"إمضاء
فاوست" هل هو صراع بين الدين والشيطان
أم هو صراع بين
الدين والعلم
سواء كانت
شخصية فاوست هي شخصية حقيقية أم خيالية فهو في التراث الألماني يمثل رمزا للصراع
بين رجال الدين في الكنيسة وبين العلم والتطور إبان العصور الوسطي في أوربا كلها. لذا
نرى فاوست يجنح الى ما اعتبرته الكنيسة خطيئة كبري حيث اجتمعت فيه براعة العالم
والساحر والمنجم وتحضير الأرواح .
وفي مسرحية (
إمضاء فاوست ) التي قدمت ضمن عروض نوادي المسرح بدمياط من إخراج المخرج الشاب محمد
المصري وكتبها محمد عبد القوي وسينوغرافيا رأفت سرحان وديكورعبده عرابي بطولة
الفنان القدير شوقي بكر والشاب الواعد المعجون بالفن المسرحي شادي أحمد بالاشتراك
مع شيرين رخا ونورهان محسن قدم لنا المؤلف فاوست علي أنه ذلك اللاهوتي الكاثوليكي
المنقسم علي ذاته الغاضب بشدة لانتشار كتاب ديني يدعو الناس لاجتناب التجربة رمزا
للبحث العلمي واكتشافاته خوفا من الوقوع في الفتنة والمحظور وقدم لنا فاوست علي
أنه ذلك الدارس المتعمق في الدين المحب للعلم والتجربة ولكنه داخليا مشدود بقوة
إلي ما درس من علوم اللاهوت فهو في صراع داخلي دائم مع نفسه وأيضا قدم لنا الشيطان
رمزا لاستبداد الكنيسة وتحكمها ومحاربتها للتقدم العلمي ويستمر الصراع كالعادة بين
العلم ورجال الدين ويغالي فاوست في كتابة صك التجربة بدمائه لنفاد الحبر حتي ينفد
رصيد جسمه من الدماء ويلقي حتفه وتسقط تجربته بينما يبقي ما كتب يدعو إلي اقتحام
التجربة وعدم الهروب من مواجهتها وإن كان قد صاغ ذلك في شكل حلم أو كابوس يفيق منه
فاوست ليكتشف أن كل ما جري كان علي سبيل الهلوسة وأنه علي وشك فقد إيمانه ؛
واستطاع المخرج
الشاب أن يسيطر علي عقول المتفرجين ومشاعرهم أكثر من ساعة لمتابعة أحداث هذه
التجربة التي قدمها لنا في مباراة درامية رائعة وممتعة بين خبرة الشيوخ المتمثلة
في الممثل القدير شوقي بكر نجم الفرقة القومية المسرحية بدمياط طوال العقدين
الأخيرين من القرن العشرين بدمياط وبين شاب متمكن من أدواته استطاع أن يقدم لنا
شخصية متلونة للشيطان واستعراض قدراته بأدائه الصوتي والحركي المتعدد في خفة
ومهارة ممتعة جعلتنا أحيانا نتعاطف معه وهو الشيطان الآثم الداعي إلي الشر ؛
ولا أعرف هل
هي مصادفة جميلة في دمياط هذا العام أن تتكرر العروض التي تناقش الصراع بين الخير
والشر أو بين العلم والدين أو بين الاستبداد الديني وبين رغبة الشعوب في التقدم
والتحرر كما جاء في ( إمضاء فاوست) وكذلك في ( ميراث الريح ) أو بين الأنظمة
الفاسدة وقوي التقدم الشعبي كما جاء في ( العملية 007 ) أم أن ذلك جاء بوعي مقصود
من القائمين علي الحركة المسرحية ولا أعرف أيضا إن كان اللجوء إلي التراث الغربي
في أوربا أو أمريكا لكتاب المسرح سواء في إمضاء فاوست أو في ميراث الريح هو وليد
المرحلة أم أن ذلك أيضا صدفة غير مقصودة بعد أن تم استنفاد واستهلاك التراث الشعبي
المحلي إلي أبعد درجة أم أنه القنوط واليأس مما وصلنا إليه من ابتذال وتسفيه
لقيمنا وتراثنا . ومن المصادفات الجميلة أيضا استعانة المخرجين الشبان بعتاولة
المسرح الدمياطي بعد أن هجروه زمنا طويلا فجاء التناغم بين خبرة الشيوخ وعنفوان
الشباب وهو ما حدث في إمضاء فاوست بين شوقي بكر وشادي أحمد وكذلك في ميراث الريح
بين محمد الشريف ونادر مصطفي من جانب مع شباب فرقة دمياط الجديدة المسرحية ويبدو
أنه سيتكرر أيضا في إجيوس رأفت سرحان في كفر سعد كل التحية لكل أبطال هذه النهضة
المسرحية المبشرة والمفعمة بالأمل في عودة الحياة للمسرح بدمياط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق