الجمعة، 29 مارس 2019

إجيوس ... رافت سرحان



إجيوس ... رافت سرحان



تأليف :  أسامة نور الدين           ديكور : أحمد أمين                 دراما حركية : كريم خليل 
إخراج : رأفت سرحان
المسرحية تحكي عن جزيرة "إجيوس" التي قتل حاكمها المحبوب ـ فتولى الحكم من بعده ابنه "مينوس" والذي يبحث عن أسباب قتل أبيه ويطلب مقابلة "راموس" ورفاقه المقبوض عليهم بتهمة قتل الحاكم الراحل "إوزيرانو". وراموس كان رفيق طفولة لمينوس وتربى معه في القصر نظرا لعمل أبيه الراحل أيضا في القصر كخازن وثائق الملك. وحين يقابل "مينوس" صديقه راموس يكتشف أن خيطا يوصل إلى القاتل الحقيقي ويكتشف أن صديقه بريء من دم الحاكم. ويدبران أمرا ضد الوزير العجوز الداهية "شاروش". والذي يحكم قبضته على الجزيرة ويدير شئونها مع وزرائه لمصالحهم الشخصية بينما الناس يغرقون في الفقر. ترى هل ينجح تحالف راموس ومينوس ضد الوزير شاروش الذي ينشر رجاله ومواليه في كل مؤسسات الجزيرة.؟
البعض فسر الأسماء للوهلة الأولي تفسيرا سياسيا في محاولة لإضفاء ثوب الرمزية علي النص فإجيوس في نظره هي إيجبت أي مصر خاصة عندما أشار المؤلف إشارة مباشرة وصريحة إلي النهر الذي يصب في البحر وراموس في نظر هؤلاء اسم مخلوط بين رامي مضافا إليه الواو والسين من التراث الإغريقي ومينوس قد تكون مينا بحروف النهاية الإغريقية أيضا وهكذا ولو كان ذلك ما يقصده المؤلف الذي فاز بهذا النص في مسابقة تيمور بالجائزة الأولي عام 1994 فلنا عليه الكثير من التحفظات ذلك أن اللجوء إلي التغريب والرمز في الكتابة المسرحية والأدبية عموما ليس ترفا وليس تجريبا ولكنه ضرورة في ظل الحكم الاستبدادي والقمعي ولا أعتقد أن هناك ضرورة لذلك فالكتاب علي جميع المستويات يكتبون ما يشاءون وقالوا في نقد النظم السياسية المتعاقبة ما هو أشد وأقسي من ذلك ؛


حتي وإن كانت هناك ضرورة للجوء إلي الرموز فهناك في الأدب العربي أعمالا كثيرة سلكت هذا المسلك دون الوقوع في التغريب الشديد وإلباس التجربة لباسا إغريقيا أو رومانيا ، وعلي أي حال فللكاتب الحرية في اختيار القالب الذي يتواصل فيه مع القراء أو المشاهدين لعمله ويبقي معيار نجاحه في الوصول إلي عقل ووجدان المتفرج من أقصر الطرق فهل تم ذلك ؟ ناهيك عن أن الأحداث كما جرت تحكي عن ملك محبوب قتله أحد وزرائه الحاقدين ويأتي ابنه الذى ورث الحكم من بعده يبحث عن الدوافع وراء مقتل أبيه رغم حب الناس له ويحدث الصراع الدرامي بين الملك الابن وبين ألاعيب الوزير العجوز حتي ينجح الأول في اكتشاف الدلائل علي اتهام الأخير وينتهي الصراع بمقتله علي يد الملك الابن بمساعدة المتهمين زورا في قتل أبيه والمخلصين من أعوانه وقد نجح رأفت سرحان المخرج في تقديم متعة مسرحية طوال أقل من ساعتين بقليل علي خشبة مسرح قصر ثقافة كفر سعد مع نجوم الفرقة الذين تعاونوا معه بصدق في إخراج هذا العمل ليثبتوا أن المسرح الجاد المحترم يمكن أن يصل وبسرعة إلي قلوب المشاهدين في أي بقعة في عمق الريف المصري باللغة الفصحى السهلة الممتنعة وقد كان ذلك كما رأينا عملا صعبا وشاقا علي المخرج يحسب له ولتاريخه في المسرح الدمياطي عامة أنه قادر علي توظيف جيل الشباب من المحبين للمسرح مع شيوخ المسرحيين في دمياط في تناغم جميل وممتع تجلي في الأداء العبقري للشخصيات بين شوقي بكر في دور الوزير المتآمر مع عمرو الزغبي في دور الملك الابن وشادي أحمد في دور المتهم زورا بقتل الملك الأب بالتعاون مع الأديب الذي لعب دور الراوي مدير الصراع ومصمم الدراما الحركية ومنفذها كريم خليل والذي قاد حركة المجاميع برشاقة ، إلا أن المؤلف قد ظلم الملكة الأم في مساحة وحجم دورها المكتوب وقد كان من المهم إبراز هذا الدور لاسيما وأن التاريخ المصري القديم والحديث يحكي عن أدوار فذة للملكات في إدارة الأزمات التي اعترضت حياة الأمة بدءا من إيزيس وكليوباترا وانتهاء بشجرة الدر وجيهان السادات وسوزان مبارك ؛




ومن المسلم به طبعا أن العمل الجيد هو العمل الذي يثير لدي المتلقي التفاعل والحوار الداخلي بعيدا عن إشكاليات النقد وقيود التنظير العلمي وقد أثارت مسرحية إجيوس لدي الكثير من التساؤلات تعتمل في نفسي في حوار داخلي مستمر وما يزال فهل فعلا إجيوس هي إيجبت ؟ وهل لدينا ملكا أو حاكما محبوبا قتله الخونة من رجاله ؟ وهل القتل كان هو الوسيلة الوحيدة لدي الملك الابن والتي لجأ إليها للتخلص من الفاسدين في نظام بلاده ؟ وهل في النهاية يمكن أن تكون مهمة المسرح هي مع إثارة واستفزاز المشاهد لإعمال عقله تكون أيضا في إلقائه في بحار متلاطمة لفك الرموز مع شدة بساطتها بسبب التغريب الشديد للأحداث والشخصيات علي السواء حتي في اختيار الأسماء ؟ وأخيرا لماذا اللجوء إلي التراث الغربي عامة بشخوصه وأحداثه لمناقشة قضايانا كما حدث في ميراث الريح لحسن النجار وإمضاء فاوست لمحمد المصري وأخيرا هنا في إجيوس لرأفت سرحان ؟
رشاقة العرض ورقي أدائه لا يمنعنا من أن نهمس في أذن الصديق العزيز رأفت سرحان مخرج العرض بأن هناك إفراط في استخدام الدراما الحركية مع التسليم بأنها قد أضافت للعرض وخدمته فنيا إلا أنها ليتها تختصر زمنيا بالإضافة إلي أن التطويل لم يكن في الدراما الحركية فقط ولكنه حدث في مواقع مختلفة لو حذفت لارتفعت قيمة العرض الفنية من وجهة نظري لا سيما في المشهد الذي جمع بين راموس ورفاقه والأديب لكي يحكي ثلاثتهم عن تاريخه وقضيته في محاولة من المخرج أتاحها للممثلين الثلاثة لإبراز قدراتهم ومواهبهم فتفاوت الأداء تفاوتا كبيرا بينهم فما كانت هناك ضرورة لذلك ، أيضا لو انتهي العرض عند مقتل الوزير ما تغير شيئا بل لكانت النهاية أقوي فما حدث من تطويل بعد ذلك كان علي حساب الأداء الساخن والسريع فيما سبق  .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق