العلاقة بين الأدب والنقد
بدأ
النقد انطباعيا مع شعراء العصر الجاهلي كردود فعل سريعة للمتلقين علي ما يلقي علي مسامعهم
من شعر في سوق عكاظ أو ذي المجنة أو ذي المجاز ثم تطور شيئا ما في العصر الإسلامي
وحتي العصر الأموي والعباسي مهتما بالبديع واللفظ دونما تعرض للنصوص حتي صارت له
في نهاية العصر العباسي مصطلحات ومعايير تقترب من التعامل مع النص ذاته .
والناقد
ليس جزارا يقطع النص كما يقطع لحوم البهيمة كما قال شاعرنا الكبير الدكتور عيد صالح وإنما الناقد الجاد هو محلل أدبي أكثر مما يركن إلى
النقد، وفي تقديري فإن المحلل الأدبي، هو أقرب إلى هذا اللون من ألوان الكتابة لأن
الناقد لا يكون ناقداً قبل أن يكون محللاً يضع ما يقرأ تحت مشكاة تحليله.
يشرح رولان بارت منهجه في قراءة النصوص الأدبية في مؤلفاته ومنها: هسهسة اللغة ،خطاب عاشق، ولذة النص، والكتابة في درجة الصفر. ويقول بارت جواباً على سؤال تم طرحه عليه : الكتابة ليست شيئاً سوى بقايا الأشياء الفقيرة والهزيلة للأشياء الرائعة والجميلة في دواخلنا .
والنقد يقدم الكثير للمبدع، ويسلط له الأضواء على الكثير من الجوانب المظلمة التي لا يكون
بوسعه رؤيتها إلا بواسطة قنديل الناقد، الناقد الذي يفتح له أبواباً جديدة ما كان ليلجها
لولاه ، ولذلك فإن العلاقة بين المبدع والناقد هي علاقة تكميلية، والمبدع يأخذ من الناقد
كما أن الناقد يأخذ من المبدع، لأن الناقد يتذوّق النص الأدبي الذي يشرع في تأويله
وتحليله وتسليط الضوء على جوانب مظلمة فيه، لا أقل بأنه يقرأ ما بين السطور فحسب، بل
أنه يقرأ السطور أيضاً، ويستمتع بدفئها،
وهناك
فرق كبير بين تميز الفرد عن قرينه بالمهارة الشخصية وبين الموهبة فالمهارة شيء
مختلف عن الموهبة وبينما يذهب البعض من الهواة الذين لم يتح لهم فرصة تحصيل علم
النقد وعلم الجمال إلي أن النقد لا يحتاج إلا إلي موهبة فقط فإن الحقيقة الدامغة
أن انطباعاتهم التي أفرزتها مواهبهم تذهب أدراج الرياح لا تضيف شيئا للنص الأدبي
ولا للمبدع ذاته وتبقي مجرد كلمات مجاملة يطرب لسماعها وقراءتها المبدع نفسه بينما
هي في قرارة نفوس باقي المتابعين مجرد كلمات تحتوي الكثير من النفاق الثقافي
المنمق ؛
والنقد
الأدبي الحديث قد أخذ يتجه نحو المنهجية العلمية فأصبح علمًا قائمًا بذاته مستقلًا
في اصطلاحاته وتصنيفاته العلمية عن سائر العلوم التي تسعى لتفسير الأدب وشرحه وتتبّع
ترجمة أصحابه .
وتعرّف وظيفة النقد الأدبي بأنّها الكشف
عما في النص الأدبي من أفكار ومعان وصور جمالية موحية، وتفسيرها وتحليلها، ومحاورتها
بغيّة الكشف عن دلالاتها داخل النص الأدبي، مما يفتح مجالا للمتلقي أو القارئ أن يتواصل
مع النص، ويتذوقه ويكتشف جوانب الإبداع فيه
والإضافة إليه من خلال قراءاته المتعددة. وقد
يكون التقاط هذه الجماليات التقاطا انطباعيا مبنيًا على ذائقة الناقد فقط وقد يكون
التقاطا منهجيًّا من خلال توظيف أحد المناهج النقدية وأدواتها، والبحث عن مقاييس محدّدة
داخل النص. ومن هنا تُسهم وظيفة النقد الأدبي من خلال تفسير ما في النص من جماليات،
في خلق ذوق أدبي لدى الكتاب أولًا، ولدى المتلقين ثانيًا، وتشكيل أذواقهم الفنية وتربيتها،
وفتح المجال للمتلقي لالتقاط الأسباب الواقفة وراء جماليات النص الأدبي، وبالتالي الحكم
على النص الأدبي بالجودة أو الرداءة ، والنص الأدبي عندما يخرج من يد كاتبه إلى العلن،
يصبح ملكا للناقد والمتذوق الذي يقتحمه بكفاءته النقدية التي تجعله مؤهلا للحكم على
النص الأدبي، وهذا ما يدفع بالكاتب إلى الإصغاء للنقد، ليتعرّف إلى جوانب الإبداع في
عمله الأدبي، والأثر الذي تركه في المتلقين، وهل لعمله الأدبي علاقة بالأعمال الأدبية
الأخرى المكتوبة في الوقت ذاته أو السابقة له أم أنه كان متفردا فيما جاء به، لذلك
تعد أبرز وظيفة من وظائف النقد الأدبي الكشف عن ملامح الإبداع والتفرد في العمل الأدبي.
والكاتب
أو الأديب الذى يتخذ موقفا عدائيا مسبقا من النقد والنقاد هو كاتب فقد الثقة في
نفسه ويعرف بينه وبين نفسه أنه غير مؤهل لمجاورة المبدعين المتحققين الذين يرحبون
بالنقد ويتهللون له ولا يضيق صدرهم به باعتباره مكملا لما قدموا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق