مظاهر منقرضة للاحتفال بالمولد النبوي في قرانا
انقرضت مظاهر كثيرة من مظاهر الاحتفال الشعبي بالمولد
النبوي كل عام في المجتمعات الدمياطية سواء في الريف أو في المدن ففي الأزمنة
القديمة كانت قرى محافظة دمياط تستعد مع بداية العام الهجري كل عام بالترتيب
للاحتفال بالمولد النبوي في أشكال مختلفة فكانت القرى تتنافس فيما بينها علي
التميز في أشكال الاحتفال سواء في الزفة كما كان يطلق عليها والتي كانت غالبا ما
تتم يوم الثاني عشر من ربيع الأول أو في إقامة الموالد الدينية وحلقات الذكر أو في إحياء ليالي المولد بقراءة القرآن وتوزيع القرفة باللبن داخل المساجد ففي قريتي الزرقا كنا ننتظر بشغف قدوم ابن الزرقا المغترب في القاهرة الحاج أمين موسي الزرقاوي ليقوم بتنظيم وتنسيق إقامة زفة المولد حيث يقوم أصحاب الحرف المختلفة يتجهيز مشاركاتهم
في تلك الزفة التي تأخذ مسارها في شوارع القرية بطولها كلها لكي يشاهدها جميع سكان
القرية من أقصاها إلي أقصاها وقد بلغ التنافس منتهاه فيما بين الحرفيين للفوز
بأحسن عربية في الزفة وكانت تلك العربات عبارة عن عربات كارو يجرها حصان ذات
عجلتين من الخشب يحكمهما إطار حديدي فيقوم المكوجي مثلا بتجهيز منضدة لكي الملابس
وإعداد وابور جاز لتسخين المكاوي الحديد وفي الزفة يقوم بكي قطع ملابس أعدها خصيصا
للزفة ويقوم بملء فمه بالمياه ليبخها علي الملابس قبل كيها ومن باب المداعبة لا
مانع من أن يبخ بعض المياه علي الواقفين علي الجانبين للفرجة علي الزفة وكذلك يقوم
نجار السواقي بنصب منشار الطويل علي العربة ويقوم اثنان من النجارين بشق قطعة من
خشب الشجر المستخدمة في صناعة السواقي ونري الحلواني الذى يكون قد أعد كثير من قطع
الحلوي العسلية والسمسمية والحمصية ويلقي بها علي المتفرجين من أهل القرية بينما
أبدع صاحب مقهي ذات مرة وأعد منصة علي عربته يجلس عليها عروسة وعريس وغالبا ما
تكون العروسة شابا جميل الطلعة يتم عمل مكياج بسيط له عبارة عن بدرة وروج فاقع
ويلبس فستان الزفاف ويضع طرحة علي رأسه وإلي جانبه عريس كوميدي يرتدي جلبابا وعليه
بالطو وفوق رأسه طربوشا ذو زر معووج من باب التندر والكوميديا بينما يقوم الجزارين
بزفاف بعض مواشيهم وأغنامهم ولا مانع من أن يشارك الفلاحين بتسيير نورج تجره بهيمة
ويقوم الفلاح بقيادتها وفي يده الكرباج يداعب به الجماهير ؛ ويتقدم الزفة فرقة للموسيقي النحاسية التي تعزف الإاغاني المشهورة ليتغني معها الناس وفي
وسط الزفة أو في نهايتها تشارك فرق من الطرق الصوفية الرفاعية والشاذلية
والبرهامية وغيرها ببعض أعضائها يحملون الأعلام التي تمثل الطائفة أو الطريقة
ويتقدمهم كبيرهم وكان يسمي الخليفة الذى ينال احتراما وتقديرا من بني طريقته يلبس عباءة مطرزة ويضع
شالا أبيض فوق رأسه ويمسك في يده مسبحة طويلة ومن خلفه أتباع طريقته يذكرون ويتلون
بعض الأناشيد الصوفية المعروفة لديهم التي تشيد بشيخ طريقته في أغلب إنشادهم
متضمنا صلاة وتسليما علي النبي الأمين صل الله عليه وسلم وفي وسط هذه الفرق
الصوفية موسيقي شعبية تتكون من عازف الناي أو المزمار البلدي مع دقات الدفوف
الكبيرة التي يلوحون بها مع الذكر والتمايل يمنة ويسرة وتنتهي مسيرة زفة المولد عادة بقافلة من الحمير والأحصنة وربما الجمال للاطفال الذين تأجلت طهارتهم لكي تكون بالمولد ويزفون فيه كنوع من الاحتفال بهم ؛
ولم يكن الاحتفال قاصرا علي الزفة ولكن هو بداية
لاحتفالات شعبية كثيرة بالمولد النبوي يتباري فيها أبناء القرية فتقوم بعض الأحياء
فيها أو بعض الأسر الكبيرة كل منها بإحياء ليلة المولد بإقامة حلقات الذكر التي
يتباري مقيموها في الاتفاق مع منشد شهير من خارج القرية يتقاضي أجرا كبيرا لينشد
مع حلقات الذكر القصص الشعبية التي تنبني علي الأساطير والخرافات المتوارثة عير
الأجيال والتي يختلط فيها الموروث الشعبي بالطقس الديني ويتم الاتفاق بين كبار
القرية علي تقسيم الليالي بين المشاركين بإقامة هذه الليالي والتي كانت تبدأ عادة
بعد صلاة العشاء وتمتد لساعات طويلة من الليل ؛
بينما يلجأ بعد المعتدلين من الأسر العريقة في القرية
بالتنافس علي إحياء المولد بطريقة أخري داخل المسجد الكبير بإحياء الليلة
بقراءة القرآن الكريم عن طريق مقرئ شهير ومنشد مع توزيع قطع الحلوى من السمسمية
والحمصية وغيرها أو أكواب القرفة باللبن علي الحاضرين للاحتفال داخل المسجد ويحرص
الكثير من أرباب الأسر في القرية علي شراء حلوي المولد التي تتكون من السمسمية
والحمصية والجزارية وعرائس المولد للبنات وأحصنة الحلوي للصبيان ويوزعونها علي
أسرهم أو أقاربهم ؛
كل هذه المظاهر قد اختفت تقريبا من مجتمعاتنا في القرية
التي اقتربت كثيرا في عاداتها من المدينة بعد دخول الكهرباء للبيوت واقتناء أجهزة
الراديو والتليفزيون ولم يبق من هذه العادات الشعبية للاحتفال بالمولد النبوي سوي
شراء حلوي المولد وتوزيعها علي الأهل والأقرباء .