الخميس، 18 يونيو 2015

الإعلام بين الواقع والمأمول 1-واقع الإعلام اليوم

الإعلام بين الواقع والمأمول

1-واقع الإعلام اليوم







دشن بعض الأصدقاء في مدينة الزرقا صالونا يضم قامات رفيعة من المثقفين من أصحاب الإنجازات الرائعة في مجتمعهم سواء قبل تقاعدهم أو حتي بعد التقاعاد وأطلقوا عليه صالون الأربعاء وقد شرفوني بطلب عقد لقاء تحت عنوان الإعلام والثقافة بين الواقع والمأمول فأعددت بحثا مطولا عن رؤيتي في هذا الموضوع مساهمة متواضعة مني في أنشطة هذا الصالون وكان الموضوع التالي مقسما علي عدة مقالات حتي يسهل قراءته 
واقع الإعلام اليوم 
في آخر الإحصائيات بلغ عدد القنوات الفضائية العربية نحو700 قناة كما تشير التقديرات إلى أن حجم الإنتاج التلفزيوني من المسلسلات خلال شهر رمضان وحده بين 350-500 مليون دولار في ظل هذه الأرقام هنالك عدة معطيات يجب أخذها في الاعتبار:
أولا:في هذا العصر الذي أصبحت المعرفة بلا حدود سمته الأساسية يبلغ متوسط قراءة الفرد العربي زمنيا 6 دقائق في السنة مقابل 11ساعة في المتوسط بالغرب
في المجتمع العربي كغيره من المجتمعات أدى ذلك إلى جعل التلفاز العنصر الأساسي في صناعة الوعي لدى الإنسان العربي ومصدر المعلومة الوحيد الذي يعتمد عليه في صناعة الآراء والمواقف
ثانيا:الغزو الفضائي الغربي الذي يكمل حلقات غزو العرب والمسلمين وتبعيتهم للمركز الغربي سياسيا واقتصاديا وثقافيا عبر وكلاء محليين ينقلون لنا نتاج الغرب من الأفلام والمسلسلات والبرامج المنوعة تنقل أنماطا من العيش والتفكير والقيم ليست غريبة وحسب بل خطيرة بما تعززه من أعلاء الفردية والأنانية والمادية والداروينية الاجتماعية (البقاء للأقوى) وإطلاق العنان للغريزة بدلا من مثل التراحم والإحسان والتكافل الاجتماعي والإيثار والعفة وغيرها من القيم الأخلاقية السامية
ثالثا: القنوات الفضائية العربية التي انتشرت انتشارا فطريا كغيرها من الظواهر في الوطن العربي حيث نجد زيادة كمية هائلة في أعداد القنوات لا يواكبها تحسن كيفي في المحتوى ، بل على العكس تغلب الرداءة على معظم هذه القنوات التي يركز معظمها على الفيديو كليبات  والأغاني التي تحط بالإنسان وقيمه وتثير فيه الغرائز والشهوات إلى قنوات المسابقات والدجل والشعوذة (التداوي) التي تنهب أموال المشاهد الذي ينجذب لها طمعا بالفوز أو الشفاء من غير أهله ، أو قنوات الوكالة المحلية للغرب التي تنقل لنا كل ما ينتجه الغرب
رابعاً:المسلسلات وشركات الإنتاج التي تضاعف عددها في السنوات الأخيرة حيث يغلب الطابع التجاري على سياسة هذه الشركات مما ينعكس بشكل أو بآخر على مضامين إنتاجها فهي تسعى للربح أولا وأخيرا سواء كان على حساب تزييف وتشويه وعي المشاهد العربي أم لم يكن المهم الربح لذلك نجد التركيز على علاقات الحب(والعلاقات الأخرى الغير شرعية أكثر من الشرعية) بين الجنسين أكثر من غيرها وعلى تضمين المسلسل مشاهد ومضامين(أكثر جرأة ) كما يقولون من الدعارة والكازينوهات والشذوذ الجنسي اعتمادا على المبدأ التجاري (كل ممنوع مرغوب) عدا طرح لقضايا مثيرة للجدل بشكل بعيد عن الإنصاف والموضوعية بهدف أثارة الضجة و جذب أعداد اكبر من المشاهدين كما حدث في الآونة الأخيرة من ظاهرة مهاجمة الإسلام قبلَ المسلمين من خلال إظهار التدين بأقبح الأشكال والصور التي يمكن للمرء أن يتخيلها حتى أصبحنا نحتاج لجاك شاهين أن ينتج لنا وثائقيا يسميه (المسلمون الأشرار) في الإعلام العربي على غرار الوثائقي الذي أنتجه(العرب الأشرار) في السينما الأمريكية حيث لا تشاهد في مسلسل أنسانا متدينا أو امرأة محجبة (التي نادرا ما نراها في مسلسل أصلا)إلا كان التعصب والجهل والانغلاق والرجعية السمة الواصمة لهذه الشخصية حيث انتقل الهجوم على الإسلام إلى عقر دار المسلمين أنفسهم بعد أن كان محصورا في الغرب وحده
وعندما يُسأل القائمون على مثل هذا الإنتاج سوف يستمع المرء للجواب نفسه تقريبا ((نحن نكشف عن واقع وظاهرة سلبية في المجتمع لابد من فضحها وإخراجها لدائرة الضوء)) أو يقولون ((إن ما نعرضه هو عبارة عن وجهة نظر والمشاهد هو الحكم فيما يعرض عليه)) محاولين تبرير تجاريتهم أو وكالتهم للغرب
عندما تنتقدون الدين والمتدينين ذلك أن مجرد عرضها على الفضائيات سوف تصنع ظاهرة رأي لواقع متخيل لا ظاهرة حقيقية حيث ذكر الكثيرون أنهم بعد مشاهدتهم لأحد المسلسلات المسيئة أنهم يشعرون بالتوجس والقلق عند مشاهدة امرأة محجبة أو إنسان ملتحٍ ، أما عن انتشار ظاهرة الجريمة والدعارة والعلاقات غير المشروعة فإن مثل هذه الظواهر أصبحت مادة في كثير من المسلسلات حني أصبح طرحها ظاهرة بحد ذاته وغالبا لا يرافق الحديث عن هذه الظواهر السلبية في المجتمع حلولاً منطقية مما ينعكس على المشاهد من استمراء هذه الظواهر وتقبلها في المستقبل حيث أصبحت تعتبر نوعا من إشاعة الفاحشة التي هي مناط العقوبة في الإسلام في حالة جريمة الزنا حيث أن العقوبة فيها تتوجب حال وجود أربعة من الشهود عليها أي أن أنها أشيعت بين الناس لذلك قال تعالى((أن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون)) سورة النور  ، أما من حيث اعتبارها وجهة نظر فإن هذه المقولة بالذات تكشف التحيز وانعدام المصداقية في مادة العمل الفني فهم يبعثون برسائل مرئية إلى مشاهد عديم الثقافة غالباً يعتمد عليهم وعلى مادتهم التجارية (أو المستوردة فكريا من الغرب) في صناعة وعيه ومواقفه وآرائه
خامساً:الإعلام والإسلام
المفترض في تلك القنوات المتعددة بشكل عام الحفاظ على القيم والهوية إلا أنها تعاني من الرتابة والتقليدية في الطرح (ستعرف أنها قناة دينية عندما ترى الشيخ يتحدث لساعات أمام الشاشة!) ناهيك عن التكرار (الاستنساخ) الذي أصابها فقد ترى الشيخ نفسه على 3أو 4قنوات في نفس الوقت لقد فات القائمين على مثل هذه القنوات -إلا من رحم ربك-أن الرسول الكريم صل الله عليه وسلم قد استخدم كل الوسائل الإعلامية الممكنة في عصره لخدمة الدعوة الإسلامية فها هو يقول لحسان بن ثابت وهو يهجو المشركين في حربه الإعلامية ضدهم ((اهجهم وروح القدس معك)) ولو تيسر له ما بين أيدينا من الوسائل في إيصال الدعوة لما عدِمَها
وأكثر الأشياء سلبية للقنوات الدينية فهي فوضى الفتاوى العابرة للبلدان ذلك أن الفتوى دائما مرهونة بالشخص والمكان والزمان والظروف ومن الخطأ الكبير إشاعتها على العلن مما يؤدي إلى التعميم الخاطئ من الجهال إضافة التضارب في الفتاوى الذي قد يلمسه المشاهدون دون الانتباه أن الفتوى شخصية مخصوصة بحال المفتي والمستفتي وحدهما فقط دون المشاهدين أما الدراما ذات الطابع الديني فإنها غالباً تقتصر على الأعمال التاريخية وكأن الإسلام أصبح ماضياً غابراً وتراثاً قديماً قد ولى ونحن نكتفي بالسرد لذلك الماضي وحسب
ودائمًا بين الواقع والمأمول توجد فجوات على المعنيين بالأمر العمل على تذويبها, أو تقريبها, ولا أقول أنها ستختفي لأن طبيعة الزمان أن يتغير, والأجيال أن تتطور, وهذه سنة الحياة.

                                                                                 محمد عبد المنعم
                                                                                18 يونيو 2015




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق