الأحد، 24 مارس 2019

ميراث الريح - العلماني المتطرف اشد خطرا من الأصولي المتطرف


ميراث الريح
العلماني المتطرف اشد خطرا من الأصولي المتطرف
والاثنان وجهان لعملة واحدة ضد التقدم 



حياة الإنسان علي الأرض مبنية علي فلسفة الصراع الأبدي بين الخير والشر منذ بدء الخليقة فبدأ الصراع بين آدم وحواء في جانب وبين إبليس في الجانب الآخر وانتهي بانتصار الشر وخروج آدم وحواء من الجنة ونزولهما إلي الأرض يحملان معهما تبعة الخطيئة الأولي ولأن الصراع قد بدأ فكان ولابد أن يستمر حتي وقعت أول جريمة قتل علي سطح الأرض عندما قتل قابيل أخاه الأصغر هابيل لينتصر الشر علي الخير مرة أخري وتستمر الحياة ويستمر الصراع بين عناصر الخير وعناصر الشر أملا في أن ينتصر الخير يوما ؛
وتأتي الأديان كلها تحض علي الخير وتدعو بني آدم وأولاده وأحفاده دوما إلي الخير متجسدا في طاعة الله وتلبية أوامره المبنية علي الخير لصالح حياة البشر وتجنب دعاوي الشيطان التي تكرس للخطيئة ومعصية الخالق وفي النهاية تسبب تعاسة بني البشر .
والمسرح منذ بدأه أرسطو جاء تعبيرا عن المجتمع وتجسيدا حيا لهذا الصراع ليعالج الإنسان من خلاله تلك القضية الأزلية فتتفاوت رؤي الصراع بين الخير والشر فتأتي رؤي الكتاب في عروض المسرح المبهجة في دمياط هذا العام والتي أري فيها بداية نهضة فنية جديدة ستشهدها المحافظة علي أيدي شبابها وبعض من شيوخها المحبين للأدب والفن وبالتالي سعي كل المخرجين في تناولهم لتلك الأعمال للانتصار لقيم الخير والحق والجمال من خلال تلك الأعمال جميعها وتفاوتت الرؤي بالطبع من عمل لآخر


من هنا جاء تناول المخرج  الشاب الواعد حسن النجار من خلال مسرحية ميراث الريح لفرقة قصر ثقافة دمياط الجديدة تأليف / جيروم لورانس و بيرت لي إعداد  عبده الحسيني حيث اختار مخرجنا هنا الاختيار الصعب بأن يقدم عرضا مترجما بالفصحى لمجموعة من الشباب معظمهم يخطو خطواته الأولي علي خشبة المسرح في موقع ثقافي ما يزال وليدا لجمهور شديد التباين في ثقافته وفي عاداته وأسلوب حياته فكانت تلك الصعوبات كلها تمثل عناصر التحدي الذى واجه المخرج الشاب مع عناصر وجنود العمل المسرحي الذى تحمسوا معه وبه لتلك التجربة ؛
ومسرحية ميراث الريح تتحدث عن فترة زمنية في حياة المجتمعات الأوربية عامة تلك التي كانت تسود فيها تلك المجتمعات تحكمات الكنيسة وتدخلها في حكم الشعوب بادعاءات دينية وكهنوتية وصلت إلي حد بيع صكوك الغفران لدخول الجنة في العصور الوسطي وما قبل عصر النهضة في أوربا وإن كانت أوربا كلها قد عانت في ذلك التاريخ من تحكم رجال الدين وسيطرتهم علي مفاتيح الحكم في بلادها مما أدي إلي التخلف والتقهقر الحضاري وسيطرة الجهل والفقر والمرض علي كل مناحي الحياة ليجسد هنا العمل المقدم علي خشبة مسرح قصر ثقافة دمياط الجديدة برعاية مديرته الطموحة الدءوبة جيهان عبد السميع ذلك الصراع الذى بدأ في بلادنا مرة أخرى متأخرا كثيرا عن بدايته في أوربا بين رجال الدين وأفكارهم الرجعية المتخلفة ومحاولتهم الحكم والتحكم في مصائر الشعوب في منطقتنا بشكل متكرر لما كان يحدث في العصور الوسطي في أوربا بزعم امتلاكهم لمفاتيح الجنة والسعادة الأبدية في الآخرة وقد علمت أن المخرج لإحساسه بأن القضية التي يعالجها من خلال هذا العمل هي قضية شائكة من الناحية الدينية فقد حاول الاستعانة بآراء ورؤي بعض من رجال الدين المسيحي فيما تناوله المؤلفان من قضايا ومفردات التناول المرتبطة ببعض التقاليد والطقوس الكنسية إلا أنه قد ووجه بالرفض أو باستنكار لمجريات الأحداث وشكل تناولها واستبعاد بعضهم لإمكانية حدوث ما تحدثت عنه المسرحية نصا من تصرفات منسوبة لكاهن الكنيسة الأكبر تجسيدا للسلطة الدينية والدنيوية لتحكم رجال الدين في حياة الشعوب وتناسي الجميع أن مجتمعاتنا جميعا هي مجتمعات بشرية توارثت الخطايا كما توارثت الشر وعناصره مسلمين ومسيحيين ويهود وغير ذلك وما حادث مقتل الأب أبيفانيوس رئيس دير أبو مقار في مدينة وادي النطرون بالبحيرة علي أيدي راهبين من أبناء تلك الكنيسة ببعيد وما أحداث مقتل كثير من المسلمين من أبناء الجيش والشرطة علي أيدي متشددين إسلاميين ببعيدة فالشر قائم والإرهاب مستمر لا يعرف دينا بعينه ؛




نعود إلي أحداث المسرحية التي شدت انتباه وأحاسيس الجمهور قبل النقاد والمحكمين ولاقت استحسان الجميع ولم أعجب لرأي أحد أعضاء لجنة التحكيم وهو مخرج عجوز وناقد ذو بصيرة متميزة حينما لم يستطع أن يخفي رأيه في أن شباب دمياط الجديدة كانوا أفضل كثيرا من الفرق الكبيرة ذلك أننا لم نشعر بالبطل الفرد المتميز علي باقي أقرانه في العمل المسرحي ولكننا أحسسنا ببطولة جماعية لكل فريق العمل من ممثلين وإداريين الكل في واحد والكل يستحق الاحترام والتهنئة علي مجهود متميز ومتعة فنية شارك فيها الجميع بمنتهي الإخلاص والتفاني ، وعادة فى الأعمال المترجمة أشفق على المتلقى من الأسماء الأجنبية الغريبة على الأذن فيا ليتهم قاموا بتعريب الأسماء للتقريب فالعمل لا ينقصه تغريب  وإمعان في الترميز .
وقضية الصراع بين التشدد الديني بغية السيطرة علي الحكم واستبداد رجال الدين وغلوهم في حال تمكنهم وسيطرتهم لدرجة الخروج عن أبسط قواعد الرحمة والعدالة التي تدعو لها سائر الأديان والعقائد السماوية والوضعية علي السواء في مواجهة أصحاب الفكر العلماني المنفلت والمتحرر من قيود الدين وقد قدمه المخرج ببراعة ساعده عليها المواهب الفنية الغنية لبعض أبطال العرض المسرحي خاصة الممثل المخضرم محمد الشريف في تقمص لشخصية السيد برادي ببراعة والفنان نادر مصطفي في دور الأب جرميا ممثل السلطة الدينية الأبوية المتزمتة والفنان الشاب أحمد الخطيب في دور هنري والفنان عبده الحسيني في دور ممثل النيابة علاوة علي مشاركته المهمة في إعداد النص المسرحي بلغة فصحي سهلة وبسيطة وشاركهم البطولة مجموعة من الفنان الشبان المتميزين والمخلصين والمحبين لفن المسرح منهم أحمد عوض ومعاذ السالوس وعلاء زيان والممثلات الواعدات إسراء عاطف وأمنية عيسي ومريم عبده وإيمان عبد اللطيف ورحمة إبراهيم ؛
ويستمر الصراع بين التشدد الديني الذي ينزع إلي الاستبداد والإرهاب وبين العلمانية ونزعتها إلي الانفلات والتحرر في تطرف لا يقل خطرا عن إرهاب التشدد والمغالاة في أمور الدين لينتهي بالمحاكمة وفي المحكمة يقف الضمير الفني ممثلا للضمير الإنساني في حيرة بين الأمرين ولينتهي العرض برؤية مقصودة ومدروسة مقدمة بعناية من مخرج العرض فحواها أن الخير قادم وسيبعث من جديد ليضيء المستقبل ويبدد ظلام الحاضر وعبوسه ويبشر بأمل جديد ينتظره الجميع ، ونخلص إلي أن العلماني المتطرف اشد خطرا من الأصولي المتطرف أو أن الاثنين وجهان لعملة الثورة المضادة ضد الشعوب وضد التقدم .
ومع هذا الإبهار الفني الدسم كانت هناك بعض المأخذ المشتركة بين كافة العروض التي شاهدناها حتى الآن وهي الإخفاق في استخدام الإضاءة مما أتعب المشاهدين في متابعة بعض الممثلين خاصة في المستويات الأعلى  والمواقع المترامية الأطراف في خشبة المسرح وإن كنت أحيي مهندسة الديكور مي زهدي مصممة ومنفذة ديكور مسرحية ميراث الريح علي نجاحها في تعميق رؤية المخرج من حيث إتاحة مستويات متعددة له لتحريك ممثليه عليها بشكل يخدم فكرة انفصال المواقع والأزمنة إلا أن ازدحام خشبة المسرح بعناصر الديكور والتقيد بإحداث التوازن بين عناصر الديكور علي جانبي المسرح قد أوقع المخرج في إشكالية استخدام تلك المستويات المرتفعة في الجانبين بشكل جاء عشوائيا في بعض الأحيان لم يتضح الهدف من اللجوء إليها ناهيك عن صعوبة صعود ونزول الممثلين والممثلات منها وإليها ؛
أنتهي إلي قضية أراها مهمة فبعد الجهد الجهيد الذى بذله طاقم العمل في تلك المسرحية وغيرها من المسرحيات التي عرضت في فرع دمياط هذه الأيام وبعد ضخامة ميزانية الإنتاج أري أنه من الظلم أن يحكم علي هذا كله بالانتهاء والموت المفاجئ بعد خمسة أيام عروض في القصور وعشرة أيام عروض للفرقة القومية لذا اري لو أن إدارة الفرع قد فكرت بشكل إيجابي في استثمار هذه العروض فنيا وجماهيريا بشكل أفضل بتنظيم مهرجان محلي لكل العروض علي خشبة المسرح في قصر ثقافة دمياط ويا حبذا لو تبادلت المواقع فيما بينها مشاهدة عروض الفرق الأخري وحتي لا تكون الميزانية عائقا أمام ذلك أهيب بكل الأعضاء التنازل عن مكافآتهم التي لا تمثل أولوية لهم فالأولوية الأولي والأخيرة هي تصفيق الجماهير استحسانا لجهودهم كما أهيب بالمحافظة أن تستثمر تلك العروض في تنظيم موسم ترفيهي في رأس البر للمصطافين الوافدين للمحافظة في محاولة جادة للعودة إلي ليالي رأس البر زمان .








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق