قصة كوبري دمياط التاريخي
في عهد البرادعي ( محافظا ) في عهد فليفل ( محافظا )
هذا
الأثر الحقيقي الذي يواكب تاريخه تاريخ
برج إيفل في فرنسا
، والقابع على نيل دمياط متمثلا في ( كوبري دمياط المعدني القديم ) كان سيباع بالقطعة جهاراً نهاراً بجنيهات قليلة
في مناقصة عامة يتحول بعدها إلي حديد خردة يصهر في أفران مصانع الحديد ويندثر أقدم
كوبري للسكة الحديد في مصر والعالم .
لا يوجد أحد من أبناء دمياط إلا وله ذكريات
جميلة لا تنسى عن هذا الكوبري القديم وسمعنا الكثير مما يرويه البعض عن ذكرياتهم مع
هذا الكوبري، وارتباطهم الوجداني به . وبالرجوع إلى كتاب " تقويم النيل
" لواضعه أمين سامي باشا ( الذي طبع عام 1936 وتوفى مؤلفه سنة 1937) وهو مرجع
علمي مهم يطوف من خلاله المؤلف بالقارئ في رحلة رائعة بين الجسور والقناطر والكباري
والخزانات على نهر النيل وفروعه في مصر والسودان ، وتأكد من خلال صفحات هذا المرجع
أن كوبري دمياط قد تم تركيبه في دمياط سنة 1927 ، إلا أن تاريخه الحقيقي يرجع إلى ما
قبل عام 1890 حيث كان قائماً على نيل إمبابة بالجيزة بطول 490 م ، إلى أن تم استبداله
بكوبري آخر أحدث منه في إمبابة ، وتم نقل أربعة أجزاء
منه بطول 170 م إلى موقعه الحالي بدمياط ،
مما يؤكد بلا جدال أنه يعتبر قياساً إلى تاريخه في إمبابة أقدم كوبري معدني
مازال قائماً على نيل مصر .
وفى عام 2006 لوحظ وجود من يقوم بتقطيع أجزاء من هذا الكوبري ، وبالمتابعة تبين أن الكوبري تم بيعه خردة إلى
أحد الأفراد فأصدر الدكتور محمد فتحي البرادعي محافظ دمياط أمراً بمنع أي أعمال على الكوبري وأنقذ الكوبري
من البيع كحديد خردة ثم صدر القرار رقم 5 لسنة 2007؛ باعتبار الكوبري
أثرا تاريخيا في حوزة محافظة دمياط وأنه ليس من حق أحد الإساءة إليه لحين نقله إلى
موقعه الجديد ملحقاً بمكتبة دمياط العامة ( مكتبة مبارك العامة سابقا ) ليكون مزاراً وقاعة لعرض مختلف ألوان الفنون.
وبدأ التفكير في كيفية نقل الكوبري، وكان
القرار النهائي هو أن يتم النقل من موقعه الحالي إلى الموقع الجديد الذي يبعد حوالي
2 كيلومتر عائماً على صفحة النهر الخالد دون تقطيع جسم الكوبري ، وهو عمل يحتاج إلى
شركة متخصصة ذات مستوى فني عالي وخبرة في مثل هذه الأمور لتقوم بهذه المهمة دون مخاطر
.
نقل الكوبري من مكانه
ملحمة هندسية غير مسبوقة
ورغم وجود اقتراحات باللجوء إلى خبرات أجنبية
لتنفيذ هذا العمل، إلا أن المحافظ آثر دعوة مجلس إدارة شركة المقاولين العرب – وهي
الشركة الوطنية التي تمتلكها الحكومة المصرية بالكامل – إلي زيارة دمياط خاصة أن الشركة
تتمتع بثقة كبيرة في خبرتها وأدائها بقيادة رئيس مجلس إدارتها المهندس إبراهيم محلب
الذي اتفق الجميع علي خبرته وتميز أدائه الفني والعملي والإداري ؛
وعرض الأمر في اجتماع مع الشركة ، وتم زيارة
موقع الكوبري مرات عديدة ، وكان الانطباع الأول هو صعوبة النقل بدون تقطيع جسم الكوبري
، إلا أن الشركة لجأت لنخبة من الأساتذة المتخصصين أمام الإصرار علي نقل الكوبري دون
تقطيع ، وظلت الدراسات الفنية تجري إلي أن
تم وضع تصور علمي دقيق لعملية النقل تحت إشراف هندسي متخصص ، وذلك بتصنيع بانتونات
عائمة بأحجام ومساحات محددة تتفق مع وزن ومساحة وأبعاد الكوبري لتقوم بحمل الكوبري
من نقاط تم تحديدها بعناية بعد دراسة فنية دقيقة ، وذلك بعد التأكد من فصله عن قاعدته
ثم سحبه عائما بقاطرات بحرية إلي موقعه الجديد ليتم رفعه علي قاعدته الجديدة وذلك كله
مع الأخذ في الاعتبار عشرات الخطوات التفصيلية لتأمين كل مراحل العمل الصعب .
إن مصر التي دخلتها السكك الحديدية قبل
كثير من دول العالم المتحضر حتى في أوربا نفسها ، وأقامت الكباري لتعبر عليها القطارات
بين ضفتي نهر النيل ( ولتسهيل نقل الأرزاق
) كما جاء بكتاب أمين سامي ( تقويم النيل
) وأقامت القناطر والكباري والسدود علي النهر العظيم لتكون شاهدة علي القدرات الهندسية
والفنية لأبنائها لتؤكد الآن أنها قادرة علي الحفاظ علي تاريخها وتراثها ليكون حافزا
لأجيالها القادمة علي الاستمرار في السير علي درب الأجداد . وقد جرت عملية النقل التي تمت من خلال منحة دولية
من وزارة التعاون الدولي مخصصة لدعم الأنشطة الثقافية بنجاح تام في حضور الدكتور أحمد
نظيف وبعض السادة الوزراء عام 2007
محاور تصميم الكوبري
في موقعه الجديد
وقد روعي في التصميمات الحفاظ علي الأثر
بقيمته التاريخية من خلال التأكيد علي عناصره الإنشائية والمواد الأصلية المستخدمة
متمثلة في الحديد المكون للهيكل الإنشائي والسور وأخشاب البيتش باين المستخدمة في الأرضيات
.
كما روعي الحفاظ علي جميع عناصر الحركة
اليدوية لفتح الكوبري المتمثلة في التروس الناقلة لحركة الصينية الدائرية التي تشمل
28 بكرة علي شكل مخروط ناقص والتي كان الكوبري يتحرك عليها بدقة ومتانة عالية وكذلك
المصدات والفرامل ووضعت جميعها في العرض المكشوف بجوار الكوبري .
وفي نطاق الربط بين أصالة التاريخ والتقنيات
المعاصرة فقد روعي التأكيد علي ملامح العصر الذي يتم فيه نقل الكوبري وإعادة توظيفه
وذلك من خلال أحدث تكنولوجيا للوسائل السمعية والبصرية وأساليب العرض والإضاءة والتكييف
وإنذار الحريق والستائر الكهربائية .
ومن التحديثات المضافة الأسقف والجوانب
من أجل إعادة التوظيف روعي فيها أن تكون مواد لا تتداخل مع المواد الأصلية للكوبري
أو تطغي عليها بحيث استخدمت المواد الجديدة بصورة حرة وشفافة سواء في السقف المعلق
المصنع من النسيج المعالج بلونه الهادئ المحايد أو في الجوانب الزجاجية الشفافة التي
روعي في تركيبها فصلها عن الجسم الحديدي والأرضيات الخشبية .
فلسفة تثبيت وضع
الكوبري في مكانه الجديد
والاستفادة من خبرة
الفراعنة الهندسية
لم يوضع الكوبري كما كان في وضع رأسي متعامد
علي مياه النيل ولا بالتوازي أفقيا بجوار الشاطئ ولكن تم اختيار زاوية ميل تعطي إحساسا
ديناميكيا كبديل للوضع العمودي أو الموازي لنهر النيل خاصة وأن زاوي الميل وهي 34 درجة
حققت بعدا فلسفيا إضافيا وهو أن خط محور الكوبري بهذه الزاوية يلتقي عند امتداده بمحوره
القديم حينما كان قائما في إمبابة بالجيزة .
وقد أمكن تجميع الرسومات الأصلية لتصميم
الكوبري باعتبارها وثائق تاريخية لعرضها في الموقع الجديد للكوبري وكذلك النوتة الحسابية
للتصميم بخط يد المهندس المصمم ، وأيضا دراسة الموقع والبدائل المقترحة واعتماد محافظ
دمياط حسين كامل نصحي بك في مارس 1926بتوقيعه علي الموقع النهائي لمحور الكوبري علي
نيل دمياط .
إعادة توظيف الكوبري
كوبري دمياط التاريخي يعتبر في حد ذاته
قطعة فنية فريدة بانسيابية تصميمه المرتكز علي نقطة واحدة في المنتصف والتي أتاحت كابولي
طائر من كل جهة بطول 20 متر بتناسق كبير بين نسب العناصر المكونة للمنشأ وكذلك دقة
مسامير البرشام المستديرة الرأس المستخدمة في تثبيت العناصر والتي ترصع الجسد الحديدي
الأملس للكوبري لتضفي عليه ظلالا خفيفة متناسقة ، لذلك كان الاختيار المناسب هو توظيفه
في استخدام فني وثقافي يتناسب مع كونه هو ذاته عمل فني تاريخي وتم اختيار الموقع المواجه
لمكتبة مبارك علي نيل دمياط ليستقر الكوبري التاريخي هناك .
كوبري دمياط التاريخي
يصبح أهم مركز ثقافي في دمياط
تم تقسيم الكوبري من الداخل إلي أربع أقسام
بعد أن تم صيانته وصياغته في موقعه الجديد ملحقا بمكتبة مبارك العامة بدمياط في أجمل
موقع علي كورنيش النيل وتهيئته ليكون مركزا ثقافيا حضاريا يضم قاعة للمعارض الفنية
وأخرى للمحاضرات وقاعتين للاجتماعات إحداهما مغطاة والأخرى مكشوفة وتم تجهيزها بأحدث
تقنيات الصوت وشاشات العرض وكاميرات التصوير والإضاءة غير المباشرة وتم تكييفها مركزيا ووضع ستائر كهربائية لحماية الجلوس من أشعة الشمس الغربية ، وروعي أن
تزود بمقاعد يسهل تحريكها حتى يمكن استخدامها قاعة متعددة الأغراض كما تم إعادة صياغة المنطقة المحيطة به لتصبح متحفا
كبيرا مفتوحا يضم الصينية الرئيسية التي كان الكوبري يتحرك عليها وكذلك بعض التروس
والقطع الهامة بالإضافة إلي التصميمات الهندسية الأصلية لتنفيذ الكوبري والتي تم استعارتها
من مخازن السكة الحديد في القاهرة ، وفي نفس الوقت أعدت المنطقة المحيطة لتكون مسرحا
كبيرا مكشوفا يتسع لأكثر من ألفي متفرج للعروض الثقافية والفنية الكبيرة بالإضافة إلي
ورشة عمل ومظلات للفنانين التشكيليين لممارسة أنشطتهم الفنية في أحضان الطبيعة . وتم
ذلك بفضل منحة قدمت من وزارة التعاون الدولي للأنشطة الثقافية بلغت حوالي 5 مليون
دولار ، وبهذا تحول الكوبري من حديد قديم كان علي وشك الفناء ببيعه كحديد خردة إلي
أكبر وأهم مركز ثقافي في محافظة دمياط بأسرها .
الكوبري وثورة يناير
بعد أحداث ثورة يناير 2011 وسقوط نظام مبارك للأبد واختيار البرادعي
وزيرا للإسكان طالت يد الفوضى والإهمال كوبري دمياط التاريخي فتم نهب محتوياته
وتدمير تجهيزاته وإنشاءاته وتخريب أنشطته وكأن الثورة معادية للتاريخ والثقافة وبعد
فترة طويلة من الإهمال المتعمد أصبح الكوبري علامة ثابتة علي نيل دمياط تشهد بأن
هناك من هو معادي للتاريخ والثقافة ما زال يدير الأمور في دمياط نرجو أن لا تطول
ولايته وأن يستفيق أبناء دمياط مما ألم بهم في تلك الفترة ويستعيدون تراثهم وتاريخهم وحضارتهم
وأخيرا رئيس مدينة دمياط العبقري أقام هذه الحواجز الخشبية الرثة لمنع دخول الصبية بعد غرق أحدهم منذ أيام ولكن ثارت حملة علي الفيس بوك تعترض وفور علم المحافظ الدكتور إسماعيل عبد الحميد طه بذلك أمر بإزالتها وأصدر عدة قرارات بديلة لحين إعادة الكوبري كما كان جسرا للحضارة والثقافة
وأخيرا رئيس مدينة دمياط العبقري أقام هذه الحواجز الخشبية الرثة لمنع دخول الصبية بعد غرق أحدهم منذ أيام ولكن ثارت حملة علي الفيس بوك تعترض وفور علم المحافظ الدكتور إسماعيل عبد الحميد طه بذلك أمر بإزالتها وأصدر عدة قرارات بديلة لحين إعادة الكوبري كما كان جسرا للحضارة والثقافة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق