الإعلام بين الواقع والمأمول
3- تحديات الإعلام
اللغة أكبر تحدي في المستقبل
القريب
لغتنا جريحة والجميع صامتون لا بل نائمون , حضارة
تتمزق ولغتنا الجميلة تندثر في ظل المتواكلون ممن يؤمنون إيمانا أعمي بأن الله
سيحفظ تلك اللغة لأنه كتب علي نفسه حفظ كتابه إلي يوم الدين ، إن أكبر محنة تعرضت
لها اللغة العربية في القديم والحديث هي محنة الازدواجية اللغوية بين الفصحى
والعامية في العالم العربي , فها هي العامية بلهجاتها المتعددة تزاحم الفصحى في كل
قطاعات الحياة وقد تضاعفت المشكلة وازدادت خطورة بفعل لغة جديدة مستحدثة هي خليط
من لغات كثيرة ابتدعها مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي .
لقد وعد لله تعالى بحفظ اللغة بحفظه للقرآن , ولكن هل
حفظت الأمة لغة القرآن فما حال لغتنا الآن في الأسرة والمجتمع ( الجديد يرفض
القديم ولا يتواصل معه ) ثم في مؤسسات التعليم ( تدهور حال التعليم وتخلف
المناهج والاتجاه إلي اللغات الأجنبية والتعليم الأجنبي ) ثم في وسائل الإعلام
مواقع التواصل الاجتماعي ( الفيس بوك وتويتر وغيرها ) الإعلام مهنة من لا
مهنة له تسلل الجهلة والأميون ليقودون مسيرة صناعة الرأي العام ولأن فاقد الشيء لا
يعطيه فقد صارت عطايا هذا الجيش الضخم من الإعلاميين الجدد فاقدي العلم والموهبة
والتأهيل هي خليط من ثقافاتهم الوضيعة ومفردات سوقية جديدة ولغة الدهماء يشكلون
بها ثقافة جديدة دخيلة علي مجتمعاتنا وتم تنصيب قاعدة جديدة تحكمها مقولة أن
البضاعة الرديئة تطرد البضاعة الجيدة من السوق وسادت فلسفة القطيع .
من هنا كان ولابد من التجديد الثقافي والإعلامي .
لماذا التجديد الثقافي؟
قد يكون هذا السؤال ليس مهما
كسؤال، لكن الأهمية في أجوبة كثيرة كانت تحاول الرد على هذا الاستفهام.
نحن نرى أن التجديد ضرورة ملحة
لـلدواعي الآتية:
1- لدينا إرث ثقافي كبير وهام
وتحتاجه الحياة اليوم وإلى الأبد.
2- إن هذا الإرث الثقافي مر
بعصور متخلفة متراجعة أضفت الجمود والتقليد على كل المعارف.
3- إن الإفاقة من تلك الحالة
جاءت متأخرة، في حين أن غيرنا قد سبق في العلوم النظرية والتطبيقية.
4- إن الإفاقة المتأخرة لم تكن
شمولية ولا يزال يصاحبها تعقيدات وعوائق وكتل جليدية لم تذب حتى اللحظة.
5- إن بعض ممارسات التجديد جاءت
ناقصة لا تمثل مشروعاً صامداً وقوياً وتكاملياً تراكمياً، وهي تدور بين عفو الخاطر
وردود الأفعال.
6- إن الإرادة السياسية لا تزال
غير داعمة لمسار التجديد بقدر ما يحتاجه من دعم، ولا تزال تحسب حساباتها وفقاً
لمصالحها ومخاوفها.( إلغاء وزارة الإعلام ومضاعفاتها )
7- ضعف أو انعدام الثقة في الذات
العربية والإسلامية لحمل مبادرة التجديد والتقدم بها للحياة، في حين أن الاتكاء
على الغير والسير في ركابه والاستجابة لمطالبه هو مصدر الثقة عند البعض.
8- التحوّلات العالمية السريعة
والقوية والخطيرة، والعيش في عصر معلوماتي لا محدودية له، كل ذلك حتم خيار التجديد
وليس إلاّ التجديد، وأنا قد عمدت إلى جعل هذا السبب هو الأخير بخلاف الذين يقدمونه
أولاً؛ لأنه في الحقيقة يمثل سبباً ونتيجة في آن واحد، فقد جعلنا أمام واقع مختلف،
وجعل هذا السبب هو الدافع الرئيس سيجعل المشروع التجديدي ردة فعل في أكثر أحواله،
ونحن نريد أن يكون الدافع الأهم هو الإيمان بقوة ثقافتنا وبقدراتنا وحاجتنا
الذاتية، وما تحدده مصالحنا ورؤيتنا.
التجديد الثقافي بين الأصالة
والمعاصرة:
هل يمكن تجديد الثقافة العربية
الإسلامية على الرغم من مكوناتها ذات الخصوصية والارتباط الوثيق بالهوية؟ بمعنى هل
يمكن تجديد الثقافة، وفي الوقت نفسه نحافظ على هويتنا ونتعايش عالمياً في ظل وجود
ثوابت تاريخية في تلك الثقافة ؟
إن الثنائية بين الأصالة
والمعاصرة شكّلت حاجزاً كبيراً أمام مجتمعاتنا العربية والإسلامية, لكنها عند
التأمل ليست ثنائية خانقة -كما يتوهمها البعض- بل هي من الثنائيات التكاملية ولكن
الاختناق إن وُجد فهو في سوء الفهم وقصور العقل عن إدراك المعنى, أو أن يكون مردّ
ذلك إلى حداثة التجربة ؛ لأن الجمود الفكري الذي غطى -ولسنوات طويلة- قد سلب
العقول وظيفتها وعطّلها من دورها.
في الندوة التي نظمتها منظمة
(الإسيسكو) تحت عنوان: (ثقافة التغيير بين التأصيل والتجديد) أجاب الدكتور سعيد بن
سعيد العلوي عميد كلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالمغرب بجواب يكشف عن عدم تعارض
الأصالة مع المعاصرة في عملية التجديد، ولكن على أساس الالتزام بثلاثة شروط:
1- التسليم بوجوب التغيير
وحتميته في صيرورة التحديث؛ أي الإيمان بأنه ضرورة لا محيض عنها أو كما يعبر
الفقهاء بقولهم : (تَحْدُثُ للناس أقضية بقدر ما يحدثون من الفجور) وهي المقولة الشهيرة
لخامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز ..
2- لا بد من التجديد الديني الحق
على أساس الالتزام بشروط هذا التجديد، ومن يقوم به ومن يحق له الحديث عنه.
3- شرط المصالحة مع الذات وذلك
لأن الإسلام قد أصبح اليوم موضوع جدل كبير، وأن هناك خلطاً كبيراً في المفاهيم بين
الإسلام والمسلمين والإسلاميين وسواء كان هذا الخلط مقصوداً أو غير مقصود فإنه
يشكل جناية على الإسلام.
وأعتقد أن هذه الشروط التي ذكرها
دعاة الدخول إلي المعاصرة، ويبقى الذين يجاهدون في غير عدو خارج المعادلة، وعلى
المهتمين بالإصلاح والتجديد السير قدماً في مراحل الطريق وفق خرائطه المتعددة .
رهانات التجديد الثقافي:
لا يزال خطاب التجديد الثقافي
رهيناً لعوامل كثيرة ومهمة، ولا يمكن له تجاهلها وغض الطرف عنها ومن ذلك:
1- المؤثرات العالمية والتي
تعتمد (القوة والمصلحية والسرعة) في حركاتها، وهذا من أكبر التحديات التي تواجه
الخطاب التجديدي، لا سيما وهو يعاني من التأخر الزمني والعقبات السياسية
والاقتصادية والاجتماعية والمعرفية، مع غياب للعمل المؤسساتي؛ إذ لا يزال في معظمه
أعمالاً فردية متقطعة وفاقدة للإستراتيجية البعيدة؛ إذ لا تعتمد على الدراسات
والأبحاث. ( موقف كتاب - التنوير – دعاة التمسك بالعلم من أمثال محمد الباز وخالد
منتصر وغيرهم )
إن لدى الخطاب التجديدي مهام
صعبة للغاية تجاه المؤثرات الدولية وليست الأولوية هي الصدام مع تلك المؤثرات لصدّ
المطامع والمصالح العالمية في المجتمعات الإقليمية بل إن الأولوية - ولو من وجهة
نظري ـ في البحث عن موقع عالمي مؤثر في التغيرات والتحولات، بدلاً من القعود في
مدرجات المتفرجين أو متاريس الممانعين والمعترضين . فإن لدينا في الثقافة العربية والإسلامية منطلقات عالمية
ولدينا من الحكمة ما تتوق له البشرية، لكن الكثير من المفكرين والدعاة هم في
الحقيقة (حامل فقه ليس بفقيه).
2- العادات والطبائع الاجتماعية
؛ إذ يشكل التراكم الاجتماعي الكثير من العادات التي ترسخت بمرور الزمن لتكون أشبه
بالمعتقدات الدينية وهذه العادات ـ بعضها غير صحيح ـ تقف عائقاً في وجه التجديد
الثقافي الذي يفترض أنه ليس في برنامجه فقدان المجتمع وخسرانه، بل يسعى إلى
التصالح معه، وكسب وده في توازن حكيم يجلب المصلحة، ويدرأ المفسدة، إذ (ليس الفقيه
من يعرف الخير من الشر، ولكن الفقيه من يعرف خير الخيرين وشرّ الشرّيرين) كما يعبر
ابن تيمية.
بيدا أن المجتمعات اليوم قد
تأثرت كثيراً بالفعل الإعلامي الواسع وتأثرت كثيراً بخطابات متنوعة ( إثارة قضايا
فقهية غير مطروحة وغير مجدية إلا لأعداء العقيدة ) ، وهي الآن لا تتمسك بالممانعة
كسابق حالها، بقدر ما تولّد لديها من أسئلة كثيرة وكبيرة، وهي تنشد الأجوبة ولا
أجوبة كما أن الثورة المعلوماتية التي دخلت كل بيت في المجتمع واكبت نشأة جيل جديد
يقرأ الحياة من منظور آخر، هو يحتاج إلى شيء من الأصالة ليمزجها مع عصره المتحول؛
فهو أيضاً لديه أسئلة و ينشد أجوبة، لكن أسئلة الجيل الجديد ستكون محرجة ؛ لأنه
اكتشف بعض زيف الثقافة المتراكمة، وأصبح يسأل ويحاكم في آن واحد، ويجب ألاّ تضيق
صدورنا بمحاكماته، بل علينا أن نعود إلى الذات التراثية نصارحها وننقدها ونتجادل
معها، فهل لن يصح إلاّ الصحيح ؟ ( جيل شباب يناير يرى أن شيوخ المجتمع هم من
أتاحوا لمبارك الفساد عبر ثلاثين عاما )
3- السياسات والأنظمة التي لا
تحدثها إلاً الكوارث والحروب والثورات المعاصرة ، ولا تسوقها المصالح كطبيعة
للسياسة. إن هذه النماذج من السياسات تحبذ اجترار الثقافات القديمة دون إجراءات
التحديث لأنها ترفضها باعتبارها مسئولة عما وقع من تخلف ؛ ولا أدل على ذلك من
مخرجات التعليم بكل مستوياته ومخرجات دور الإفتاء وإفرازات الإعلام.
إن على هذه السياسات أن تدرك قبل
غيرها أنه لا ممنوع في عالم الاتصال وأنه ليس من السياسة في شيء أن تتحدث وتتجدد
ثقافة المجتمع دون مواكبة الدولة بأنظمتها ومناهجها وليس صحيحاً أن السياسة دائماً
تعرف مصلحتها؛ فلها ممارساتها الخاطئة وتجاربها الفاشلة ، فلا عصمة لها .
ونحن ندرك أنه ليس كل السياسة
شراً، وأن هناك مناطق في السياسة يمكن التعامل معها وإثراؤها وتحديثها، وهي تنشد
المساعدة، وتطلب التعاون؛ فعلى مؤسسات التجديد ألاّ تسرف في إساءة الظن بكل ما هو
سياسي، وأن تبحث عن المناطق الخضراء وسط السياسات، وتعمل على مد جسور التعاون
وتوسيع الإيجابيات؛ لأننا بحاجة إلى أي إضافة جميلة من أي مصدر كان، وأعتقد في هذا
السياق أن ما يُثار حول (مثقف السلطة وسلطة المثقف) قد بولغ فيه واستثمر سياسياً
لا فكرياً ، وما كُتب فيه لا يخرج عن توصيف مشكلة معظم أجزائها ساكن في الذهن لا
يحسّ به العاملون في أرض الواقع.
شروط التجديد:
التجديد ليس سلعة تستورد وليس
عملية فورية وليدة لحظة, ولكنه مشروع حياة لذا فإن شروطه ليست بالتعجيزية، ولكنها
إستراتيجية تمنحه الرؤية وتريه الأفق، وهي شروط لديها المرونة الكافية :
أولاً: النظر إلى التجديد
الثقافي بصفته سنة الحياة وطبيعة الوجود.
ثانياً: الاستمرارية والتواصل ؛
فالأعمال المبتورة والمؤقتة وسريعة التحضير كلها ليست مشاريع تجديدية، بل هي مجمل
ردود أفعال أو سدّ حاجات نفسية.
ثالثاً: الهضم السليم للمعطيات
المختلفة والقبول بالتعددية والالتزام بالاعتراف والتعرّف على الآخر؛ إذ ليس من
التجديد الإلغاء والإقصاء. ومن هنا فلا بد من توسيع دائرة الثقافة والمثقفين،
والابتعاد عن ضيق الأفق المعرفي، ومحدودية المشاركة؛ أي أنه يجب ألاّ يكون المثقف
هو المشكلة والعبء على كاهل المجتمع، كما هو حال بعض النخب، وهذا يقودني إلى
الحديث عن:
التجديد رسالة المثقف : لقد غرق
البعض في جدليات لا تنتهي وآخرون بلغوا من الثقافة قمماً، ثم لما أعادوا النظر في
واقعهم ارتدّ إليهم البصر خاسئاً وهو حسير، وأُصيبوا بالقلق والحيرة والاكتئاب. إن
المثقف الذي يجعل من التجديد رسالته في الحياة قد اكتسب الثقة اللازمة بنفسه
وبمشروعه ، وسوف يعمل على تحديد رؤية فكرية واضحة المعالم تبرز منظوره، وتخطط له،
وتبتكر أو تتعاون مع وسائل للتنفيذ. والمثقف صاحب الرسالة يحمل المبادرات الصحيحة،
ويفعلها؛ فهو يستثمر الفرص ويعيشها، ولا ينتظر من الآخرين إتاحة الفرصة له؛ لأن
ذلك لا يتحقق في عالم مليء بالأعمال والأعمال المعرفية بالذات.
محمد عبد المنعم إبراهيم
18 / 6 / 2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق