الاثنين، 30 يونيو 2025

الصالونات الثقافية ...... هل هي بدعة جديدة ؟ 4-- جائزة ساويرس الثقافية دعم الأدب والمبدعين المصريين

 

4- جائزة ساويرس الثقافية دعم الأدب والمبدعين المصريين

تعتبر جائزة ساويرس الثقافية من أهم وأعرق الجوائز الأدبية في مصر والعالم العربي. أسستها مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية، وتُمنح سنويًا لتكريم وتشجيع المواهب الأدبية والفنية المصرية في مجالات متعددة.

  • الأهداف : تهدف الجائزة إلى إثراء الحياة الثقافية في مصر، ودعم المبدعين المصريين، وتشجيع الأجيال الجديدة من الكتاب والفنانين.
  • الفروع: تغطي الجائزة عدة فروع، بما في ذلك:
    • الرواية والمجموعة القصصية: فروع لكبار وشباب الأدباء.
    • السيناريو: لفئات كبار وشباب الكتاب.
    • النص المسرحي.
    • النقد الأدبي والسرديات الأدبية.
    • أدب الأطفال.
    • وقد تم إضافة جائزة لأفضل دار نشر في بعض الدورات لتشجيع صناعة النشر.
  • الأثر: أسهمت الجائزة على مدار سنواتها العديدة (تجاوزت العشرين دورة) في اكتشاف وتقدير العديد من المواهب الأدبية، وتقديم أعمال إبداعية حقيقية للجمهور، مما عزز مكانتها كمنصة رئيسية للتميز الأدبي في مصر. كما أنها توفر دعمًا ماديًا ومعنويًا مهمًا للفائزين، مما يساعدهم على الاستمرار في مسيرتهم الإبداعية.

مهرجان الجونة السينمائي: نافذة على السينما العالمية والعربية

يُعد مهرجان الجونة السينمائي من أبرز المبادرات الثقافية التي تبنتها عائلة ساويرس وخاصة المهندس نجيب ساويرس كـ مؤسس للمهرجان والمهندس سميح ساويرس لدوره كمستضيف للمهرجان في مدينة الجونة التي قام بتطويرها وبرغم أن بعض معارضي هذا النهج باعتباره مدعاة للإباحية ونشر الفسق والفجور لإضعاف الوازع الديني خاصة لدي المسلمين المصريين إلا أن المهرجان قد نجح في ترسيخ مكانته كواحد من أهم المهرجانات السينمائية في المنطقة.

  • التأسيس والأهداف: أُسس المهرجان في عام 2017 بهدف ترويج السينما المصرية والعربية والدولية وتنشيط صناعة السينما في المنطقة وتوفير منصة للمبدعين لتبادل الخبرات وعرض أعمالهم.
  • الموقع: يُقام المهرجان في مدينة الجونة الساحرة على البحر الأحمر والتي أصبحت وجهة ثقافية وسياحية بفضل استثمارات عائلة ساويرس.
  • البرامج والجوائز:
    • يعرض المهرجان مجموعة واسعة من الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة، والأفلام الوثائقية، من مختلف أنحاء العالم.
    • يمنح جوائز "نجمة الجونة" لأفضل الأفلام في فئاتها المختلفة، بالإضافة إلى جوائز خاصة مثل "سينما من أجل الإنسانية" و"جائزة المهرجان للاستدامة البيئية".
    • يستضيف المهرجان ورش عمل، ندوات، وفعاليات صناعية تهدف إلى دعم صناع الأفلام وتطوير قدراتهم.
    • ساهم المهرجان في جذب أنظار العالم إلى السينما المصرية والعربية، وتعزيز التبادل الثقافي.
    • وفر منصة حيوية لصناع الأفلام الشباب لعرض أعمالهم والحصول على الدعم.
    • نشط الحركة السياحية والثقافية في الجونة ومصر بشكل عام.
    • لعب دورًا في رفع الوعي بقضايا إنسانية وبيئية من خلال الأفلام المعروضة.

دور عائلة ساويرس في دعم الفن بشكل عام

لا يقتصر دعم عائلة ساويرس على الجائزة والمهرجان فقط، بل يمتد ليشمل مبادرات أخرى من خلال مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية، مثل :

  • منح ساويرس للفنون والثقافة  وهي منح دراسية تهدف إلى تعزيز المواهب الفنية ودعم الطلاب المصريين للدراسة في مجالات الفنون المختلفة، سواء داخل مصر أو خارجها، بهدف تمكينهم ليصبحوا فنانين فعالين قادرين على خدمة مجتمعاتهم.
  • دعم المشاريع الفنية والثقافية  : تساهم المؤسسة في دعم العديد من المشاريع الثقافية والفنية الأخرى التي تهدف إلى الحفاظ على التراث ونشر الوعي الفني.

يعكس تبني عائلة ساويرس لهذه المبادرات الكبرى إيمانًا عميقًا بأهمية الفن والثقافة كقوى دافعة للتنمية المجتمعية والإنسانية. لقد استطاعوا من خلال هذه الرعاية أن يخلقوا منصات قوية ومؤثرة تساهم في اكتشاف ورعاية المواهب، وإثراء الحياة الثقافية في مصر، وربطها بالساحة الفنية العالمية.


 

 

الصالونات الثقافية ...... هل هي بدعة جديدة ؟ 3- البداية المتأخرة لرعاية الفنون والآداب

 

3- البداية المتأخرة لرعاية الفنون والآداب

في صالونات الأثرياء المصريين والعرب

صحيح أن رعاية الفنون والآداب في صالونات الأثرياء المصريين والعرب شهدت بداية متأخرة مقارنة بما حدث في أوروبا حيث ازدهرت الصالونات الثقافية وقصور النبلاء كحواضن للفن منذ القرون الوسطى وعصر النهضة. يمكن فهم هذا التأخر من خلال عدة عوامل تاريخية واجتماعية واقتصادية.

البدايات المبكرة في الحضارة العربية الإسلامية: منتديات أدبية وليست "صالونات"

تاريخيًا، عرفت الحضارة العربية الإسلامية أشكالًا مبكرة من المنتديات الثقافية والأدبية خاصة في العصور الذهبية حيث كانت مجالس الخلفاء والأمراء والعلماء تستضيف المناقشات والمناظرات الشعرية والعلمية، والفقهية. كانت هذه المنتديات أشبه بـ "مجالس العلم والأدب" التي تعكس مكانة المضيف وثقافته ولكنها لم تتخذ دائمًا الشكل المنظم للصالون الأوروبي ولم تكن بالضرورة مكرسة بشكل أساسي لرعاية الفنون التشكيلية والموسيقى بنفس النطاق أسماء مثل سكينة بنت الحسين وولادة بنت المستكفي في الأندلس تُظهر وجود دور نسائي بارز في استضافة هذه المجالس في فترات مبكرة.

التأخر في العصر الحديث كان بسبب عوامل متعددة

على الرغم من هذه البدايات، فإن مفهوم "الصالون" بمعناه الأوروبي الحديث الذي يركز على رعاية الفنون والآداب بشكل منظم، وانتشار الثقافة والفكر بين النخب، لم يظهر بوضوح في العالم العربي إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. عدة عوامل تفسر هذا التأخر:

1.     الركود الثقافي والسياسي حيث مرت المنطقة العربية بفترات طويلة من الركود تحت الحكم العثماني حيث تراجع الاهتمام بالعلوم والفنون مقارنة بالعصور الإسلامية الذهبية. كانت الأولويات تنصب على الاستقرار السياسي والديني ولم تكن هناك بيئة حاضنة لازدهار الصالونات الفنية بهذا الشكل.

2.     غياب الطبقة النبيلة بالمعنى الأوروبي لم تتشكل في العالم العربي طبقة نبيلة ذات ثروات هائلة ونفوذ اجتماعي وسياسي مستقل على غرار نبلاء أوروبا الذين كانوا رعاة رئيسيين للفنون كانت الثروة والسلطة غالبًا ما تكون مركزية في يد الحاكم، الذي قد يرعى الفن لخدمة أغراضه الخاصة (مثل تزيين قصوره) أكثر من دعم الحركة الفنية ككل.

3.     سيطرة المؤسسة الدينية كانت المؤسسة الدينية تسيطر على جزء كبير من الحياة الثقافية والاجتماعية وكانت تركز على العلوم الشرعية واللغة العربية بينما قد يُنظر إلى بعض أشكال الفنون التشكيلية والموسيقى (خاصة الغربية) بحذر أو حتى على أنها من "الملاهي" التي تتعارض مع صحيح الدين والعقيدة

4.     التأثير العثماني لم يكن الحكم العثماني بصفة عامة مشجعًا على ظهور حركات فنية مستقلة أو صالونات ثقافية بهذا المعنى حيث كانت أولوياته تنصب على الجانب الإداري والعسكري والديني.

5.     ظهور النهضة العربية متأخرًا بدأت النهضة العربية الحديثة في القرن التاسع عشر نتيجة للتفاعل مع الغرب والحملة الفرنسية على مصر مما أدى إلى وعي بأهمية العلوم والفنون الحديثة. هذا الوعي هو الذي دفع إلى ظهور الصالونات لاحقًا.

6.     غياب البنية التحتية الفنية لم تكن هناك مؤسسات تعليمية للفنون الجميلة أو أكاديميات فنية بالمعنى الحديث قبل فترة متأخرة مما أثر على تطور الفن التشكيلي واحترافيته وبالتالي على رعاية الأثرياء له.

بزوغ الصالونات في العصر الحديث أعلام وتأثيرات

مع بدايات النهضة العربية، بدأ بعض الأثرياء والمثقفين في مصر وبلاد الشام في إنشاء صالونات ثقافية، متأثرين بالنموذج الأوروبي. هذه الصالونات لم تكن مقتصرة على الفنون، بل كانت منتديات جامعة للفكر والأدب والسياسة.

من أبرز الأمثلة في مصر:

  • صالون الأميرة نازلي فاضل في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين والذي كان يجمع كبار رجال الفكر والسياسة والأدب مثل سعد زغلول ومحمد عبده وقاسم أمين.
  • صالون مي زيادة في أوائل القرن العشرين والذي كان من أشهر الصالونات النسائية في العالم العربي واستقطب عمالقة الأدب والفكر.
  • صالون أحمد تيمور وصالون عباس العقاد.

هذه الصالونات لعبت دورًا محوريًا في :

  • نشر الوعي الثقافي والفكري.
  • تشجيع الحوار والنقاش.
  • دعم المواهب الأدبية والفنية الناشئة.
  • صياغة الأفكار التي ساهمت في النهضة العربية.

إن البداية المتأخرة لرعاية الفنون والآداب في صالونات الأثرياء المصريين والعرب تعكس التحديات التاريخية والاجتماعية التي مرت بها المنطقة. ومع ذلك، عندما بدأت هذه الصالونات في الظهور، أثبتت فعاليتها كقوى دافعة للحركة الثقافية والفنية وساهمت بشكل كبير في تشكيل ملامح النهضة العربية الحديثة.

تحول الرعاية من الحكومات إلى القطاع الخاص والأفراد

تقليديًا، كانت رعاية الفنون والآداب في العالم العربي تعتمد بشكل كبير على الدولة والمؤسسات الحكومية. ومع ذلك، شهدت العقود الأخيرة تحولًا ملحوظًا نحو تزايد دور القطاع الخاص والأفراد الأثرياء في دعم وتنمية المشهد الثقافي. يأتي هذا التوجه مدفوعًا بعدة عوامل، منها:

  • الوعي بأهمية الثقافة : تزايد الوعي بأن الثقافة والفنون ليست مجرد ترف، بل هي جزء أساسي من التنمية المجتمعية وتعزيز الهوية وبالتالي خلق فرص اقتصادية.
  • المسؤولية الاجتماعية للشركات: بدأت العديد من الشركات الكبرى والأفراد الأثرياء في تبني مفاهيم المسؤولية الاجتماعية ، حيث يعتبر دعم الفنون والآداب جزءًا من التزامهم تجاه المجتمع.
  • الاستثمار في المستقبل: يرى بعض الأثرياء أن دعم المواهب الشابة والمؤسسات الثقافية هو استثمار في مستقبل المنطقة، ويساهم في بناء جيل جديد من المبدعين .
  • الرغبة في ترك بصمة ومجد شخصي : يسعى بعض الأفراد لترك إرث ثقافي يدوم، من خلال إنشاء المتاحف، دعم الجوائز الأدبية، أو رعاية المبادرات الفنية.

 

 

الصالونات الثقافية ...... هل هي بدعة جديدة ؟ 2 – تراجع الفنون والآداب في مصر والعالم العربي

 

2 – تراجع الفنون والآداب في مصر والعالم العربي

وهكذا لم تكن قصور النبلاء مجرد مساكن لهم بل كانت ورش عمل فنية حية، حيث ازدهرت الموسيقى وتطورت من أشكالها الأحادية البسيطة إلى قوالب بوليفونية معقدة ومتنوعة، مما مهد الطريق لعصر النهضة الموسيقية.

وفي المقابل كانت الفنون والآداب في مصر والعالم العربي تشهد تراجعا وتخلفا كبيرا تحت ضغط الصراعات السياسية والفتوحات الكثيرة شرقا وغربا والاحتلال

آليات رعاية الأثرياء للفنون والآداب

يتخذ اهتمام الأثرياء العرب والمصريين بالفنون والآداب أشكالًا متعددة، منها:

1.     إنشاء المتاحف والمعارض الخاصة:

o        يقتني بعض الأثرياء مجموعات فنية نادرة، ثم يقومون بإنشاء متاحف خاصة لعرضها للجمهور، مما يساهم في إثراء المشهد الفني ويجعل الفن متاحًا لعدد أكبر من الناس. على سبيل المثال، توجد العديد من المتاحف التي أسسها أفراد في مصر، مثل متحف محمود خليل وحرمه الذي كان قصرًا لأحد كبار جامعي التحف الفنية.

o        كما يمولون إقامة المعارض الفنية المؤقتة والدائمة، سواء لفنانين محليين أو عالميين.

2.     تأسيس المؤسسات والمراكز الثقافية:

o        يقوم بعض الأثرياء بتأسيس مؤسسات وجمعيات غير ربحية مكرسة لدعم الفنون والآداب، مثل مؤسسات الفكر العربي التي تدعم الأبحاث والمنتديات الثقافية، أو مراكز الفنون التي تقدم ورش عمل ومعارض.

o        هذه المؤسسات تعمل على تطوير المواهب، نشر الإبداع، وتنظيم الفعاليات الثقافية.

3.     دعم الجوائز والمسابقات:

o        تساهم الجوائز الأدبية والفنية التي يمولها أثرياء في تشجيع الإبداع وتقدير المواهب. هذه الجوائز تمنح الفنانين والأدباء دفعة مادية ومعنوية كبيرة.

o        تُقام مسابقات في الشعر والقصة القصيرة والفن التشكيلي، مما يكشف عن مواهب جديدة ويوفر منصات للشباب.

4.     رعاية المهرجانات والفعاليات:

o        يقدم الأثرياء دعمًا ماليًا كبيرًا للمهرجانات السينمائية، الموسيقية، والمسرحية، مما يساعد على استمرارية هذه الفعاليات ويرفع من مستوى جودتها.

5.     دعم التعليم الفني والأكاديمي :

o        تمويل المنح الدراسية للطلاب الموهوبين في مجالات الفنون والآداب، سواء للدراسة داخل البلاد أو في الخارج.

o        المساهمة في بناء وتجهيز كليات ومعاهد الفنون، ودعم برامج البحث العلمي في المجالات الثقافية.

6.     إعادة إحياء الصالونات الثقافية :

بالرغم من أن الصالونات القديمة قد تراجعت، إلا أن هناك محاولات فردية لإعادة إحيائها بشكل عصري، حيث يستضيف بعض الأثرياء والمثقفين لقاءات دورية تجمع الأدباء والفنانين والمفكرين للمناقشة وتبادل الأفكار.

أمثلة معاصرة  :

على الرغم من أننا لن نذكر أسماء معينة لأفراد حاليين، إلا أن المشهد الثقافي المصري والعربي يزخر بجهود العديد من رجال الأعمال والأسر الثرية التي تساهم بشكل فعال في دعم الفن. هذه المساهمات تتراوح بين:

  • امتلاك صالات عرض خاصة ودور نشر تدعم المواهب الشابة.
  • المشاركة في مجالس أمناء المتاحف والمؤسسات الثقافية الكبرى وتقديم الدعم المالي لها.
  • إنشاء مؤسسات خيرية ثقافية تُعنى بالحفاظ على التراث ودعم الإبداع المعاصر.
  • رعاية مبادرات فنية مستقلة في مجالات مثل المسرح التجريبي، الموسيقى البديلة والفنون البصرية الحديثة ومهرجانات السينما المختلفة والمسابقات الادبية التي تحمل أسماء بعض الأثرياء والأمراء الذين أنشئوها

التحديات والآمال

بالرغم من تزايد هذا الاهتمام، لا تزال هناك تحديات. فالدعم المقدم من الأثرياء، وإن كان مهمًا، لا يزال بحاجة إلى أن يكون أكثر شمولية واستدامة. كما أن هناك حاجة إلى بناء شراكات أقوى بين القطاع الخاص والحكومة والمجتمع المدني لضمان تطور مستدام للساحة الفنية والأدبية.

يبقى الأمل كبيرًا في أن يستمر هذا الاتجاه التصاعدي في رعاية الفنون والآداب من قبل الأثرياء، لما له من أثر إيجابي بالغ على إثراء الحياة الثقافية وتنمية المواهب وتقديم صورة حضارية مشرقة للمنطقة.

هناك نماذج بعينها تستحق أن يسلط عليها الضوء لخصوصيتها وتأثيرها منها تبني ساويرس لمسابقات أدبية تحمل اسمه ومهرجانات سينمائية تحت رعايته

بالتأكيد! تعتبر عائلة ساويرس، وخاصة المهندس نجيب ساويرس وشقيقه المهندس سميح ساويرس، من أبرز الأثرياء المصريين الذين تبنوا بشكل مباشر وفعال دعم الفنون والآداب والرياضة في مصر. لقد ساهموا بشكل كبير في إثراء المشهد الثقافي من خلال مبادرات رئيسية تحمل أسماءهم أو تتم برعايتهم.

 

الصالونات الثقافية ...... هل هي بدعة جديدة ؟ 1- الفنون في قصور النبلاء في القرون الوسطى: من الرعاية إلى الإبداع

 

الصالونات الثقافية ...... هل هي بدعة جديدة ؟

نشأة الفنون وتطورها في قصور النبلاء في القرون الوسطي

 

1-    الفنون في قصور النبلاء في القرون الوسطى: من الرعاية إلى الإبداع

شهدت قصور النبلاء في أوروبا خلال العصور الوسطى (تقريبًا من القرن الخامس إلى القرن الخامس عشر الميلادي) تطورًا ملحوظًا في الفنون، حيث تحولت من مجرد أماكن للعيش إلى مراكز حيوية للرعاية الفنية والإبداع فلم يكن هذا التطور وليد الصدفة  بل كان نتيجة لعوامل متعددة منها الدور المحوري للنبلاء كراعين للفنون والوظيفة الاجتماعية والدينية لهذه الأعمال بالإضافة إلى التغيرات في الأساليب الفنية نفسها.

وقد سبقت الحضارة الإسلامية بدءا من عصور الخلافات الإسلامية في إعطاء مساحة ما لبعض الفنون والأدباء في مجالس حكام تلك الدول والأسر بدءا من الدولة الأموية والعباسية وباقي االخلفاء فكان لكل خليفة شعراؤه الذين يحضرون في مجالس الحكم يكيلون لهم قصائد المديح وفي المقابل يفوزون بالعطايا والهدايا إلا أن ذلك لم يكن ممنهجا كما وأنه لم يشهد تطويرا أو استمرارا لكي يصبح ظاهرة ثقافية راسخة

دور النبلاء كراعين للفنون

لعب النبلاء دورا أساسيا في نشأة الفنون وتطورها. فبعد سقوط الإمبراطورية الرومانية تراجعت مراكز الإمبراطورية في رعاية الفنون وبرزت الكنيسة والنبلاء كأهم رعاة للفنانين. امتلك النبلاء الثروة والنفوذ اللازمين لدعم الفنانين والحرفيين، وكان اقتناء الأعمال الفنية وعرضها دليلًا على مكانتهم الاجتماعية وقوتهم. لم تكن هذه الرعاية مجرد ترف بل كانت جزءًا من استراتيجية أوسع لتعزيز هيبتهم وسلطتهم.

كان النبلاء يكلفون الفنانين بإنشاء مجموعة واسعة من الأعمال، تشمل:

  • المخطوطات المزخرفة : كانت الكتب نادرة وقيمة، وكان تزيينها بالرسوم التوضيحية الدقيقة والزخارف المعقدة يضيف إليها جمالًا وقيمة. كانت هذه المخطوطات غالبًا ما تكون نصوصًا دينية أو تاريخية أو أدبية.
  • المجوهرات والأدوات المعدنية : كانت المشغولات الذهبية والفضية، المرصعة بالأحجار الكريمة، رموزًا للثروة والسلطة. استخدمت هذه الأعمال في الحياة اليومية والاحتفالات على حد سواء.
  • المنسوجات والسجاد : كانت السجادات المزخرفة والمفروشات الجدارية لا تعمل فقط كعناصر زخرفية، بل كانت أيضًا تساعد على تدفئة القصور الحجرية الباردة. غالبًا ما كانت تصور مشاهد من التاريخ أو الأساطير أو الحياة النبيلة.
  • اللوحات الجدارية والزجاج الملون : في القلاع والقصور الأكبر، كانت الجدران غالبًا ما تُزين بلوحات جدارية تصور مشاهد دينية أو بطولية. كما كان الزجاج الملون، وخاصة في الكنائس الملحقة بالقصور، وسيلة لنشر القصص الدينية وإضفاء أجواء روحانية.

وظائف الفن في قصور النبلاء

لم تكن الأعمال الفنية في قصور النبلاء مجرد ديكورات، بل كانت تؤدي وظائف متعددة

  • التعبير عن المكانة الاجتماعية: كانت الأعمال الفنية الفاخرة وسيلة للتباهي بالثروة والقوة وتأكيد الهوية الاجتماعية للنبيل وعائلته.
  • التدريس الديني والأخلاقي : كانت العديد من الأعمال الفنية خاصة تلك التي تصور مشاهد من الكتاب المقدس أو حياة القديسين تستخدم لتعليم القيم الدينية والأخلاقية لسكان القصر وزواره.
  • حفظ التاريخ والذاكرة: كانت اللوحات والمنسوجات غالبًا ما تسجل الأحداث الهامة مثل المعارك والزواج مما يساعد على تخليد ذكرى النبلاء وإنجازاتهم.
  • الترفيه والتسلية  كانت بعض الأعمال الفنية مثل المخطوطات المصورة التي تحتوي على قصص وأساطير توفر الترفيه لسكان القصر.

وقد تطورت الأساليب الفنية في قصور النبلاء جنبًا إلى جنب مع التغيرات الاجتماعية والدينية. في البداية، كانت الفنون متأثرة بالأسلوب الرومانسي الذي تميز بالبساطة والضخامة والتركيز على الرموز الدينية. مع مرور الوقت وبحلول القرن الثاني عشر والثالث عشر، بدأ ظهور الأسلوب القوطي، الذي جلب معه مزيدًا من التفاصيل والجمال والألوان الزاهية خاصة في الزجاج الملون والنحت.

خلال أواخر العصور الوسطى ومع صعود الطبقة البرجوازية وتزايد الثراء، بدأت الفنون تخرج تدريجياً من نطاق الكنيسة والنبلاء لتشمل مواضيع أكثر علمانية وشخصية، ممهدة الطريق لعصر النهضة.

باختصار، كانت قصور النبلاء في العصور الوسطى حاضنات حقيقية للفن، حيث وفرت الرعاية والدعم للفنانين، وكانت الأعمال الفنية جزءًا لا يتجزأ من حياتهم اليومية، تعبر عن مكانتهم، وتنقل قيمهم، وتؤرخ لأحداثهم

تطور القوالب الموسيقيية في قصور النبلاء في أوربا

تطورت القوالب الموسيقية في قصور النبلاء في أوروبا خلال العصور الوسطى حيث شهدت قصور النبلاء في أوروبا خلال العصور الوسطى تحولاً كبيراً في المشهد الموسيقي، حيث انتقلت الموسيقى من كونها مقتصرة بشكل كبير على الكنائس والأغراض الدينية إلى أن أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية والاحتفالات الملكية والنبيلة. لعبت رعاية النبلاء دورًا حاسمًا في هذا التطور، مما أتاح للفنانين والموسيقيين فرصة للابتكار وتطوير قوالب موسيقية جديدة.

من الغناء الأحادي إلى البوليفونية المبكرة :

في بداية العصور الوسطى، كانت الموسيقى السائدة هي الترانيم الأحادية الصوت وأبرزها الترانيم الجريجورية حيث  كانت هذه الترانيم دينية بالأساس ولكن عناصرها بدأت تتسلل إلى الموسيقى العلمانية. لم تكن هذه الترانيم مصممة للقصور، بل كانت أساسًا للكنائس والأديرة، لكنها شكلت الأساس الذي بنيت عليه التطورات اللاحقة. ومع مرور الوقت، بدأت تظهر أولى بوادر البوليفونية أي تعدد الأصوات المستقلة التي تُعزف أو تُغنى في نفس الوقت. كان ذلك بمثابة ثورة موسيقية، حيث أضاف عمقًا وتعقيدًا للموسيقى. في قصور النبلاء، بدأ استخدام هذه التقنيات في أشكال مبكرة مثل الأورجانون  حيث تضاف خطوط لحنية موازية للخط اللحني الأساسي.

ظهور أغاني التروبادور والتروفير

في العصور الوسطى العليا (حوالي القرن الحادي عشر إلى الثالث عشر)، شهدت قصور النبلاء في جنوب فرنسا تطورًا فريدًا مع ظهور التروبادور  وهم شعراء وموسيقيون متجولون، غالبًا ما كانوا من النبلاء أنفسهم أو من الطبقات المتعلمة التي يرعاها النبلاء. قاموا بتأليف وغناء قصائد عن الحب العذري  والفروسية، والأحداث الجارية. كانت موسيقاهم أحادية الصوت في الغالب، ولكنها كانت تتميز بتراكيب شعرية وموسيقية أكثر تعقيدًا من الترانيم البسيطة.

تبعهم في شمال فرنسا التروفير الذين قدموا قوالب موسيقية مشابهة. في ألمانيا، ظهر المينيسينجر الذين قدموا أعمالًا مماثلة.

من أبرز القوالب الموسيقية التي ارتبطت بهم:

  • الكانيسو : النوع الأكثر شيوعًا، وكان عبارة عن أغنية حب.
  • الألبا : أغنية الفجر، تصف وداع العشاق عند الفجر.
  • الباستوريلا : تصف لقاءات بين الفرسان وراعيان.
  • السيرفانتيه : أغاني ذات طابع سياسي أو أخلاقي أو ساخر.

هذه القوالب لم تكن مجرد ألحان، بل كانت نصوصًا شعرية ذات هياكل قوافي ومقاييس معقدة، مما يدل على تطور كبير في الفكر الفني.

تطور الفورمات الثابتة ومع تقدم العصور الوسطى، خاصة في القرن الرابع عشر (عصر "آرس نوفا" في فرنسا و"تريتشينتو" في إيطاليا)، تطورت قوالب موسيقية جديدة تُعرف بـ "الفورمات الثابتة"  كانت هذه القوالب تتميز بتراكيب متكررة ومتناوبة بين المقاطع الصوتية والمقاطع الآلية، وأصبحت أكثر تعقيدًا من الناحية الإيقاعية والهارمونية.

أصبحت هذه القوالب أكثر تعقيدًا في استخدام البوليفونية، مع وجود خطوط لحنية متعددة تتشابك بمهارة.

وبالإضافة إلى الأغاني، كانت القصور النبيلة مراكز لتطور الموسيقى الآلية وموسيقى الرقص. لم تكن هناك قوالب آلية محددة مثلما نعرفها اليوم، ولكن الموسيقيين كانوا يعزفون ترتيبات آلية للأغاني المعروفة أو يؤلفون مقطوعات قصيرة للرقص كانت الرقصات جزءًا لا يتجزأ من الترفيه في البلاط مما أدى إلى تطوير إيقاعات وأنماط موسيقية تتناسب معها شملت الآلات المستخدمة في القصور النبيلة العود والربابة، الفيول، المزمار، والناي، وغيرها.

كانت رعاية النبلاء هي المحرك الرئيسي لتطور الموسيقى. فقد قاموا بـ:

  • توظيف الموسيقيين والملحنين: أتاح ذلك للموسيقيين التفرغ لعملهم والابتكار.
  • تكليف الأعمال الموسيقية: كانت الحفلات والاحتفالات في القصور تتطلب موسيقى جديدة مما حفز الملحنين على الإبداع.
  • توفير البيئة الثقافية: كانت القصور ملتقى للشعراء والمفكرين والفنانين مما أثرى التبادل الثقافي وشجع على التجارب الموسيقية.
  • نشر الأعمال الموسيقية: ساهمت قصور النبلاء في نشر الأنماط والقوالب الموسيقية الجديدة عبر انتقال الفنانين بين البلاطات المختلفة.

 

المولوية

  

المولوية










فن المولوية فن مرتبط بالصوفية الإسلامية في قونية بتركيا  ويُعرف أيضًا باسم رقصة الدراويش أو الرقص الدائري الصوفي. ارتبط هذا الفن بالتصوف الإسلامي وقد أسسها أتباع جلال الدين الرومي الشاعر والفيلسوف الصوفي الشهير في القرن الثالث عشر الميلادي   وقد ظهرت المولوية في قونية (الواقعة اليوم في تركيا) بعد وفاة مولانا جلال الدين الرومي عام 1273م  حين أسس أتباعه طريقة روحية  عرفت باسمه ومع مرور الوقت  تطور الطقس الروحي المعروف باسم السماع ليصبح عرضًا روحانيًا وفنيًا يجمع بين الحركة والموسيقى والذكر  ويعرف أتباعها باسم "الدراويش الدوارة" أو "المولوية" بسبب طقسهم الروحاني المميز الذي يُعرف بـ السماح (أو السماع) والذي يتضمن الرقص الدائري. وقد تأسست الطريقة المولوية على يد أتباع الشاعر الصوفي والفيلسوف الكبير جلال الدين الرومي (المعروف أيضًا بـ "مولانا")، والذي توفي عام 1273م. على الرغم من أن الرومي هو الملهم الروحي للطريقة، إلا أن ابنه سلطان ولد وحسام الدين تشلبي هما من قاما بتنظيم أفكاره ووضع القواعد والاحتفالات الخاصة بالطريقة بعد وفاة الرومي.

ورقصة السماح هي العنصر الأكثر شهرة في الطريقة المولوية إنها ليست مجرد رقصة بل هي ممارسة روحية عميقة تهدف إلى تحقيق حالة من الوجد والاتصال الإلهي وفيها يرتدي الدراويش ملابس رمزية خلال السماح عبارة عن

  • القبعة الطويلة (القلنسوة): ترمز إلى شاهد القبر.
  • الجبة السوداء: ترمز إلى القبر والعالم المادي
  • التنورة البيضاء الواسعة: ترمز إلى الكفن والنور.

أثناء الدوران، يخلع الدراويش الجبة السوداء، في إشارة إلى التخلص من الأنا والبعث في عالم الحقيقة. تدور أجسادهم في حركة دائرية مستمرة حيث تكون اليد اليمنى مفتوحة للأعلى لاستقبال البركات الإلهية واليد اليسرى مفتوحة للأسفل لتوزيع هذه البركات على الأرض والبشر هذه الحركة ترمز إلى دوران الكون والكواكب حول الشمس، وفي ذات الوقت دوران الإنسان حول محوره الروحي في رحلة البحث عن الله. وتركز المولوية على الحب الإلهي كوسيلة للوصول إلى الله ترى الطريقة أن الموسيقى والرقص وسيلة للتفكر في الله وتطهير النفس من الشهوات والرغبات المادية ويعتقد المولوية أن الدوران يساعد على التخلص من المشاعر النفسانية والوصول إلى حالة من الوجود الإلهي الخالص 

وقد حظيت المولوية بشهرة واسعة في العالم الإسلامي وخارجه وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافي الإنساني. وفي عام 2008  أدرجت منظمة اليونسكو "حفل السماح المولوية" ضمن روائع التراث الشفهي وغير المادي للإنسانية وعلى الرغم من حظر الطرق الصوفية في تركيا عام 1925، إلا أن المولوية استمرت في الوجود وتُقام احتفالات السماح اليوم في قونية بتركيا وغيرها من الأماكن لتجذب الزوار من جميع أنحاء العالم.

ورقصة المولوية ليست مجرد استعراض حركي بل تجربة روحية هدفها التخلص من الأنا والاتحاد بالخالق. إن الدوران المستمر يرمز إلى الحركة الكونية، فكل شيء في الوجود - من الإلكترونات إلى الكواكب - يدور، وهكذا يتحد الإنسان مع إيقاع الكون في سعيه نحو الحقيقة. --- الموسيقى في السماع المولوي دورًا محوريًا، وتُستخدم فيها آلات تقليدية مثل: الناي رمز الشوق والفقد حيث يعبر عن ألم البعد عن الأصل الإلهي الدف والطنبور لإضفاء إيقاع منتظم يساعد في الغوص داخل حالة الصفاء الروحي

 ورغم أن المولوية نشأت كطقس ديني، فقد تطورت لتأخذ مكانتها أيضًا في المسارح والمهرجانات الدولية كفن صوفي راقٍ ينقل رسالة السلام والمحبة والتسامح وقد أدرجت اليونسكو فن السماع المولوي ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية الذي يجمع بين الفن والتصوف في تجربة تتجاوز الجسد لتلامس عمق الروح. وهي دعوة دائمة للعودة إلى الذات وإلى الحضور الإلهي