الأربعاء، 20 نوفمبر 2019

رأس البر





رأس البر


    رأس البر كانت منذ نشأت ضاحية من ضواحي دمياط تارة يأتيها صيادو الأسماك والسمان ويقيمون عليها عششهم وتارة يقيم عليها الحرس والجنود ثكناتهم وقد يأتى إليها سكان دمياط فى المراكب للنزهة والصيد والرياضة .
ورأس البر.. إسم حديث لم يكن معروفا من قبل حيث  كان العرب فى القرون الوسطى يطلقون على هذه المنطقة "جيزة دمياط " والجيزة هى الناحية أومايجاز إليه .... ولما زارها المقريزى فى القرن الخامس عشر أسماها  فى قصيدته "مرج البحرين " وقد شهدت رأس البر فى عصور الحملات الصليبية أحداثاّ رهيبة ففى عام 1169وكان صلاح الدين الأيوبى لايزال وزيراّ للخليفة الفاطمى العاضد وصلت إلى ساحل دمياط أساطيل الصليبيين فى نحو ألف مركب تحمل عشرات الألوف من الفرسان والمشاه ونزلوا إلى البر فى منطقة رأس البر ثم حاصروا مدينة دمياط ثلاثة وخمسين يوماّ وقاتلهم صلاح الدين إلى أن أجلاهم عن دمياط بعد أن أغرق لهم معظم المراكب التى كانوا يستقلونها فى البحر المتوسط  ولكنها تعرضت فى شهر يونية  1218 لحملة أخرى حيث  وصل أسطول ضخم أمام رأس البر يحمل نحو سبعين ألف مقاتل بقيادة جان دى برين ثم نزلت إلى جزيرة دمياط وعسكروا أمام المدينة 6 أشهر و 22 يوماّ ودخلوها فى نوفمبر 1219 ثم تنتهى القصة بخروج الغزاه من دمياط بعد أن قضوا فيها وعلى شواطئها ثلاثة سنوات وأربعة أشهر .
   وبعد ثلاثين عاماّ فى يونيه 1249 وقف أمام رأس البر أسطول كبير يحمل  لويس التاسع وجيشه ثم نزلوا إلى رأس البر وزحفوا إلى دمياط وعبروا الجسر وأستولوا عليها بلا قتال وتنتهى القصة بهزيمتهم فى موقعة فارسكور وأسر لويس التاسع وجلاء الحملة عن سواحل رأس البر ودمياط فى  8 مايو 1250 ميلادية .
  وتدور عجلة الزمن وإذا بالشيخ تقى الدين المقريزى _ المؤرخ المشهور يقف عند"  اللسان " برأس البر وكان يسمى " بمرج البحرين " وذلك فى يوم رائق من أيام القرن الخامس عشر فتأخذه محاسن الطبيعة هناك وينظم فيها أبياتاّ من الشعر منها : 

وفى مرج البحرين ، جم عجائب
                                        تلوح وتبدوا من قريب ومن بعد
       كأن التقاء النيل بالبحر إذ غدا
                                        مليكان سارا فى الجحافل من جند

      

   ثم يبدا تاريخ المصيف مع مستهل القرن التاسع عشر وقد نسيت أهوال الغزوات والحروب التى إجتاحت نلك الناحية الجميلة .. فعمها الهدوء والاستجمام وغسلت أمواج البحر أثار المعارك والدماء .. وأقبل صيادو الأسماك و السمان بقواربهم وشباكهم وراحوا يترددن على تلك الشواطئ زرافات ووحدانا.
  وكان مشايخ الطرق الصوفية وأتباعهم بدمياط إذا ما فرغوا من إحتفالهم بمولد أبى المعاطى ليلة النصف من شعبان ومولد الشيخ على الصياد على الشاطئ الغربى للنيل وإحتفالهم بمولد الشيخ " سديد " بالسنانية _ تسير جموعهم نحو الشمال مع النيل إلى المكان المعروف " الجربى " .
   وفى القرن التاسع عشر كان بعض الأعيان بمدينة دمياط قد زاروا رأس البر عام  1823 وأقاموا بها  للصيد والرياضة فراقهم جوها ومناظرها وشيدوا لهم أكواخا من الأكياب والحصير وما لبثوا أن أتخذوا هذا المكان مصيفا لهم وتبعهم غيرهم وأخذ المصيف يتطور عاما بعد عاما ويتدرج من عشش قليلة متفرقة إلى صفوف منتظمة بين شاطئ النيل والبحر .
   وفى عام 1883 جاء رأس البر العالم الألمانى " كوخ " الذى إنتدبته الحكومة المصرية على أثر إنتشار الكوليرا بمصر وزار رأس البر وكتب عنها فى تقرير له " إن مصيف رأس البر قد يصبح يوماّ ما ملك المصايف وأشهرها . إذ يمتاز بموقعه الجميل وهوائة النقى الجاف وشواطئة الذهبية وبعده عن الضوضاء وهــو أقــل رطوبة مـن جــو الشـــواطئ المصــرية الآخرى وتكثر فى هوائه كمية اليود
    وكان مصيف رأس البر مفضلاّ لدى الطبقة  الإرستقراطية ثم تدرج إلى مصيف  للشعب كــله عــلى مختلف طبقـاته وكــــان مــن نتائج قيام الحرب العالمية الأولى ( 1914_ 1918 ) إن حرم الكثيرون من الإرستقراطيون  المصريون من السفر إلى  الخارج فاشتد الإقبال على رأس البر كما حدث مثل ذلك فى الحرب العالمية الثانية ونجم عن ذلك إدخال الكثير من التحسينات بالمصيف كما زادت حالة المصيف الإقتصادية رواجاّ .

    وشهد مصيف رأس البر فى مستهل القرن العشرين مشروعات مختلفة متفاوته فى الأهمية ترمى إلى تطوير وإصلاح المصيف .
ففى عام 1901 وضعت به نقطة بوليس ثابتة لحفظ الأمن وفى سنة 1902 رسمت له أول خريطة وتقرر تأجير أرضه قطعاّ صغيرة تحيط بها الشوارع الواسعة بأجر زهيد .  وفى عام 1903 أنتدبت الحكومة محافظ دمياط للإشراف على المصيف ووضع القواعد واللوائح الرسمية لإستغلاله وكان أول محافظ ولى " رأس البر " هو محمد أنور الذى شجع أهالى دمياط على العمل كمقاولين للعشش . وفى عام 1905 وضع للمصيف تخطيط بسيط للعشش فجعل ثلاثة صفوف ووضعت لكل صف أرقام مسلسلة كما أنشئ مكتب للتلغراف وآخر للبريد وعشة خاصة بالمحافظ وديوان يؤدى فيه عمله . وفى عام 1906 وضعت إدارة المصيف أول ميزانية لرأس البر . وفى عام 1912 صنعت أبواب العشش ونوافذها من الخشب بعد أن كانت تصنع من الأكياب وتفتح وتقفل بجذب الحبل .     وفى الفترة بين 1919 و 1929 عنيت إدارة المصيف بإصلاح الطريق الزراعى الموصل إلى رأس البر من الجهة الشرقية وكان الطريق الوحيد وقبلة هو طريق النيل والمراكب .  وفى عام 1928 شكلت هيئة من محافظة دمياط رئيساّ وأعضاء مجلس دمياط البلدى لتنظيم شئون المصيف ووضع ميزانية لايراداته ومصروفاته ومراقبة سير الأعمال ونحوها . وفى عام 1930 إفتتح كوبرى دمياط فربط بين ضفتى النيل وسهل الإتصال بالمصيف بالسيارات . وفى عام 1938 أقامت مصلحة الموانئ والمنائر رصيفاّ من الأسمنت المسلح طوله 350 متراّ داخله فى مياه البحر و75 متراّ فوق الرمال على اليابسة وذلك لوقاية الساحل الشمالى من التآكل المستمر عام بعد عام وهو مايعرف باللسان . وفى عام 1944 وضع مشروع جديد لتخطيط رأس البر بحيث تكون مدينة ثابتة ورأى المؤيدون لهذه الفكرة أن مصيف الحياة البسيطة الطبيعية الهادئه لم تعد تتمشى مع مقتضيات العصر الحديث ولا مع سنة التقدم العمرانى السريع وأن  الحياة الفطرية  التى كان يعيشها المصطافون القدماء لم تعد تناسب خمسين ألف من رواد المصيف على مختلف طبقاتهم وطباعهم .
وزاد الإقبال على المصيف عاما بعد عام بعد التطورات الجديدة التى حدثت به وبلغ عدد المصطافين فى صيف 1949 خمسة وأربعين ألف .  وفى عام 1950 شقت بالمصيف طرق جديدة متسعة طولا وعرضا وأنشئت عربات خاصة لتيسيرالإنتقال والمشهورة باسم " الطفطف " ونفذ مشروع الصرف الصحى ومهد الطريق الغربى ومدت شبكة جديدة لمياه الشرب إلى المنطقة الجنوبية بالمصيف وساعد ذلك على توسيع مساحة المصيف .  وفى عام 1952 بدأ عهد الثورة والإصلاح ودخلت رأس البر كما دخلت دمياط فى عهد جديد من النهضة والعمران وأصبح للمصيف عبر السنوات التالية نصيب وافر من الرعاية والإهتمام والتحسين والتطوير والتجميل والإصلاح .
















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق