الأحد، 13 يوليو 2025

بين الكاتب والناقد

 

بين الكاتب والناقد

تتفجر موهبة الشعر لدي البعض في مرحلة سنية ما وتتوهج تلك الموهبة فيبدع الموهوب شعرا يجتذب إعجاب المتلقي وتشجيعه وشيئا فشيئا مع تقدم العمر تخبو الموهبة ويتراجع الإبداع عندها يصطنع الكاتب شعرا صناعيا يعتمد علي الصنعة والخبرة ويخلو من الفطرة والعذرية فيقل إعجاب المتلقي وبالتدريج تتلاشي الأفكار ويجدب الخيال فيتجه المبدع إلي ممارسة لون آخر من الكتابة إما السرد إذا كانت لديه خبرات حياتية مختزنة وإما النقد وهو الأسهل تناولا بزعم أن الخبرة صنعت له ملكة النقد والتذوق .

والمعروف أنه يوجد فرقا جوهريا بين الكاتب والناقد في الأدب والفنون، حيث يمثل كل منهما دورًا مكملاً للآخر في إثراء المشهد الثقافي. ومن أهم الفروقات بينهما أن الكاتب هو المُبدع والمنتج للعمل الأدبي أو الفني. وظيفته الأساسية هي صناعة المحتوى وتجسيد الأفكار والمشاعر في شكل ملموس سواء كانت رواية أو قصة قصيرة أو شعرأو مسرحية أو مقال أو سيناريو، أو أي شكل آخر من أشكال التعبير.

ومن مهام الكاتب الإبداع والتأليف: ينشئ الكاتب نصوصًا ومحتوى أصيلاً، مستخدمًا خياله وموهبته اللغوية والفنية. ومن ثم التعبير عن الأفكار حيث يعبر عن رؤاه وتجاربه وقناعاته  أو قضايا مجتمعه من خلال أعماله. وفي سبيل ذلك فهو يقوم ببناءء العوالم ويخلق شخصيات، أحداث، أماكن، وأجواء تخدم قصته أو رسالته معتمدا علي التأثير العاطفي والفكري بهدف إثارة مشاعر القراء أو المشاهدين، ودفعهم للتفكير في قضايا معينة. مع الالتزام بالموضوع الذي يكتب عنه، ويحرص على إيصال رسالته بوضوح وفعالية. ويكون المبدع هنا هو المسؤول الأول عن جودة العمل وأصالته ومحتواه.

أما الناقد فهو المُحلل والمُقَيّم للعمل الأدبي أو الفني. وظيفته الأساسية هي فحص العمل الإبداعي وتفكيكه، ثم تقديم رؤية نقدية موضوعية أو تحليلية حوله  فالناقد لا يُنتج العمل، بل يتعامل مع ما أبدعه الكاتب.

ومن مهام الناقد التحليل والتفسير حيث يقوم بتحليل العمل الأدبي من جوانبه المختلفة (البنية، الأسلوب، الشخصيات، الموضوعات، الرمزية)، ويفسر معانيه الخفية أو المتعددة. ومن ثم يقوم بالتقييم والحكم فيصدر أحكامًا نقدية على جودة العمل، ومدى تأثيره، ومدى ارتباطه بالسياق الثقافي، ومدى وفائه للمعايير الفنية والأدبية. وقد يقوم الناقد هنا بالتوجيه والإرشاد  ليساعد القراء على فهم أعمق للعمل، ويسلط الضوء على نقاط القوة والضعف فيه، مما يعزز الذائقة الأدبية لديهم وهذا التفاعل من شأنه إثراء الحركة الأدبية فيسهم في تطوير الأدب من خلال تحديد الاتجاهات الجديدة، وتقديم تغذية راجعة للكتّاب، مما يدفعهم لتحسين أعمالهم.

ولا مانع من أن يقوم الناقد بربط العمل بسياقه حيث يضع العمل في سياقه التاريخي والثقافي والاجتماعي ويفسر كيفية تأثره بهذه العوامل وتأثيره عليها. ولكن ينبغي أن يتسم الناقد بالموضوعية  والحيادية (المثالية) فيسعى الناقد الجاد إلى تقديم نقد موضوعي يستند إلى أسس ومعايير نقدية، بعيدًا عن الأهواء الشخصية. باختصار، الكاتب هو من يخلق العالم الأدبي، بينما الناقد هو من يستكشف هذا العالم، فيفككه ، ويشرحه للآخرين، مقدماً رؤية معمقة حول قيمته وجوانبه المختلفة. والعلاقة بينهما تكاملية؛ فالناقد يعتمد على إبداع الكاتب، والكاتب قد يستفيد من نقد الناقد لتطوير أعماله المستقبلية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق