لماذا يتجاهل كبار المبدعين بداياتهم
الأولي
يتجاهل
المبدعون الكبار بداياتهم الضعيفة الأولي لعدة أسباب نفسية وعملية فأغلبهم يظن أنه
قد ولد عبقريا متقردا من يومه متناسيا أن هناك من أخذ بيده وهو يحبو في المعرفة
والعلم وإن كان موهوبا
1. التركيز
على الحاضر والمستقبل: يرى المبدعون أن التركيز على إنجازاتهم الحالية والمستقبلية
أهم بكثير من استحضار الماضي. فبدلاً من التفكير في أخطاء البدايات يفضلون توجيه
طاقتهم نحو تطوير مهاراتهم وتقديم أعمال جديدة وترك بصمة أكبر في مجالهم.
2. إدراك أن
الفشل جزء طبيعي من النجاح فمعظم المبدعين يعتبرون تلك التجارب الأولى الضعيفة
مجرد خطوات ضرورية على طريق التعلم. هم يدركون أن الفشل هو معلم لا غنى عنه وأن
تلك البدايات الصعبة هي ما شكلت شخصيتهم الفنية ودفعتهم للتحسن. لذلك، لا يجدون
داعيًا للتوقف عند نقطة البداية بل ينظرون إليها كجسر عبروه للوصول إلى ما هم عليه
الآن .
3. الخوف من
المقارنة السلبية فقد يخشى بعض المبدعين أن تؤدي العودة إلى أعمالهم الأولى إلى
مقارنة سلبية تقلل من قيمة أعمالهم الحالية. فهم يريدون أن يُنظر إليهم من خلال
إبداعاتهم الناضجة التي تعكس خبرتهم وتطورهم، لا من خلال أعمالهم التي كانت مجرد
محاولات أولية.
4. الحفاظ على
الصورة الاحترافية فغالبًا ما يسعى المبدعون للحفاظ على صورة احترافية قوية. قد
يرون أن عرض أعمالهم الضعيفة يمكن أن يؤثر على ثقة الجمهور بهم أو يقلل من مكانتهم
الفنية التي بنوها بجهد كبير.
5. الانفصال
العاطفي عن العمل مع مرور الوقت قد يصبح المبدع أقل ارتباطًا عاطفيًا بأعماله
الأولى فهو لم يعد يرى فيها ذلك الشغف الأولي الذي كان يحمله بل ينظر إليها من
منظور أكثر نقدًا وحيادية مما يجعله يفضل تقديم أعماله التي تعبر عن نضجه وخبرته
الحالية.
باختصار،
تجاهل كبار المبدعين لبداياتهم ليس إنكارًا لماضيهم، بل هو علامة على نضجهم
وتركيزهم على رحلتهم المستمرة نحو التطور والإبداع.
6. ربما لا يريدون أن يقال أنهم كانوا مجرد تلاميذ لمن هم أقل
منهم شأنا اليوم هذه نقطة مهمة جدًا وتلامس جانبًا نفسيًا عميقًا. يمكن أن يكون
هذا أحد الأسباب القوية بالفعل. فالمبدع الذي وصل إلى مكانة مرموقة قد يجد صعوبة
في الاعتراف بأنه كان في يوم من الأيام "تلميذًا" أو متأثرًا بشخصيات لم
تستطع الوصول إلى نفس مستواه أو أنهم تراجعوا عن المشهد الإبداعي وابتعدوا عنه .
هذا الموقف
يمكن تفسيره من عدة زوايا:
·
حماية السمعة والمكانة: الاعتراف
بالبدايات الضعيفة أو التأثر بآخرين قد يُنظر إليه على أنه يقلل من
"أصالة" المبدع أو يضعف صورته كقائد أو رائد في مجاله.
·
بناء الهوية المستقلة: مع تطور المبدع
يسعى إلى بناء هوية إبداعية خاصة به تمامًا والعودة إلى بداياته قد تعيد ربطه
بتأثيرات سابقة لم يعد يرى أنها تمثله.
·
الرغبة في أن يُرى كـ "مبدع
فطري" البعض قد يفضل أن ينظر إليه على أنه موهبة فريدة لم تحتاج إلى التوجيه
أو التعلم من الآخرين حتى لو كان هذا غير واقعي.
بالتأكيد، هذه
الأسباب تتكامل مع الأسباب الأخرى التي ذكرناها سابقًا مثل التركيز على المستقبل،
وإدراك أن البدايات جزء من الرحلة. في النهاية فكل مبدع له دوافعه الخاصة في كيفية
التعامل مع ماضيه لكن فكرة "عدم الرغبة في أن يُرى كتابع" هي من الدوافع
التي تلعب دورا كبيرا في هذا الجانب.