الأربعاء، 5 نوفمبر 2025

حكم قراقوش

 

 حكم قراقوش ؟

 

عندما يستبد رب الأسرة في إدارته لأحوال أسرته أو المدير في قراراته لإدارة مصلحته أو الحالكم في دائرة حكمه يقولون عنه أنه حكم قراقوش وكثير منا لا يدري ماذا تعني هذه المقولة التي دخلت في قاموس الأمثال الشعبية المتوارثة دون دراية بمصدرها أو سبب ومناسبة قولها ؛

ومقولة "حكم قراقوش" هي مثل عربي شائع يضرب للدلالة على الظلم، والتعسف والغرابة في الحكم والقرارات.

فالظلم والجبروت : يُستخدم التعبير للتدليل على جور الحكم وجبروت القاضي أو الحاكم ويحتج به الشخص الذي يشعر بأنه قد ظُلِم في أمر ما أو وقع عليه قرار جائر لا يمكن التراجع عنه.

والقرارات الغريبة والغباء: يشير أيضًا إلى الأحكام العجيبة الغير منطقية أو الساذجة التي تصدر عن صاحب سلطة وتصور الحاكم تارة بالظالم وتارة أخرى بالغبي. أما الاستبداد والتعنت فيقال عن كل شخص صاحب جاه وسلطة يمارس غروره وظلمه وتعنته على الآخرين وعلى من هم تحت سلطته.

كل هذا يعود بنا إلي أصل المقولة فمن هو قراقوش هذا الذي يضرب به المثل في الاستبداد والتحكم والظلم والغباء إنه شخصية تاريخية حقيقية هو بهاء الدين قراقوش الأسدي الذي كان أحد القادة المقربين ووزير الحرب للسلطان صلاح الدين الأيوبي ونائبه في حكم مصر في فترات مختلفة.

اشتهرت سمعة قراقوش وذاع صيته  بعد وفاته بشكل سلبي بين العامة بسبب كتابات ساخرة نُسبت إليه وأشهرها كتاب "الفاشوش في حكم قراقوش"، والذي صوّره كحاكم مستبد وغبي يصدر أحكامًا مضحكة وغريبة. وقد اختلطت هذه الحكايات بالنوادر والطرائف الشعبية التي كانت تنسب لشخصيات أخرى حتى أصبحت تطلق على أي حكم ظالم أو غريب.

ولذلك، على الرغم من أن بعض المؤرخين يرون أن قراقوش كان شخصية تتمتع بكفاءة عالية وأمينًا وأسهم في أعمال إنشائية ضخمة (مثل قلعة صلاح الدين وسور القاهرة)، إلا أن الذاكرة الشعبية احتفظت به كمثال للحاكم الظالم غريب الأطوار فصار اسمه مرادفًا للظلم والاستبداد والغباء في القضاء.

وتشير المصادر التراثية إلى أن قراقوش الذي كان أحد وزراء #صلاح الدين الأيوبي في مصر بل إنه ركن من أركان توطيد حكمه واسمه بهاء الدين قراقوش. كان هذا الشخص غلامًا مملوكيًا، يقال إنه من أصل تركي دون تحديد واضح لهويته وقد تدرج بجده واجتهاده إلى أن صار قائدًا عسكريًا في بلاد الشام ومن ثم في مصر التي وصلها مع بزوغ فجر الأيوبيين وحكم صلاح الدين. وقد اعتمد عليه صلاح الدين الأيوبي، بالإضافة إلى اثنين آخرين هما الفقيه عيسى الهكاري والقاضي الفاضل وعمل ثلاثتهم على تثبيت دعائم الدولة وإنهاء الفوضى التي عمّت مصر بعد وفاة الخليفة العاضد الذى كان آخر الخلفاء الفاطميين  حيث حاول بعض رجاله الدخول في صدام مع صلاح الدين بأمل أن تبقى مصر تحت راية الفاطميين.

وينسب إلى قراقوش أنه قام بدور تاريخي في إنهاء سطوة أسرة العاضد حيث سجنهم وعزل نساءهم عن رجالهم وفرّق عنهم مواليهم وسيطر على ثرورة القصر الفاطمي التي كانت كبيرة جدًا.

وتذهب بعض الروايات إلى أن قراقوش، ومعناها النسر الأسود بالتركية كان قد خدم صلاح الدين في البداية إلى أن وثق فيه الرجل ومرات يقال إنه خدم عم صلاح الدين، وفي كل الأحوال فهو قد استطاع أن يصل إلى مكانة مرموقة في عصره  بإخلاصه في خدمته .

وينسب له أنه بنى السور المحيط بالقاهرة وقلعة الجبل وقناطر الجيزة وقد كان نائبًا لصلاح الدين في شئون الحكم بالديار المصرية وفي تدبير الأحوال ويقال إنه كان حسن المقاصد إلا أنه كان شديد الحكم ويأتي حكمه بطريقة غير تقليدية.

وقضى قراقوش قرابة ثلاثين سنة يخدم صلاح الدين وابنيه لترتبط صورته لدى العامة بالأحكام الغريبة والمدهشة التي تصوره تارة ذكيًا ومرة غبيًا وقد تم تناقل الكثير من تراثه في القضاء والحكم إلى اليوم لما فيه من نوادر وطرائف.

فهو لحدٍّ ما تم إعادة تصويره وإنتاجه كما حصل مع جحا وأشعب وغيرهما من الشخصيات التراثية التي بدأت بسيطة ثم تعقدت صورتها عبر المتناقل بواسطة الناس خلال الحقب والعصور.

ولم يعف من الحكم والدولة إلا مع عهد الملك العادل شقيق صلاح الدين، وحيث لزم بعدها بيته إلى أن توفي عام 1201م .

وقد حصل بهاء الدين قراقوش على لقب الأمير ونال ثقة الحكام في مصر والشام ومدّ جسره إلى الآثار الباقية حيث أنشأ القلعة والسور بالقاهرة رغم ذلك لم يسلم من الادعاء حوله.

فالمؤرخ المصري ابن مماتي الذي عاصر صلاح الدين الأيوبي كتب فيه كتابًا أسماه " الفاشوش في حكم قراقوش". ، وتشير كلمة "فاشوش" إلى الأحكام الفاشلة أو الوهمية وقد ورد في لسان العرب "فاشوش: ضعيف الرأي والعزم"، ويقال في الدارجة "فشوش" للشيء والكلام والفعل الفارغ الذي لا مضمون له.

وقد عمل ابن مماتي في مؤلفه هذا على نسج حكايات بسيطة ومضحكة منسوبة لقراقوش، ما سهل تداولها على الناس عبر الأجيال وبعض هذه القصص ليس واقعيًا بل كان من نسج خيال ابن مماتي المحض.

ويقال إن الصراع بين ابن مماتي وقراقوش وراء هذا الكتاب وحيث الأول كان يمثل سلطة القلم في حين أن الثاني كان يعكس تسلط السيف وقد تنافس الاثنان في عصر الأيوبيين على أن يكون لكل منهما نفوذه الأكبر. وقد فاز قراقوش على ابن مماتي ولكن فيما بعد كان المؤلف قد خلّد صورة بهاء الدين قراقوش بالطريقة التي أرادها، وذلك وفق النماذج التي رغب فيها بالضبط من تصويره على أنه أحمق وجائر.

من أحكام قراقوش :

بقدر ما تكشف أحكامه على الناس مقدار الحماقة إلا أنها تحوي حكمة نادرة وتدل على أن الأمور يمكن أن تُرى بأكثر من شكل، كما أنها تشير إلى ذكاء نادر في هذا الرجل فقدد حدث أن  شكا رجل إلى قراقوش تاجرًا أكل عليه أمواله فاستدعى قراقوش التاجر وسأله عن السبب فقال التاجر: "ماذا أفعل له أيها الأمير؟ كلما وفرت له الأموال لأسدد له دينه بحثت عنه فلم أجده". وفكّر قراقوش كعادته ثم حكم بأن يسجن الرجل صاحب الدين حتى يعرف المدين مكانه حين يريد تسديد الدين له فهرب الرجل قائلا: "أجري على الله ،  وقالوا لقراقوش مرة إن طائر "الباز" المفضل لديه قد هرب من القفص وطار فأمر قراقوش بغلق كل أبواب القاهرة حتى لا يستطيع الفرار.

ينسب إلي قراقوش أنه كان وراء إعدام العالم الشهير شهاب الدين السهروردي في عهد صلاح الدين صاحب العديد من المؤلفات المشهورة مثل "حكمة الإِشراق"، "هياكل النور"، "لغة النمل" وغيرها، وكان في السادسة والثلاثين من عمره عندما حكم عليه في عصر الأيوبيين.

وبين صورة الغباء والذكاء حيث يصفه البعض بالديكتاتور، ويصفه آخرون بالعادل غير المألوف في حكمه فإن صورة قراقوش إلى اليوم تباعدت بين الحقيقة والوهم وصار أسطورة لحد ذاتها يمكن أن تقرأ بأكثر من وجه.

 

 

الثلاثاء، 7 أكتوبر 2025

انتخايات اليونسكو بين إخفاق فاروق حسني ونجاح خالد العناني

 



انتخايات اليونسكو

بين إخفاق فاروق حسني ونجاح خالد العناني

في انتخابات اليونسكو عام 2009 رشحت الحكومة المصرية فاروق حسني وزير الثقافة لمنصب مدير منظمة اليونسكو العالمية للعلوم والثقافة أمام منافسته البلغارية إيرينا بوكوفا ورغم أن خلفية فاروق حسني الثقافية والتاريخية المؤيدة بحضارة مصرية تمتد لأكثر من سبعة آلاف عام إلا أنه اخفق إخفاقا مدويا وفازت البلغارية عليه فوزا ساحقا ، واليوم يفوز الدكتور خالد العناني وزير الآثار والسياحة المصري في هذه الاننتخابات فوزا ساحقا علي منافسه الكونغولي فهل كانت اسباب الفشل والنجاح في الحالتين مرتبطة بأشخاص المرشحين أم لأسباب أخري ؟

المنصب واحد وكلا المرشحان مصري الجنسية وكلاهما وزير في الحكومة وقت الترشيح ولكن النظام السياسي قد اختلف من مبارك إلي السيسي ومن أحمد أبو الغيط إلي بدر عبد العاطي وزيرا الخارجية في كلا النظامين ؛

خسر فاروق حسني أمام المرشحة البلغارية إيرينا بوكوفا في الجولة الخامسة والأخيرة من انتخابات المدير العام لليونسكوعام 2009 ويومها أشار حسني ومؤيدوه إلى عدة عوامل أدت إلى خسارته لعل أبرزها من وجهة نظره هو التسييس والمؤامرة الدولية فقد اعتبر فاروق حسني ومؤيدوه أن المنافسة "تم تسييسها" وأنه قد تعرض لمؤامرة دولية "محاكة خيوطها بدقة" استهدفت إسقاط المرشح المصري والعربي . وكان للدور الأمريكي والأوربي واليهودي متمثلا في اللوبي الصهيوني  تأثير قوي في إخفاق فاروق حسني وفوز البلغارية عليه بأغلبية ساحقة .علاوة علي وقوف دول عربية مثل قطر ضده بشكل سافر ومثير حيث ذكر يومها أن السفير القطري في اليونسكو وقتها كان يقوم بتحركات مضادة تدعو مندوبي الدول للتصويت ضد المرشح المصري، ويهددهم بقطع الدعم المادي. وبالرغم من تقدم فاروق حسني في الجولات الأولي للانتخابات إلا أن الأصوات تحولت ضده في الجولتين الرابعة والخامسة مستفيدة منافسته من انسحاب مرشحين آخرين واقتصرت المنافسة عليها مع فاروق حسني .

ورغم فشل الخارجية المصرية بقيادة أبو الغيط في الحشد لدعم فاروق حسني إلا أن الأخير قد أشارإلى أن وزارة الخارجية عملت "باحتراف طوال الحملة". كما كشفت تقارير أن الدبلوماسية المصرية رفضت طلباً رسمياً من السفيرة الأمريكية آنذاك لإعادة النظر في ترشيح حسني وتغييره، مما يؤكد دور الخارجية في الدفاع عن ترشيح حسني رغم الضغوط الدولية. واستخدام الولايات المتحدة حجم دعمها المالي للمنظمة كسلاح توجه به الانتخابات ضد فاروق حسني الذى لم يكن داعما للتطبيع الثقافي مع اسرائيل بل ادعت احدي المنظمات الصهيونية أنه قد صرح في مجلس الشعب بعد سؤال لعضو ينتمي للإخوان المسلمين حول مشاركة اسرائيل في معرض الكتاب المصري بأنه لو راي كتابا إسرائيليا علي أرفف معرض الكتاب لحرقه .ففازت البلغارية بفارق أربع أصوات 31 صوتا لصالحها مقابل 27 لفاروق حسني

نجاح خالد العناني في انتخابات اليونسكو (2025) :

منذ أيام قليلة فاز الدكتور خالد العناني وزير السياحة والآثار المصري السابق بمنصب المدير العام لمنظمة اليونسكو، ليصبح أول مصري وعربي وثاني إفريقي يتولى هذا المنصب. وتميز فوزه بـاكتساح غير مسبوق حيث حصل على 55 صوتاً من أصل 57 صوتاً في المجلس التنفيذي (مقابل صوتين لمنافسه الكونغولي). ليصبح أول رئيس لتلك المنظمة الدولية من مصر وثاني رئيس لها من أفريقيا بعد أمادو مختار، من السنغال الذى كان أول رئيس لها من أفريقيا وقد أمادو توفي في داكار عن عمر يناهز 103 أعوام..

ويرجع البعض أسباب نجاح العناني  الساحق إلى عدة عوامل منها خبرته وكفاءته العلمية حيث يتمتع بسيرة ذاتية أكاديمية ومهنية ثرية كأستاذ لعلم المصريات وخبرة في الإدارة الدبلوماسية الثقافية علاوة علي تقلده عدة مناصب وزارية مهمة (وزير الآثار، ثم وزير السياحة والآثار) أظهر فيها كفاءة في التعامل مع الملفات الدولية كما وأنه حاصل على أوسمة دولية رفيعة من فرنسا واليابان وبولندا وغيرها، مما يعكس تقديرا دوليا لمسيرته؛

إلا أن الأهم من كل ذلك هو الدعم الدبلوماسي المصري القوي: الفوز يُعد تتويجاً لـ "الرصيد والثقل الدولي للسياسة الخارجية المصرية" والدعم الكامل من القيادة المصرية، بالإضافة إلى حملة انتخابية منظمة ومكثفة قادتها وزارة الخارجية المصرية بنجاح بقيادة وزير الخارجية النشط بدر عبد العاطي .

وقد طرح العناني رؤية واضحة لولايته تركز على تعزيز دور الثقافة والتعليم لتحقيق التنمية المستدامة، وحماية التراث، وتوسيع التعاون في التكنولوجيا الثقافية والتعليم الرقمي.

 

الثلاثاء، 9 سبتمبر 2025

بين مظاهر التراث والشعائر

 بين مظاهر التراث والشعائر 

 

في معرض الحديث عن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف خلط أبو جهل مدعي الدكتوراه كرئيسه النصاب العالمي أكبر مهرب للآثار المصرية في عصرها الحديث فقال لا فض فوه أن احياء الاحتفال بذكري المولد النبوي الشريف عن طريق مواكب السيارة من عامة البسطاء يحملون الرايات والأعلام ويدقون الدفوف وصاجات النحاس ابتهاجا كما زعم ويزعمون بمولد المصطفي وإن هو إلا زعم كاذب مضل يكرس للتخلف في زمن لا يعرف مكانا ولا وقتا لكل الضالين مهما كانت ألوان عمائمهم حمراء أم خضراء ومهما كانت ألوان راياتهم سوداء أم بيضاء تحت مسميات طوائف وطرق صوفية لا نعرف لها نشأة إسلامية حقيقية ولم بأت بها نص واضح أو صريح يعترف بها حتي كطريقة للاحتفال بتلك المناسبة الكريمة

فهل مواكب السيارة المصرية التي يحاول عبثا بعثها من تجاوزهم التاريخ وأغفلهم الدين الحق هل هي حقا مظهر احتفالي أم شعيرة دينية ؟ وهل هو مرتبط حقا كما يزعم أبا جهل مرتبط بالهوية المصرية ؟؛

يعتبر الموكب في مصر جزءاً من التقاليد والاحتفالات، ولكنه ليس بالضرورة مرتبطًا بالهوية المصرية بشكل عام أو يعتبر من الشعائر الدينية. بل هو مظهر احتفالي 🎊 كان في عهد ما مظهرا بروتوكوليا في مصر .

في المقابل، فإن الشعائر هي في  العادة طقوس دينية أو اجتماعية متوارثة، مثل احتفالات الزواج أو الجنائز، التي تعكس معتقدات وقيم المجتمع. أما الموكب، فهو غالباً ما يكون حدثاً منظماً لغرض احتفالي أو رسمي، وليس طقساً دينياً.

ترتبط المواكب ارتباطًا وثيقًا بالطرق الصوفية في مصر، وهي ممارسة ذات جذور تاريخية عميقة في المجتمع المصري. المواكب هي جزء أساسي من الاحتفالات الدينية للطرق الصوفية، خاصة في المناسبات الكبرى مثل المولد النبوي الشريف، ورأس السنة الهجرية، ورؤية هلال شهر رمضان.

المواكب الصوفية التاريخية:

  • تعتبر المواكب الصوفية جزءًا من الطقوس والممارسات التي تظهر تكاتف أتباع الطرق الصوفية وحبهم للرسول صلى الله عليه وسلم والأولياء.
  • تتميز هذه المواكب بالمسيرات التي يشارك فيها الآلاف من المريدين، وهم يرتدون الزي الأبيض ويرفعون الرايات الخضراء المميزة لكل طريقة.
  • تُردد خلال هذه المسيرات المدائح النبوية والأناشيد الدينية والذكر.
  • تنسق المشيخة العامة للطرق الصوفية هذه المواكب مع مؤسسات الدولة لضمان انسيابية الحركة المرورية وسلامة المشاركين.
  • على الرغم من أن استخدام السيارات في المواكب وهو تطور حديث يواكب العصر، إلا أن جوهر الموكب الصوفي التقليدي يظل قائمًا، حيث يظهر في المشي على الأقدام، والترديد الجماعي للأناشيد، ورفع الرايات بينما يركب كبيرهم أو من يطلق عليه رئيس الطرق الصوفية عامة علي فرس مزين ويغطي الولي بالرايات والأعلام التي تتخذ صفة قدسية لدي المريدين الذين يتسابقون أحيانا لتقبيل يدهم وهو مستسلم للجميع بمد يده لهم التماسا للبركة

وأين ومتي نشأت ظاهرة المواكب الصوفية

نشأت ظاهرة المواكب الصوفية في مصر، وتحديداً في العصر الفاطمي، حيث يُرجع المؤرخون أصولها إلى احتفالات الفاطميين بالمناسبات الدينية، مثل المولد النبوي الشريف. وقد تطورت هذه الظاهرة عبر العصور كالتالي:

  • العصر الفاطمي: يُعتبر بداية المواكب الاحتفالية الكبرى في مصر، وخاصةً في احتفالات المولد النبوي، والتي كانت تتضمن موكباً رسمياً يشارك فيه كبار رجال الدولة مع العامة.
  • العصر الأيوبي والمملوكي: استمرت المواكب الصوفية وتطورت، حيث أضاف المماليك إليها موكباً آخر لإعلان رؤية هلال شهر رمضان، في تقليد كان يهدف إلى إعلام الناس بقدوم الشهر الكريم.
  • العصر الحديث: أصبحت المواكب الصوفية سمة أساسية في احتفالات الموالد المختلفة في مصر، مثل مولد السيد البدوي والسيدة زينب، وأصبحت الطرق الصوفية تنظمها سنوياً بشكل منتظم.

وتجدر الإشارة إلى أن المواكب الصوفية الحديثة في مصر تتبع في جوهرها هذا التقليد التاريخي، مع إضافة بعض المظاهر العصرية مثل استخدام السيارات، لكنها تظل مرتبطة بالمدائح النبوية والذكر ورفع الرايات.

فمن هو مؤسس الدولة الفاطمية ؟

مؤسس الدولة الفاطمية هو عبيد الله المهدي.

أعلن عبيد الله المهدي قيام دولته في بلاد المغرب عام 297 هـ (909م)، بعد أن تمكن أتباعه من السيطرة على مساحات واسعة من شمال أفريقيا. وقد اتخذ من مدينة المهدية في تونس عاصمة لدولته قبل أن تنتقل لاحقًا إلى القاهرة في مصر.

حيث أنشأ الجامع الأزهر القائد الفاطمي جوهر الصقلي. بُني الجامع الأزهر بأمر من الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، وقد بدأ بناؤه في عام 359 هـ (970م)، وافتُتِح للصلاة في عام 361 هـ (972م)، ليصبح أحد أهم المعالم الإسلامية والعلمية في العالم.

وهل كان الأزهر سنيا أم شيعيا

عندما أُسس الجامع الأزهر، كان شيعيًا تابعًا للمذهب الإسماعيلي وهو المذهب الرسمي للدولة الفاطمية التي أنشأته. ولكن، عندما انتهى حكم الفاطميين على يد صلاح الدين الأيوبي، تحول الأزهر تدريجيًا إلى منارة للمذهب السني، وأُعيد افتتاحه للصلاة والتدريس ليصبح فيما بعد أكبر مؤسسة علمية سنية في العالم.

كم سنة حكمت الدولة الفاطمية مصر وكم سنة حكم الأيوبيون

حكمت الدولة الفاطمية مصر لمدة 202 عامًا، من عام 969 م (358 هـ) إلى عام 1171 م (567 هـ).

أما الدولة الأيوبية، فقد حكمت مصر بعد سقوط الفاطميين واستمر حكمها حوالي 81 عامًا، من عام 1171 م (567 هـ) إلى عام 1250 م (648 هـ).

تُعد المواكب الصوفية في مصر ظاهرة متجذرة في التاريخ، فهي ليست مجرد مسيرات، بل هي تجسيد حي لتاريخ طويل من الاحتفالات الدينية والتراث الشعبي. ورغم أن الموكب في جوهره هو ممارسة قديمة تعود لعصور مضت، إلا أن ظهور السيارة فيه يمثل تطورًا حديثًا يعكس التفاعل بين التقاليد العريقة ومظاهر الحداثة.

في ذلك الوقت كان الموكب الصوفي ممارسة راجلة (أي مشيًا على الأقدام)، تعكس التواضع والجهد المبذول في حب الرسول والأولياء. وكانت المسيرة تتسم بالبساطة والعمق الروحي حيث يتجمع المريدون في صفوف منتظمة وتتعالى أصواتهم بالذكر، ويتحركون في إيقاع واحد نحو وجهة مقدسة كجامع أو ضريح أحد الأولياء.

 

 

يري أبو جهل مدعي الدكتوراه أن تلك المواكب شعيرة دينية وأن من يهاجمها فهو يهاجم التراث ويهاجم الهوية المصرية  فأين الحقيقة ؟

الحقيقة في هذا الموضوع تكمن في التفرقة بين مفهوم "الشعيرة الدينية" ومفهوم "التراث الشعبي"، فالأمر ليس واحدًا ويمكن توضيحهما على النحو التالي:

1. هل الموكب "شعيرة دينية"؟

الشعيرة الدينية في الإسلام هي فريضة أو ركن أساسي من أركان الدين ورد به نص قطعي في القرآن الكريم أو السنة النبوية مثل الصلاة أو الصيام أو الحج أو الأذان وبناءً على هذا التعريف فإن المواكب الصوفية لا تعتبر شعيرة دينية في نفس درجة الفرائض والأركان لأنها لم تُذكر في النصوص المقدسة كأمر واجب أو فرض. بل هي ممارسة اجتهادية ومظهر من مظاهر الاحتفاء والاحتفال بالمناسبات الدينية.

2. هل الموكب "تراث شعبي"؟

التراث الشعبي هو مجموعة العادات والتقاليد والممارسات الاجتماعية والثقافية التي تتناقلها الأجيال. وعلى هذا الأساس، فإن المواكب الصوفية تُعد جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافي والديني المصري. فهي:

  • لها جذور تاريخية عميقة تعود إلى العصر الفاطمي.
  • تمثل مظهرًا من مظاهر الحب والولاء للرسول الكريم والأولياء الصالحين.
  • تُعبر عن حالة اجتماعية وروحية فريدة يشارك فيها آلاف المصريين في مختلف المحافظات.

إن المواكب الصوفية ليست شعيرة دينية بالمعنى الفقهي الدقيق، ولكنها بالتأكيد تراث شعبي أصيل ومتجذر في الوجدان المصري ويعود تاريخها إلى قرون مضت ويُعد من ينتقدها أو يهاجمها من منطلق أنها بدعة أو أنها لا تمت للشعائر بصلة هو يهاجم التراث الثقافي لأمة وتاريخهاوهويتها وهذا خلط لا ينبغي أن يقع فيه أصحاب أدني حظ من الثقافة او التعليم

 

الأربعاء، 6 أغسطس 2025

لماذا يتجاهل كبار المبدعين بداياتهم الأولي

 

لماذا يتجاهل كبار المبدعين بداياتهم الأولي

يتجاهل المبدعون الكبار بداياتهم الضعيفة الأولي لعدة أسباب نفسية وعملية فأغلبهم يظن أنه قد ولد عبقريا متقردا من يومه متناسيا أن هناك من أخذ بيده وهو يحبو في المعرفة والعلم وإن كان موهوبا

1. التركيز على الحاضر والمستقبل: يرى المبدعون أن التركيز على إنجازاتهم الحالية والمستقبلية أهم بكثير من استحضار الماضي. فبدلاً من التفكير في أخطاء البدايات يفضلون توجيه طاقتهم نحو تطوير مهاراتهم وتقديم أعمال جديدة وترك بصمة أكبر في مجالهم.

2. إدراك أن الفشل جزء طبيعي من النجاح فمعظم المبدعين يعتبرون تلك التجارب الأولى الضعيفة مجرد خطوات ضرورية على طريق التعلم. هم يدركون أن الفشل هو معلم لا غنى عنه وأن تلك البدايات الصعبة هي ما شكلت شخصيتهم الفنية ودفعتهم للتحسن. لذلك، لا يجدون داعيًا للتوقف عند نقطة البداية بل ينظرون إليها كجسر عبروه للوصول إلى ما هم عليه الآن .

3. الخوف من المقارنة السلبية فقد يخشى بعض المبدعين أن تؤدي العودة إلى أعمالهم الأولى إلى مقارنة سلبية تقلل من قيمة أعمالهم الحالية. فهم يريدون أن يُنظر إليهم من خلال إبداعاتهم الناضجة التي تعكس خبرتهم وتطورهم، لا من خلال أعمالهم التي كانت مجرد محاولات أولية.

4. الحفاظ على الصورة الاحترافية فغالبًا ما يسعى المبدعون للحفاظ على صورة احترافية قوية. قد يرون أن عرض أعمالهم الضعيفة يمكن أن يؤثر على ثقة الجمهور بهم أو يقلل من مكانتهم الفنية التي بنوها بجهد كبير.

5. الانفصال العاطفي عن العمل مع مرور الوقت قد يصبح المبدع أقل ارتباطًا عاطفيًا بأعماله الأولى فهو لم يعد يرى فيها ذلك الشغف الأولي الذي كان يحمله بل ينظر إليها من منظور أكثر نقدًا وحيادية مما يجعله يفضل تقديم أعماله التي تعبر عن نضجه وخبرته الحالية.

باختصار، تجاهل كبار المبدعين لبداياتهم ليس إنكارًا لماضيهم، بل هو علامة على نضجهم وتركيزهم على رحلتهم المستمرة نحو التطور والإبداع.

6. ربما لا يريدون أن يقال أنهم كانوا مجرد تلاميذ لمن هم أقل منهم شأنا اليوم هذه نقطة مهمة جدًا وتلامس جانبًا نفسيًا عميقًا. يمكن أن يكون هذا أحد الأسباب القوية بالفعل. فالمبدع الذي وصل إلى مكانة مرموقة قد يجد صعوبة في الاعتراف بأنه كان في يوم من الأيام "تلميذًا" أو متأثرًا بشخصيات لم تستطع الوصول إلى نفس مستواه أو أنهم تراجعوا عن المشهد الإبداعي وابتعدوا عنه .

هذا الموقف يمكن تفسيره من عدة زوايا:

·         حماية السمعة والمكانة: الاعتراف بالبدايات الضعيفة أو التأثر بآخرين قد يُنظر إليه على أنه يقلل من "أصالة" المبدع أو يضعف صورته كقائد أو رائد في مجاله.

·         بناء الهوية المستقلة: مع تطور المبدع يسعى إلى بناء هوية إبداعية خاصة به تمامًا والعودة إلى بداياته قد تعيد ربطه بتأثيرات سابقة لم يعد يرى أنها تمثله.

·         الرغبة في أن يُرى كـ "مبدع فطري" البعض قد يفضل أن ينظر إليه على أنه موهبة فريدة لم تحتاج إلى التوجيه أو التعلم من الآخرين حتى لو كان هذا غير واقعي.

بالتأكيد، هذه الأسباب تتكامل مع الأسباب الأخرى التي ذكرناها سابقًا مثل التركيز على المستقبل، وإدراك أن البدايات جزء من الرحلة. في النهاية فكل مبدع له دوافعه الخاصة في كيفية التعامل مع ماضيه لكن فكرة "عدم الرغبة في أن يُرى كتابع" هي من الدوافع التي تلعب دورا كبيرا في هذا الجانب.

 

الخميس، 24 يوليو 2025

المعادل الموضوعي عند سعد الدين وهبة


المعادل الموضوعي عند سعد الدين وهبة

 



على الرغم من أن مصطلح "المعادل الموضوعي" ارتبط بشكل كبير بتي. إس. إليوت وتطبيقاته في النقد الأدبي وخاصة في المسرح الذهني عند توفيق الحكيم إلا أن سعد الدين وهبة لم يُعرف عنه تبنيه الصريح أو الواضح لهذا المفهوم بنفس الطريقة النظرية التي تبناها الحكيم.

سعد الدين وهبة كان كاتبًا مسرحيًا وسينمائيًا بارزًا، وتميزت أعماله بما يلي:

  • الواقعية والاجتماعية: ركز وهبة في مسرحياته على قضايا المجتمع المصري وهمومه وقدم شخصيات من الواقع تعكس شرائح مختلفة من المجتمع. كانت أعماله غالبًا ما تتناول الفساد والبيروقراطية والصراع الطبقي والتحديات التي تواجه الفرد في المجتمع.
  • المسرح الجماهيري: على عكس المسرح الذهني للحكيم الذي كان يميل إلى القراءة، كانت مسرحيات وهبة تُكتب لكي تُعرض وتتفاعل مع الجمهور. كان يمتلك حسًا دراميًا قويًا وقدرة على بناء الحبكة والشخصيات بطريقة تجذب المشاهد.
  • الرمزية غير المباشرة: على الرغم من واقعيته، لم تخلُ أعمال وهبة من الرمزية ولكنها كانت غالبًا رمزية متجذرة في الواقع ومستوحاة من تفاصيله اليومية وليست رمزية فلسفية مجردة كالتي نجدها عند الحكيم وكان يستخدم المواقف والشخصيات لتعبر عن أفكار أعمق ولكن ضمن سياق درامي واقعي ومفهوم للجمهور.
  • اللغة البسيطة والمباشرة: استخدم وهبة لغة قريبة من لغة الحياة اليومية إلا أن الحكيم قد سبق الجميع في اكتشاف اللغة الثالثة التي هي بين الفصحي والعامية مما ساهم في وصول أعماله إلى شريحة واسعة من الجمهور.

بينما كان توفيق الحكيم يسعى إلى "إبعاد ذاته" عن العمل الفني من خلال المعادل الموضوعي ليقدم أفكارًا مجردة كان سعد الدين وهبة يغوص في الواقع ليقدم قضاياه ومشكلاته وقد يستخدم عناصر فنية تثير المشاعر أو تعبر عن أفكار معينة لكنها تندرج أكثر تحت مفهوم الرمزية الواقعية أو التعبير عن الواقع من خلال الفن وليس بالضرورة "المعادل الموضوعي" بمفهومه النقدي الدقيق الذي يهدف إلى تجسيد العاطفة المجردة من خلال مجموعة من المثيرات الخارجية.

باختصار، يمكن القول إن سعد الدين وهبة لم يتعامل مع "المعادل الموضوعي" كمصطلح نقدي يوجه كتاباته بنفس الطريقة التي فعلها توفيق الحكيم بل كانت أعماله تميل إلى الواقعية الاجتماعية مع توظيف رمزي يخدم القضايا التي يطرحها. علي الرغم من أن شخصيات مسرحية سكة السلامة كانت رموزا واضحة لمكونات المجتمع المصرية فالغانية والفهلوي وتاجر القطن وغيرهم كانوا رموزا عن مكونات طبقية في المجتمع المصري فسعد الدين وهبة على عكس توفيق الحكيم الذي كان يميل إلى الرمزية الفلسفية المجردة في مسرحه الذهني، كان يستخدم الرمزية الواقعية في "سكة السلامة" ليعكس قضايا اجتماعية وسياسية عميقة.

الرمزية الاجتماعية في "سكة السلامة"

في "سكة السلامة"، تُمثل كل شخصية شريحة أو نمطًا سائدًا في المجتمع المصري وتكشف تفاعلاتهم عن عيوب ومشاكل هذا المجتمع:

  • الغانية: غالبًا ما ترمز إلى الجمال الفاتن أو اللذة العابرة وقد تُشير أيضًا إلى الانحراف الاجتماعي أو القيم السطحية في سياق "سكة السلامة"، قد تمثل جزءًا من المجتمع الذي يسعى وراء الملذات أو الذي فقد بوصلته الأخلاقية.
  • الفهلوي: يرمز إلى الشخصية الانتهازية الماكرة، التي تعتمد على الذكاء الاجتماعي والخداع لتحقيق مصالحها الشخصية دون مراعاة للأخلاق أو المبادئ هذه الشخصية منتشرة في أي مجتمع يعاني من ضعف الرقابة أو تفشي الفساد.
  • تاجر القطن (أو التاجر بشكل عام): يمثل الطبقة الرأسمالية الانتهازية أو التجارية، التي قد تكون مهتمة بالربح المادي أولًا وقبل كل شيء وقد لا تتردد في استغلال الظروف لتحقيق مكاسبها مما يعكس قضايا الفساد الاقتصادي أو الجشع.
  • الموظف الروتيني/البيروقراطي: فهي ترمز إلى الجمود، الروتين القاتل، والبيروقراطية التي تعيق التقدم وتُعرقل حياة الناس.
  • الشخصية المثقفة/المتأملة: قد تكون موجودة لتعكس الوعي الضميري أو محاولة البحث عن الحقيقة، لكنها قد تكون عاجزة عن إحداث تغيير في وجه الواقع الصادم.
  • الشخصيات الأخرى: غالبًا ما كانت هناك شخصيات أخرى تمثل عامة الشعب أو الطبقات الفقيرة أو الفئات المهمشة لتكتمل الصورة البانورامية للمجتمع.

ولأن المسرح كما يقال مرآة للمجتمع فإن أهم ما يميز سعد الدين وهبة في "سكة السلامة" هو قدرته على استخدام هذا الجمع من الشخصيات في سياق رمزي هو "الضياع في الصحراء" (رمز للضياع المجتمعي أو غياب الرؤية)، ليُظهر كيف تتصرف هذه الشرائح المختلفة عندما تواجه أزمة حقيقية. المسرحية بذلك لا تقدم مجرد شخصيات فردية بل تقدم تحليلًا نقديًا للنسيج الاجتماعي والسياسي في مصر في تلك الفترة. إن "سكة السلامة" تُعد من الأعمال الكلاسيكية في المسرح المصري التي نجحت في توظيف الرمزية بذكاء لخدمة القضايا الاجتماعية والسياسية، وجعلت من المسرح مرآة تعكس الواقع بكل تعقيداته وتناقضاته.

 

 

 

 

المعادل الموضوعي عند توفيق الحكيم



يُعد مصطلح "المعادل الموضوعي" Objective Correlative) ) من المفاهيم النقدية التي ارتبطت بتوفيق الحكيم خصوصًا في سياق حديث النقاد عن "المسرح الذهني" الذي ابتكره هذا المصطلح الذي ارتبط في الأصل بالناقد الإنجليزي ت. إس. إليوت يشير إلى:

مفهوم المعادل الموضوعي : هو مجموعة من الأشياء أو المواقف أو سلسلة من الأحداث التي عندما تُعرض في العمل الفني (سواء مسرحية أو قصة أو قصيدة) تثير في المتلقي نفس العاطفة التي يريد الكاتب التعبير عنها دون أن يصرح الكاتب بهذه العاطفة بشكل مباشر. بمعنى آخر هو "بديل فني" للعاطفة المجردة. الهدف هو إبعاد ذات الكاتب وأحاسيسه المباشرة عن العمل الإبداعي وجعل العمل الفني "يتحدث عن نفسه" من خلال هذه الرموز والمواقف.

تطبيق توفيق الحكيم للمعادل الموضوعي في مسرحه الذهني : توفيق الحكيم، الذي يُعرف بريادته للمسرح الذهني كان يميل إلى المسرح الذي يُقرأ أكثر مما يُمثل. في هذا النوع من المسرح كان الحكيم يسعى إلى:

  • التعبير عن الأفكار المجردة والقضايا الفلسفية : بدلاً من تقديم شخصيات حية وصراعات واقعية بالمعنى التقليدي كان الحكيم يوظف شخصياته ومواقفه كرموز وأفكار تتحرك في نطاق المعاني المطلقة.
  • استخدام الرمزية بكثافة: لجأ الحكيم إلى الرمز ليعبر عن أفكاره وعواطفه بشكل غير مباشر فبدلاً من أن يصف شعورا معينا كان يخلق موقفًا أو يستخدم شخصية أو شيئا يثير هذا الشعور في ذهن القارئ.
  • تحويل العاطفة إلى فن : سعى الحكيم إلى تحويل تجربته الشخصية ومشاعره إلى شكل فني دون أن يكشف عن ذاته بشكل مباشر. كان المعادل الموضوعي وسيلة للبوح بكل ما يجول بخاطره دون قيود من خلال خلق صورة فنية تعبر عن هذه المشاعروبدلا من أن يعض بشكل مباشر لتجربته الذاتية قدم تلك التجربة في شخصية بجماليون
  • أمثلة من أعماله: يمكن ملاحظة هذا التوجه في مسرحياته التي تتناول قضايا فلسفية أو اجتماعية عميقة، مثل "أهل الكهف" التي تتناول جدلية الزمن والذات و"سليمان الحكيم" التي تتناول موضوع القدرة والحكمة. في هذه المسرحيات غالبًا ما تكون الشخصيات والأحداث بمثابة معادلات موضوعية لأفكار ومفاهيم أكبر.

باختصار، وظف توفيق الحكيم المعادل الموضوعي كتقنية فنية ليمرر أفكاره ورؤاه الفلسفية والعاطفية بطريقة غير مباشرة معتمدًا على الرموز والمواقف التي تستفز الفكر والشعور لدى المتلقي مما جعل مسرحه "ذهنيًا" يُقرأ لعمق ما فيه من أفكار أكثر من كونه مجرد تمثيل على خشبة المسرح.