أنيس البياع بين الشعر والسياسة
بدأت التعرف علي أعضاء الحركة الأدبية في دمياط في منتصف الستينيات
عندما التحقت بالعمل بمركز الثقافة والاستعلامات بدمياط في مقره الكائن في ذلك
الوقت في شقتين بعمارة السمبسكاني أمام السنترال القديم وهي التي شغلها فيما بعد
حزب الأحرار ، وفي هذا المركز عاصرت حركة جمعية رواد الأدبية في نشأتها الأولي قبل
دمجها قسرا في جمعية رواد قصور وبيوت الثقافة بدمياط وكانت ندوة الاثنين هي الملاذ
الذي يجمع كل أدباء المحافظة أسبوعيا علي اختلاف ألوانهم الأدبية والسياسية والذين
كانوا مع ذلك يكونون ثنائيات متميزة وملحوظة فمثلا كان هناك الثناني كامل الدابي
ومصطفي الأسمر وثنائي محمد النبوي سلامة والأسمر وثنائي أنيس والنماس ثم سمير
الفيل ومحمد علوش وهكذا وكان أنيس رحمه الله والسيد النماس يمثلان التيار المثقف
الملتزم المنحاز للفصحى وسط بحر يموج بالعامية وقد استقطب كل تيار منهما فرسانه وتلاميذه
من بين محبي الأدب من جيل الشبان الجدد أمثال فكري العتر وعزة بدر ومحمد علوش
وسمير الفيل ومحسن يونس بينما اتسع تيار العامية بانضمام أحمد الشربيني والعتر
وحسنين لبيب وعلي ظلام والسالوس والسيد الغواب وغيرهم
بحكم الثقافة الاشتراكية السائدة في ذلك العصر والتي استهوت عددا
كبيرا من الأدباء صارت مواقفهم السياسية فيما بعد ملتزمة بهذا التوجه فحدث أن
انحاز أغلب الأدباء والمثقفون لتأييد مرشح اليسار محمد عبد السلام الزيات ضد مرشح
الحكومة حمدي عاشور في انتخابات مجلس الشعب وبطبيعة الحال فاز مرشح الحكومة وتفرغت
الأجهزة الأمنية والإعلامية للتنكيل بأصحاب الفكر التقدمي وكان أسهل طريق لإثارة
حفيظة الناس ضدهم اتهامهم باعتناق الشيوعية ، وبطبيعة الحال انحاز أنيس وعدد كبير
من المثقفين والأدباء للتيار اليساري وكان حزب التجمع الاشتراكي هو ملاذهم الشرعي
لممارسة نشاطهم السياسي والفكري ونجحت السياسة في اختطاف أنيس البياع كليا من
الأدب والشعر الذي كان بحق أحد أهم فرسانه في دمياط بل في مصر وكان صاحب مدرسة
جديدة تخصه في كتابة الشعر الفصيح البسيط والسهل الممتنع والذى لا يخلو لحظة من
حمل هم الجماهير البسيطة .
انقطع أنيس البياع رحمه الله فيما بعد عن الأدب والأدباء وعن الشعر
الذى خسره في حين لا أري أن السياسة قد كسبته ذلك أنه قبيل قيام ثورة 25 يناير
2011 بفترة وجيزة سعي الإخوان إلي محاولة التقارب مع الفصائل اليسارية في مصر
ومنها حزب التجمع الوطني والحزب الناصري وذلك لخطب ود الشعب الذي بدا لهم رافضا
للنظم الدينية السياسية ، وفي بادئ الأمر سعى وفد من جماعة الإخوان إلى عقد لقاء
مع قيادات حزب التجمع اليساري المعروف برفضه الشديد للإخوان استمر أكثر من ساعتين
في مقر الحزب وحضره من الإخوان الدكتور محمد علي بشر عضو مكتب الإرشاد والدكتور
سعد عمارة القيادي في الجماعة والدكتور محمد البلتاجي عضو الكتلة البرلمانية
للجماعة في مجلس الشعب المنحل ومن حزب التجمع أنيس البياع والدكتور سمير فياض نائب
رئيس الحزب عضو المجلس الرئاسي ونبيل زكي المتحدث الرسمي. فى الوقت نفسه قرر عدد
من قيادات جماعة الإخوان زيارة الحزب الناصري الأسبوع التالي وقال أحمد حسن، أمين
عام الحزب إن الإخوان المسلمين طلبوا الالتقاء بقيادات الحزب لفتح باب الحوار حول
بعض القضايا وأن الناصري ليست لديه مشكلة في ذلك وسنتحدث فيما نتفق عليه، وإن
الاختلافات الموجودة بيننا ستظل قائمة لأنها بالنسبة لنا ثوابت. بينما صرح مصطفى
الطويل الرئيس الشرفي لحزب الوفد الليبرالي إن الجماعة لم تطلب لقاء الوفد ورأى ان
الإخوان يحاولون إيجاد ثغرة للدخول من خلالها لانتخابات مجلس الشعب وأضاف هم
يحاولون أن يكونوا تحت عباءة أي حزب من الأحزاب ليستتروا وراءه. وأوضح الطويل أن
هناك شبه استحالة لدى الوفد للتعاون مع الإخوان، فقد سبق لنا عام ١٩٨٤ أن أجرينا
تجربة وخاض الإخوان انتخابات مجلس الشعب، تحت اسم وعباءة الوفد وباءت بالفشل وأنه
بمجرد انتهاء الانتخابات انفصل نواب الجماعة عن الحزب ولم يلتزموا بأي قرارات
صادرة عن الهيئة البرلمانية للوفد وعملوا لحساب أنفسهم ولفت قائلا نحن لسنا
مستعدين لتكرار هذه التجربة .
إبان تلك الأحداث حدث انشقاق داخل حزب التجمع كان أنيس البياع أحد
قياداته بزعم تواطؤ قيادات حزب التجمع بقيادة رفعت السعيد مع نظام مبارك وكون
المنشقون حزبا جديدا تحت اسم حزب التحالف الشعبي الاشتراكي وكان أنيس البياع أحد
أهم قياداته ولعب الحزب دورا نشطا في أحداث الثورة ضد مبارك إلا أنه في أعقاب سقوط
حكم محمد مرسي عاد الاشتراكيون الثوريون لإعلان التحالف مع الإخوان المسلمين
متناسين ما يتعرض له اليسار والحركة الوطنية المصرية منذ السبعينات على أيديهم،
وعاود الاشتراكيون الثوريون العمل كفرع تقدمي للإخوان المسلمين لا يفعل شيئا سوى
التضامن مع قضاياهم وقياداتهم والدفاع عنهم بدلا من التصدي لقضايا اليسار. وظل
الحزب يلعب دور الحليف الوحيد للإخوان في مواجهة كل قوي الثورة الشعبية في 30
يونيو 2013 حتي تلاشي حراك الحزب الوليد مع أفول نجم الإخوان وحزبهم في مواجهة رفض
الشعب للحكم الديني الفاشي ومع هذا أري أن أنيس البياع ظل كما عهدناه في بداياته
الأولي رافضا متمردا علي كل قوي التخلف والرجعية والدكتاتورية حالما بالتقدمية
والثورية كوسيلة وحيدة لرفعة الطبقة الكادحة ونيلها بعض حقوقها ومع رحيل أنيس
المفجع لكل محبيه تبقي الصفحة الأخيرة من حياته السياسية بالتحالف مع الإخوان صفحة
غامضة تحتاج إلي مزيد من الجلاء والوضوح وأيضا يبقي الحلم بألا يموت الأمل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق