الثلاثاء، 15 يوليو 2014

جابر عصفور .. أين كنت

جابر عصفور .. أين كنت
عن ذلك الذى صار وزيرا للثقافة في بلادي كتبت في 15 سبتمبر 2010  قبل 25 يناير 2011

ردا علي الدكتور جابر عصفور









في الندوة الثالثة التي عقدتها الدار المصرية اللبنانية، يوم الثلاثاء 19 يناير 2010 ، بالمجلس الأعلى للثقافة، في إطار احتفاليتها باليوبيل الفضي على تأسيسها استضافت كلا من الدكتور جابر عصفور والدكتور راسم الجمال الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة، والدكتور محمد أبو الخير الأستاذ بأكاديمية الفنون، وحضرها الدكتور عماد أبو غازى الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة الذى خلف الدكتور عصفور في هذا المنصب بعد إحالته للتقاعد ، وعدد كبير من المثقفين والمبدعين الكبار والشباب ووسائل الإعلام المحلية والعربية. نشرت اليوم السابع ما قاله الدكتور جابر عصفور وهي إحدى الصحف التي يمولها المليونير القبطي المتعصب نجيب ساويرس تعقيبا علي ما وقع في نجع حمادي عندما قام أحد محترفي الإجرام هناك بفتح نيران بندقيته الآلية علي بعض المسيحيين فقتل عددا منهم إلي جانب الحارس المسلم وانتهز الانتهازيون ذلك الموقف فزعموا أنها فتنة طائفية واحتقان ديني إرهابي في حين أن الجميع هناك يعرفون القاتل علي أنه أحد عتاة الإجرام هناك وليس له أي خلفية دينية ومع هذا قال الكثيرون ما قالوا ونظم أصحاب المصلحة  المظاهرات في الداخل والخارج وأطلقوا العديد من الشعارات التي تفضح نوازع الخيانة للوطن واستعداء الخارج علي الوطن ونظامه السياسي وكان من بين من تصدوا لتحليل الظاهرة الدكتور جابر عصفور أمين عام المجلس الأعلى للثقافة طوال أكثر من عشرين عاما تحت رئاسة وزير الثقافة الحالي والمفترض أن الدكتور جابر وهو علي رأس مجلس يضم نخبة من المثقفين ذوي الاتجاهات العلمانية اللبرالية والمفترض أنهم طوال مدة تصديهم لوضع إستراتيجية العمل الثقافي في مصر طوال ربع قرن ومع هذا خرج علينا الدكتور جابر عصفور ليقول ( كي يصبح الوعي الجمعي فارغا بلا ذاكرة‏,‏ قابلا لأن يمتلئ بما تمليه عليه أو تزرعه فيه طلائع الاستبداد السياسي ودعاة الدولة الدينية ) فمن الذي صنع هذا الوعي الجمعي ومن الذي أفرغ ذاكرته وجعله عرضة لأن يمتلئ بما تمليه عليه أو تزرعه فيه طلائع الاستبداد السياسي  ودعاة الدولة الدينية ؟ وأين كان مجلس الدكتور عصفور وماذا فعل ؟ إن تصريحه هذا اعتراف مباشر وضمني بفشل هذا المجلس في تأدية دوره وسيادته كمسئول عن ذلك يكون قد ارتكب في حق الوطن مخالفة كبرى تستوجب الحساب والمساءلة لأنه قد أوصلنا إلي ما نحن فيه بل أصبح مسئولا عن نتائج هذا الفراغ واستغلال الجانب الآخر له وتغذيته بما أودي بحياة كثير من الضحايا .

          من تحدثوا عن الكموني مرتكب الجريمة أجمعوا علي أنه بلا أي خلفية دينية علي الإطلاق أي أنه كان في دائرة الفراغ وليس الجمعي الذي تحدث عنه الدكتور عصفور ولم تغذه طلائع مستبدة سياسية وليس له أطماع في الدعوة إلي دولة دينية – فلماذا تحوير القضية إلي هذا المنحي الذي شخصه الدكتور عصفور ووجه الاتهام إلي نفسه عن غير قصد ؟
          وقال الدكتور في نفس المقال ( إن شيوع إسلام النفط نفسه وهو إسلام سلفي متطرف‏,‏ يستمد مبادئه من الفقه الحنبلي المتأخر من خلال الكاسيتات الموجودة في مئات التاكسيات‏,‏ والمحلات التي تزدحم بها الأحياء الشعبية‏,‏ في موازاة حركة إنتاج واسعة للشرائط السمعية والبصرية الخاصة بالوعاظ المتطرفين الذين لا يعرفون التسامح الإسلامي الأصيل‏,‏ والذين يسهم شططهم في إحداث فتن طائفية ومن اللافت للانتباه أن الدور المصري الثقافي انقلب في هذا المجال‏,‏ وتحولت مصر من مصدر لقيم الاستنارة والعقلانية والتقدم إلي مستورد للمنتجات الثقافية الإظلامية التي تدعو إلي نقاب المرأة وقتل حرية العقل في التفكير والابتكار والحض علي التقليد وغير ذلك من رسائل ووسائل هدم الدولة المدنية‏,‏والبداية هي إشاعة عمليات تديين يراد بها تزييف الوعي ولا ينفصل عن الفكر الملبس‏,‏ في أكثر محلات ومصانع الزى الإسلامي للنساء وأنواع النقاب والحجاب‏,‏ حتى المايوهات الشرعية للنساء‏ ) . وهنا يصف الإسلام المنتشر حاليا بأنه إسلام النفط ولو صحت هذه الصفة لكان هناك أنواع أخرى من الإسلام تنتسب إلي أنواع المنتجات الطبيعية الأخرى التي تنتجها الدول الإسلامية الأخرى مع أن مصر علي وجه الخصوص ليست من دول النفط وكان الأولي بانتشار هذه الظاهرة دول الخليج والسعودية علي وجه الخصوص والعراق من قبلهم ومع هذا فإن تلك الظاهرة قد انفردت بها مصر فهل النقاب والحجاب والدعاوي السلفية هي دعاوي للتخلف والإرهاب ؟ أعتقد أن الدكتور لم يتنبه إلي أن الإرهاب الإسرائيلي في فلسطين بدءا من قتل الأطفال والنساء بكل أنواع السلاح وأحدث تكنولوجيا القتل والتدمير المنتجة في ترسانة أكبر دولة مسيحية في العالم ويبدو أيضا أنه قد نسي أن أكبر وأفجع بدأت مع الهجرة الدينية المسيحية من أوربا إلي الأمريكتين فأبادت شعوبها بالكامل واستمرت آلة الإرهاب الديني في الحملات الصليبية المتعددة التي استهدفت مصر والعالم العربي ونسي أيضا أن تدمير هيروشيما وناجازاكي لم يكن بفعل القنبلة النووية التي أنتجها إسلام النفط ولكن إرهاب عالمي غربي مستترا وراء مزاعم دينية ، ويبدو أن الدكتور عصفور لم يقرأ تاريخ إبادة المسلمين بالألوف في الأندلس تحت نفس المزاعم ، وحروب الإبادة في البوسنة والهرسك ماذا كانت أسبابها وأهدافها وتدمير العراق هل كان بسبب اقتنائه لأسلحة الدمار الشامل كما زعم الكاذب بوش والكاذب بلير وحلفائهم . إن لم يكن هذا إرهابا فما ذا يمكن أن تسميه يا دكتور ؟ وما دور الإسلام في كل ذلك وغيره كثير نسيته سيادتكم  ونسيه المغرضون ولكن التاريخ أبدا لن ينساه .
ويعود الدكتور جابر عصفور ليقول في نفس المقال ( وتعرف الطليعة من هؤلاء المثقفين‏,‏ كل في مجاله‏,‏ مدي الانحدار الذي أصاب الثقافة العامة وتصاعد معدلات التخلف والتراجع في الوعي الجمعي ) وأعود معه لأسأل كيف تصاعدت معدلات التخلف والتراجع في الوعي الجمعي ؟ ماذا فعل هو ومجلسه ووزارته في مواجهة هذا التراجع الجمعي ؟ إنها حقا مصيبا كمن يقتل القتيل ومشي مختالا في جنازته بمعني أن المجلس الأعلى للثقافة هو المسئول الأول عن هذا التخلف في الوعي الجمعي لو صح أنه موجود ولي تحفظ علي ذلك فأن تتهم المجتمع بالتخلف والتراجع في ظل التطورات التكنولوجيا المعرفية في السنوات الأخيرة فأنت تتهم مجلسك أولا ثم حكومات مصر علي مدي الربع قرن الماضي بأنها لم توفق في مواجهة صناع هذا التخلف بل وساعدتهم في إحداث هذا التراجع في الوعي الجمعي معي تحفظي الشديد علي هذا التنظير المغرض والخاطئ فدعني أعود بك لوصف هذا الوعي الجمعي خلال حرب أكتوبر عندما تعرض الشعب المصري لموقف خطير ظهرت روح ومعدن هذا الشعب بوعي جمعي فاق وعي النخبة المثقفة التي لم تستطع حتى الآن أن تسجل هذا الحدث العظيم في تاريخ مصر المعاصر . ثم تكررت نفس الروح ونفس الظاهرة في مواقف وطنية أخرى كثيرة. وأسأل الدكتور سؤالا أعتقد أنه لن يجيب عليه : لماذا لم تشاهد مصر هذا الاحتقان الطائفي الديني من قبل خمسة وعشرين عاما ؟ بل علي العكس تماما شهدت ثورة 1919 التحاما وطنيا رائعا بين الجميع وشهدت رمال سيناء في حرب أكتوبر ومن قبلها في حرب 67 ارتواء بدماء مصرية طاهرة من المسلمين والمسيحيين علي السواء فما الذي حدث ؟ هل هو النفط يا دكتور أم استراتيجيات أخرى لها نوايا خبيثة وأطماع واهمة لم تفلح الحملات الصليبية المتعددة في تحقيقها ولن تفلح أي قوى طامعة أخرى في الوصول إليها لأن مصر ليست العراق ومصر ليست أفغانستان كما أنها ليست السودان ولا الصومال .
وقال الدكتور فيما قال أن ( ‏ دور رأس المال النفطي بثقافته المتزمتة في تحديد المسموح والممنوع في الدراما التليفزيونية‏,‏ حيث يتم منع حتى تقبيل الأخ لأخته بدعوي التسويق في بلاد يحكمها إسلام النفط‏.‏) وهذه نظرة قاصرة إلي الأمور فإن الخليج النفطي أصلا لا يعاني من هذه الثقافة المتزمتة التي يتحدث عنها الدكتور وأسوق لك مثالا في دويلة نفطية تقوم علي قناة تليفزيونية هي دويلة قطر تلعب دورا ثقافيا كبيرا يتضاءل معه دورة وزارة الثقافة في أكبر دولة عربية بقيادة النخبة المثقفة الحالية في حين أن مصر في كل العصور السابقة علي النخبة الحالية كانت هي المنبع الثقافي الوحيد لكل تلك الدول النفطية وافتقدت هذا الدور تدريجيا في غفلة منا بفضل قيادات ثقافية افتقدت القدرة علي حمل الراية من جيل الرواد في مختلف فروع الثقافة والفنون فتنازلنا عن دورنا في إصدار الكتب للبنان والكويت وتنازلنا عن دورنا في الإبداع السينمائي حاليا للإمارات وتنازلنا عن دورنا في ريادة المسرح إلي سوريا واقتسم الكثيرين من العرب بعد أن تعلموا منا كعكة الزعامة والريادة الثقافية وأنت يا دكتور عصفور أحد المسئولين عن ذلك عندما ترأست المجلس الأعلى للثقافة ومن بعد رئاستك للمركز القومي الترجمة التي كانت في يوم ما من أكبر المؤسسات تأثيرا في الحياة الثقافية ليس في مص فقط ولكن في العالم العربي كله . ولكنها الآن تتفرغ لترجمة أحد الكتب الإسرائيلية !!!!
لسنا أمام ظاهرة شيوع إسلام النفط ولكننا أمام ظاهرة إهدار الهوية الثقافية المصرية بفعل قيادات ضعيفة تخلص قدراتها في صنع شعارات زائفة ومهرجانات ذات مفعول وقتي سريع الزوال فكيف ننتظر من فاقد الشيء أن يعطيه ؟ والإسلام يا دكتور عصفور عمره أكثر من 14 قرنا من الزمان من قبل أن يعرف العالم النفط وظل يصنع ثقافة التسامح والتراحم ولم يعرف ثقافة التخلف والإرهاب كما عرفه الآخرون وإن كانت هناك دولا إسلامية قد تخلفت فالعيب فيها وليس في الإسلام فهناك دولا إسلامية أخرى أكثر تقدما وازدهارا مثل ماليزيا التي تعتبر نموذجا فريدا يستحق الدراسة والتحليل . 
                                                                                     محمد عبد المنعم إبراهيم
                                                                                  وكيل وزارة الثقافة الأسبق




جابر عصفور مرة أخرى



كتبها محمد عبد المنعم إبراهيم ، في 28 أكتوبر 2010
جابر عصفور مرة أخرى
تنفك عقدة اللسان بعد مغادرة كرسي القيادة









الدكتور جابر عصفور متأثر في آرائه هذه الأيام بمواقف شخصية تعرض لها من بعض الإسلاميين وهذا الأمر لا يفترض في رجل مثقف موضوعي يحترم آراء الآخرين أما عن الوضع الكارثي للثقافة هذه الأيام والذي تنبه له فجأة فهو نتاج ربع قرن مضى والثقافة تحت إدارته وإدارة الوزير فاروق حسني وليست نتاجا عشوائيا بل نتاج طبيعي لما أصاب الثقافة من تدهور بفعل السياسات الخاطئة التي أدارت الثقافة في مصر علي مدي هذه السنين ولا يمكن بحال من الأحوال أن تأتي هذه الثقافة المتخلفة حاليا والمطلوب التصدي لها بجبهة إنقاذ قبل أن يعترف الدكتور وجهابذة الثقافة أنهم قصروا في اكتشاف ما يجرى حولهم وتقاعسوا عن مواجهته بفعل سياسات تعيين نخبة اليساريين وأهل الثقة في المراكز القيادية بوزارة الثقافة والمراكز  الثقافية المنتجة للثقافة في مصر والتي عجزت جميعها عن استقطاب الرأي العام المصري ورجل الشارع في مصر وتركته فريسة لتلك الثقافة التي تزعجه حاليا ويبقي السؤال لماذا لا يقول المسئول دائما الحقيقة وهو قابع علي كرسي المسئولية ولا ينطق بالحق إلا بعد مغادرته لهذا الكرسي ؟  
وقد نشر الدكتور عصفور مؤخرا كتابا في مكتبة الأسرة أسماه  «نقد ثقافة التخلف» وهو عبارة عن مجموعة مقالات نشرها في بعض الصحف ردا علي انتقادات جبهة علماء الأزهر لبعض آرائه قال عن الكتاب  ( التخلف بشكل عام هو كل ما يسعى إلى دفع المجتمع للوراء، حيث لا يسمح له بالتقدم، وهذا يعنى نوعاً معيناً من الثقافة، هي ثقافة تقدس الماضي ولا تتطلع إلى المستقبل، وتبدو كأنها في ريب من المستقبل، كل ثقافة ترفض الآخر وترفض حق الاختلاف ولا تسمح بالحرية والتعددية هي ثقافة تخلف، وهذه الثقافة لها جذور قديمة وليست ابنة اليوم، ولابد من فهم هذه الجذور حتى نواجه المظاهر المعاصرة لثقافة التخلف، وفى كتابي رصدت الجوانب المتعددة لثقافة التخلف فى المجتمع، وأكثرها خطورة وحاولت إعادتها إلى أصولها التاريخية، بما يعين العقل الذي يريد التقدم على مواجهة جوانب مظاهر هذه الثقافة ) ، ومعلوم بالضرورة أن ازدهار أي نشاط يرجع إلي تراجع النشاط المضاد له ، بمعني أن الليل إذا طغي وانتشر فإنما يحدث ذلك لتراجع النهار وبتوضيح أكثر بساطة أن ثقافة التخلف كما أسماها الدكتور عصفور قد ازدهرت وانتشرت لأن ثقافة التنوير التي قادها في رعاية وزيره فاروق حسني قد تراجعت وتدهورت فتركت الساحة خاوية لمن أراد أن يشغلها .
وقال لا فض فوه ( الثقافة المصرية فى أسوأ أوضاعها، وهنا لا أعنى المنتج الإبداعي الأدبي لأن هذا متميز جدا، لكن ما أعنيه هو الوعي المجتمعي، ما يتعلق بالتعليم والإعلام والفكر الديني السائد والعقليات والعادات الاجتماعية، الثقافة هنا بالمعنى الشمولي وليس بالمعنى الضيق الذي ينحصر فى الإبداع والفنون، وهى مهمة وزارة الثقافة، هذه الثقافة المجتمعية هي شيء معقد مركب يسهم فيه طرفان أساسيان، الأول هو الدولة ممثلة في ٤ وزارات هي «التعليم والإعلام والثقافة والأوقاف» والمجلس القومي للشباب، والثاني هو المجتمع المدني بأحزابه وجمعياته ) . فكيف يكون المنتج الإبداعي متميز جدا ويكون الوعي المجتمعي في أسوأ أوضاعه أليست هذه مفارقة مضحكة لا يكون المنتج الإبداعي متميزا بحال من الأحوال ما لم يكن له أثره في مجتمع المتلقين لهذا المنتج وإذا لم يحدث فمعني ذلك أحد أمرين إما أن المبدع منعزل عن المجتمع والمجتمع بالتالي لا يحس به وإما أن هذا الإبداع ليس فيه من التميز ما يسمح بخلق مجتمع متميز الوعي .
فلم إذن البكاء علي اللبن المسكوب ؟ ألستم أنت يا دكتور وأعوانك من التنويريين المتحجرين في المجلس الأعلي للثقافة  طوال ربع قرن مضي مسئولين عما حدث ؟ ثم تطالب اليوم النظام بالتغيير لماذا الآن ؟  أم لأنه لن يطولك لقد تأخرت دعوتك كثيرا يا سيدي  .