القسمين العلمي والأدبي كانا يؤهلان لتلك الكلية رغم أنني كنت متفوقا في المواد العلمية أكثر من الأدبية إلا أننا لم تكن لنا دراية أو خبرة بالفارق بين الأدبي والعلمي وقد شاء القدر أن تفتتح مدرسة الزرقا الثانوية لأول مرة في بداية العام الدراسي التالي وتبدأ الدراسة في العام الأول بالصف الأول والثاني علمي فقط فانتقل كثير من الزملاء إلي مدرسة الزرقا الثانوية الجديدة والتحقوا بالصف الثاني العلمي بينما من اختار الأدبي كان عليه أن يكمل تعليمه كله في مدرسة فارسكور الثانوية وهكذا
وفي الصف الثاني أدبي والثالث أدبي تعرفت علي صديقي الراحل المستشار محمد يوسف عبد الباري من شرباص فقد كان من أشد المنافسين لي علميا وكان شديد الذكاء وذو قدرة كبيرة علي الحفظ فكان التنافس فيما بيننا علي أشده للحصول علي المركز الأول أفي جميع المنافسات حتي في حفظ قطع النصوص التي كنا نتسابق علي حفظها في نفس الحصة التي تدرس فيها وفي امتحان الثانوية العامة كان علينا أن نؤجر مكانا في دمياط في شقة أو حجرة أو فندق لتأدية الامتحان هناك لأن فارسكور لم يكن بها لجنة امتحان وكانت متاعب الإقامة بهذه الصورة تؤثر تأثيرا سلبيا علي نتائج الامتحان فلم نكن قادرين علي المذاكرة بتركيز أو المراجعة في جو هادئ فانتهي الأمر بي إلي التراجع إلي المركز الثاني بفارسكور الثانوية وحصل محمد يوسف علي المركز الأول بفارق درجتان فحصل هو علي 71% وكان الأول وحصلت أنا علي 69% وكنت الثاني بينما كان باقي الأصدقاء من الزرقا تتراوح مجاميعهم في الخمسينات في المائة ومنهم الراحل محمد البغدادي وإبراهيم العناني وانتهي بنا التنسيق إلي التحاقي بكلية الآداب وهناك اخترت في التنسيق الداخلي قسم الصحافة والتحق الجميع بكلية الحقوق كآخر كلية نظرية في التنسيق وأقمت في العام الدراسي الجامعي الأول في حجرة مستأجرة في الجيزة مع صديقي الراحل محمد البغدادي بينما أقام إبراهيم العناني مع شقيقته في حلمية الزيتون فكانت حياتنا صعبة في السكن الخاص ونعاني في الطبخ والغسيل والمكواة والمذاكرة في حجرة مشتركة بطبائع مختلفة بينما كانت الحياة مهيأة سهلة علي صديقنا إبراهيم عند إخوته فلم يكن يحمل هما لمتطلبات الحياة وكان متفرغا أكثر للمذاكرة والتحصيل .

تخرجت من قسم الصحافة بآداب القاهرة عام 1964 وكنت أعمل أثناء الدراسة محررا في جريدة المساء عام 1963 ثم في الجمهورية عام 1964 ثم حرمت من التعيين بالصحافة رغم أنني كنت الثاني علي دفعتي لسبب أنني كنت أعمل مع عبد الحميد سرايا مدير التحرير ووشي بي ناصف سليم لحلمي سلام بعد مذبحة الصحفيين التي تم فيها الاستغناء عن كثير من الصحفيين ومنهم سرايا وعينت في الاستعلامات فطلبت نقلي لدمياط بعد أن كنت أعمل مع دمياطية متميزة في مصلحة الاستعلامات هي سوسن مشرفة رئيسة قسم الرأي العام بمصلحة الاستعلامات وفي مركز الثقافة والاستعلامات عملت أول الأمر مع الراحل سعد الدين عبد الرازق كأخصائي ثقافي وبعد فصل الاستعلامات عن الثقافة تم توزيعي عشوائيا علي الثقافة ثم تم تفرغي للعمل كأمين تنظيم منظمة الشباب الاشتراكي بفارسكور لمدة تصل إلي 3 سنوات وبعد خلافات تم إنهاء تفرغي وفصلي من المنظمة فندبت للعمل مدرسا للغة الإنجليزية بمدرسة الزرقا التجارية لمدة عامين دراسيين ثم ألغي انتدابي مع تولي سعد الدين وهبة رئاسة الثقافة الجماهيرية وألحقت بمركز إعداد الرواد بالقاهرة لمدة 7 شهور في دورة إعداد الرواد الثقافيين وحصلت علي ترتيب الأول علي الدورة وعينني سعد وهبة مديرا لقصر ثقافة دمياط عام 1972 وكان عمري 28 سنة فقط ومنحني جائزة مالية ورحلة إلي ألمانيا الشرقية لمدة ثلاثة أسابيع عام 1975 ثم عينت مديرا لمديرية الثقافة بدمياط عام 1980 وحني نقلت مديرا عام للشرقية ثم مديرا عاما للثقافة بالغربية وانتدبت لمدة عام مديرا عاما لمكتب محافظ دمياط الدكتور الراحل عبد العظيم وزير رحمه الله فوكيل وزارة ورئيس لإقليم شرق الدلتا الثقافي عام 2001 وحتى خروجي للمعاش . ثم عملت مستشارا إعلاميا لمحافظ دمياط الدكتور محمد فتحي البرادعي لمدة سبع سنوات ثم اخترت بعد ثورة يناير 2011 وتعيين البرادعي وزيرا للإسكان الركون للراحة والتقاعد خاصة بعد تكرر  المظاهرات وحصار مبني المحافظة في دمياط ومحاولات التهجم علي المبني أكثر من مرة بعد أحداث ما سمي بثورة يناير