عندما يكون رئيس التحرير أميا
قال وجدي زين الدين رئيس التحرير التنفيذي لجريدة الوفد لا فض فوه فيما
قال تحت عنوان مقال له ( أزمة النبوي مع المثقفين ) في الوفد ( ولأنني لست يسارياً
ولا أحب أن أكون ولست أيضاً من أنصار وزير الثقافة ) وهو بالتأكيد هنا لا يعي علميا
أو تاريخيا أو سياسيا ماذا تعني كلمة يسار ؟ ترجع أصول مصطلحي اليمين واليسار إلى الثورة
الفرنسية وترتيبات الجلوس التي اتبعها الأرستقراطيون والراديكاليون في الاجتماع الأول
لمجلس الطبقات عام 1789 عندما أيد عموم من كان يجلس على اليسار من النواب التغيير الذي
تحقق عن طريق الثورة الفرنسية، ذلك التغيير المتمثل بالتحول إلى النظام الجمهوري والعلمانية.
ولا يزال ترتيب الجلوس نفسه متبعا في البرلمان الفرنسي..لكن الاستخدامات الأكثر اتساعاً
للمصطلحين تكشف عن قيمتهما العامة في تعيين المواقف السياسية والأيديولوجية ، وبصورة
عامة يختلف اليسار السياسي عن اليمين بتبنيه العدالة الاجتماعية والعلمانية وفي معظم
دول الشرق الأوسط تأتي اليسارية مرادفة للعلمانية علما ان بعض الحركات اليسارية التاريخية
كانت تتبنى المعتقدات الدينية ومن أبرزها حركة إنهاء التمييز العنصري في الولايات المتحدة
على يد القس مارتن لوثر كنج.
وقل فيما قال لا فض فوه أيضا ( ليس من حق اليساريين أو الناصريين أو من
على شاكلتهم أن يحددوا أو يختاروا وزيراً على المازورة طبقاً لفكرهم ورؤيتهم، وليس
من حقهم أن يتصوروا أن الأجدر ليتولى هذه الحقيبة أتباعهم وأشياعهم ) وهو بالتأكيد
أيضا هنا لا يعي أن أبجديات السياسة تعطي لحق لأصحاب أي اتجاه حزبي أن يتنافسوا علي
السلطة فهل حزبه ( الوفد ) لا يسعي إلي ذلك أم أنه يستنكر هذا الحق علي أصحاب اتجاه
ويحل لحزبه الذي يعطيه راتبه هذا الحق .
وفي ثورة 1919 كان سعد زغلول ورفاقه يمثلون ثورة الشعب علي الاستعمار
البريطاني والملك وحاشيته باعتبارهم عملاء للمستعمر فأصبح الوفد كحزب في أعقاب تلك
الثورة طليعة يسارية ثورية تمثل الشعب وتطلعاته نحو المساواة والحرية ضد سلطة
المستعمر والقصر التي كانت تمثل يمين الحكم حتي في البرلمانات المتعددة التي تم
انتخابها في أعقاب ذلك فكان الوفد في هذه البرلمانات يمثل تلك الطليعة اليسارية
بينما أحزاب أخرى مع القصر تمثل اليمين بينما احتلت بعضها منطقة الوسط التي تنقلت
تارة بين اليمين وبين اليسار وفي أعقاب ثورة يوليو التي تمخضت عن تجربة عبد الناصر
والتي اصطلح علي تسميتها بالناصرية في أعقاب رحيل عبد الناصر وتولي السادات الحكم
فأصبحت تمثل تطلعات الشعب نحو الثورة والكفاية والعدل وهي التي اجتمعت في منبر
اليسار عندما أسس أنور السادات المنابر قبل أن يفتح الباب لتحويلها إلي أحزاب
سياسية متكاملة بينما اجتمعت كل التيارات السياسية الليبرالية والراديكالية في
منبر اليمين واستأثرت سلطة الحكومة في منبر الوسط فلا تعني كلمة اليسار الانحسار
علي الفكر الاشتراكي الكريه في نظر رئيس التحرير حتي أنه نفي عن نفسه تلك التهمة
ولكنها كانت وما تزال تتسع لتشمل في دائرتها القوي السياسية الشعبية الطموحة نحو
التغيير من أجل الحرية والعدالة والمساواة كما وأن الناصرية لم تصبح بعد تلك
التهمة المنفرة التي دفعت سيادته للتبرؤ منها علما بأن عبد الناصر وفكره وتجربته
هي التي جعلت منه رئيسا للتحرير بل هي التي أتاحت له ولكثيرين من أبناء طبقته أن
يلتحق بالتعليم الجامعي الذي كان قاصرا قبل ذلك علي أبناء طبقة الإقطاعيين
والرأسماليين
وقال وجدي زين
الدين فيما قال فض فوه هذه المرة (تولى
هذه الحقيبة خلفاً للعلامة الدكتور جابر عصفور، أستاذ النقد الأدبي الذي أفتخر أنني
تتلمذت على يديه فى كلية الآداب فى نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات.. والمعروف
أن جابر عصفور كانت له مواقف فى قضايا شتى ولديه رؤية يخطئ من يعتقد أنها تميل
لليسار) وهو كلام مضحك لدرجة تثير الغثيان فجابر عصفور طوال حياته الفكرية
والعلمية والسياسية محسوب علي اليسار بل وأكثر محسوب علي العلمانيين أعداء الدين
بمواقفه العدائية من مؤسسة الأزهر حتي وهو في منصب الوزير
وختم رئيس
التحرير مقاله بقوله (كنت أتمنى أن
يختلف مع هذا الوزير الذي لا أعرفه ولا يعرفنى، من أجل المشروع الوطنى للبلاد ) والغريب أن
خلاف المثقفين مع الوزير الحالي عبد الواحد النبوي مكمنه هو تلك القضية أن الوزير حتى
الآن لم تبد له اتجاهات ثقافية أو سياسية ولم تظهر له أي بوادر توحي بأنه يمتلك
رؤية نحو إستراتيجية ثقافية راسخة تقف في وجه الظلاميين والإرهابيين ودعاة التحلل
الفكري وأعداء الهوية الثقافية والوطنية والقومية من تجار الدين والسياسة هذه هي القضية يا سيد وجدي أرجو أن يكون كلامي واضحا لأني لا أستطيع
أن أبسطه أكثر من ذلك من أجل أصحاب الأمية السياسية المهيمنين في زماننا هذا علي
مقاليد الصحافة والإعلام في مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق