المعادل الموضوعي عند سعد الدين وهبة
على الرغم من أن مصطلح "المعادل
الموضوعي" ارتبط بشكل كبير بتي. إس. إليوت وتطبيقاته في النقد الأدبي وخاصة
في المسرح الذهني عند توفيق الحكيم إلا أن سعد الدين وهبة لم يُعرف عنه
تبنيه الصريح أو الواضح لهذا المفهوم بنفس الطريقة النظرية التي تبناها الحكيم.
سعد الدين وهبة كان كاتبًا مسرحيًا وسينمائيًا
بارزًا، وتميزت أعماله بما يلي:
- الواقعية والاجتماعية: ركز وهبة
في مسرحياته على قضايا المجتمع المصري وهمومه وقدم شخصيات من الواقع تعكس
شرائح مختلفة من المجتمع. كانت أعماله غالبًا ما تتناول الفساد والبيروقراطية
والصراع الطبقي والتحديات التي تواجه الفرد في المجتمع.
- المسرح الجماهيري: على عكس
المسرح الذهني للحكيم الذي كان يميل إلى القراءة، كانت مسرحيات وهبة تُكتب
لكي تُعرض وتتفاعل مع الجمهور. كان يمتلك حسًا دراميًا قويًا وقدرة على بناء
الحبكة والشخصيات بطريقة تجذب المشاهد.
- الرمزية غير المباشرة: على الرغم
من واقعيته، لم تخلُ أعمال وهبة من الرمزية ولكنها كانت غالبًا رمزية متجذرة
في الواقع ومستوحاة من تفاصيله اليومية وليست رمزية فلسفية مجردة كالتي نجدها
عند الحكيم وكان يستخدم المواقف والشخصيات لتعبر عن أفكار أعمق ولكن ضمن سياق
درامي واقعي ومفهوم للجمهور.
- اللغة البسيطة والمباشرة: استخدم
وهبة لغة قريبة من لغة الحياة اليومية إلا أن الحكيم قد سبق الجميع في اكتشاف
اللغة الثالثة التي هي بين الفصحي والعامية مما ساهم في وصول أعماله إلى
شريحة واسعة من الجمهور.
بينما كان توفيق الحكيم يسعى إلى "إبعاد
ذاته" عن العمل الفني من خلال المعادل الموضوعي ليقدم أفكارًا مجردة كان سعد
الدين وهبة يغوص في الواقع ليقدم قضاياه ومشكلاته وقد يستخدم عناصر فنية تثير
المشاعر أو تعبر عن أفكار معينة لكنها تندرج أكثر تحت مفهوم الرمزية الواقعية
أو التعبير عن الواقع من خلال الفن وليس بالضرورة "المعادل
الموضوعي" بمفهومه النقدي الدقيق الذي يهدف إلى تجسيد العاطفة المجردة من
خلال مجموعة من المثيرات الخارجية.
باختصار، يمكن القول إن سعد الدين وهبة لم يتعامل
مع "المعادل الموضوعي" كمصطلح نقدي يوجه كتاباته بنفس الطريقة التي
فعلها توفيق الحكيم بل كانت أعماله تميل إلى الواقعية الاجتماعية مع توظيف رمزي
يخدم القضايا التي يطرحها. علي الرغم من أن شخصيات مسرحية سكة السلامة كانت رموزا
واضحة لمكونات المجتمع المصرية فالغانية والفهلوي وتاجر القطن وغيرهم كانوا رموزا
عن مكونات طبقية في المجتمع المصري فسعد الدين وهبة على عكس توفيق الحكيم الذي كان
يميل إلى الرمزية الفلسفية المجردة في مسرحه الذهني، كان يستخدم الرمزية
الواقعية في "سكة السلامة" ليعكس قضايا اجتماعية وسياسية عميقة.
الرمزية الاجتماعية في "سكة السلامة"
في "سكة السلامة"، تُمثل كل شخصية
شريحة أو نمطًا سائدًا في المجتمع المصري وتكشف تفاعلاتهم عن عيوب ومشاكل هذا
المجتمع:
- الغانية: غالبًا ما
ترمز إلى الجمال الفاتن أو اللذة العابرة وقد تُشير أيضًا إلى الانحراف
الاجتماعي أو القيم السطحية في سياق "سكة السلامة"، قد تمثل جزءًا
من المجتمع الذي يسعى وراء الملذات أو الذي فقد بوصلته الأخلاقية.
- الفهلوي: يرمز إلى
الشخصية الانتهازية الماكرة، التي تعتمد على الذكاء الاجتماعي والخداع لتحقيق
مصالحها الشخصية دون مراعاة للأخلاق أو المبادئ هذه الشخصية منتشرة في أي
مجتمع يعاني من ضعف الرقابة أو تفشي الفساد.
- تاجر القطن (أو التاجر بشكل
عام): يمثل الطبقة الرأسمالية الانتهازية أو
التجارية، التي قد تكون مهتمة بالربح المادي أولًا وقبل كل شيء وقد لا تتردد
في استغلال الظروف لتحقيق مكاسبها مما يعكس قضايا الفساد الاقتصادي أو الجشع.
- الموظف الروتيني/البيروقراطي: فهي ترمز
إلى الجمود، الروتين القاتل، والبيروقراطية التي تعيق التقدم وتُعرقل حياة
الناس.
- الشخصية المثقفة/المتأملة: قد تكون
موجودة لتعكس الوعي الضميري أو محاولة البحث عن الحقيقة، لكنها قد تكون عاجزة
عن إحداث تغيير في وجه الواقع الصادم.
- الشخصيات الأخرى: غالبًا ما
كانت هناك شخصيات أخرى تمثل عامة الشعب أو الطبقات الفقيرة أو الفئات المهمشة
لتكتمل الصورة البانورامية للمجتمع.
ولأن المسرح كما
يقال مرآة للمجتمع فإن أهم ما يميز سعد الدين وهبة في "سكة
السلامة" هو قدرته على استخدام هذا الجمع من الشخصيات في سياق رمزي هو
"الضياع في الصحراء" (رمز للضياع المجتمعي أو غياب الرؤية)، ليُظهر كيف
تتصرف هذه الشرائح المختلفة عندما تواجه أزمة حقيقية. المسرحية بذلك لا تقدم مجرد
شخصيات فردية بل تقدم تحليلًا نقديًا للنسيج الاجتماعي والسياسي في مصر في تلك
الفترة. إن "سكة السلامة" تُعد من الأعمال الكلاسيكية في المسرح المصري
التي نجحت في توظيف الرمزية بذكاء لخدمة القضايا الاجتماعية والسياسية، وجعلت من
المسرح مرآة تعكس الواقع بكل تعقيداته وتناقضاته.