الأربعاء، 14 يناير 2015

3- التغيير لماذا ؟ ( الثقافة وآليات التغيير )

التغيير .. لماذا ؟
ثقافة التغيير.. تحديات واقع الحال وضرورات الانقلاب عليه
السؤال الذي يطرح نفسه الآن على الكتَّاب والباحثين والمهتمين بأمور التنمية هو: لماذا لا يظهر الحال في أقطار الوطن العربي، وبُلدان العالم الإسلامي، إلا في صورة تخلُّف، وحال مُنهِك، وفقر مدقِع، وأمية هجائية ، وأمراض متوطِّنة وفتاكة، في حين نجد أن العالم الآخر يتقدَّم بقفزات سريعة في كل جوانب الحياة، العلمية منها والاقتصادية والصناعية، والاجتماعية والثقافية والصحية؟
لا شكَّ أن ظاهرة القَبُول بالأمر الواقع، وعدم السعي للتغيير استسلامًا لمقولة زائفة: "تغيير الحال من المحال"، رسخت مع الأيام ثقافة متيبِّسة بين الناس تناقلتْها الأجيال اللاحقة عن الأسلاف، وبرَّرت القَبُول بمقولة سقيمة "ليس بالإمكان أفضل مما كان"؛ مما حمَل الناس  على الرضا بهذا الواقع المتخلِّف، ورسَّخ قناعة جمعية زائفة بينهم، بأن التخلف المخيِّم عليهم أشبهُ بقدرٍ محتوم لا مناص منه، وأن الحفاظ علي الهوية والدين والأعراف يقتضي ذلك ولا مجال لهم لإجراء تغييرٍ فيه، علي عكس ما أمرنا الله به من خلال قرآنه الكريم على قاعدة      ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]؛ مما يجعل الإيمانَ بالتغيير حالة عقائديَّة، بجانب كونها آلية عملية، ينبغي اعتمادها قاعدةً أساسية للسعي الجاد في السعي نحو الأفضل، بمغادرة سوء الحال الراهن، والتوجه نحو واقعٍ مُستهدَف أفضل باستمرار، لا سيما وأن قانون الاستخلاف المركزي: ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ [البقرة: 30] يفترض أن إعمار الأرض لا يمكن أن يتحقَّق بكامل مداه، إلا باعتماد آليات التغيير المستمر لمسار واقع الحال المعاصر المتخلِّف؛ باعتماد توظيف مُعطيات العلم والتقنيات والموارد لمصلحة الإنسان، ولتعمير الأرض؛ تحقيقًا للقانون الإلهي المركزي؛ ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [هود: 61]، بدلاً من العمل على خرابها بالتواكُل السلبي، وترك حبل التغيير على غارب الواقع المتخلف، بانتظار تغيير تلقائي يتحقَّق بمعجزة. في حين أن منهج الإعمار هو استنفار للمتاح من الإمكانات وتفجير الطاقات الكامنة لصياغة مستقبل أفضل فالتغيير يستهدف الإعمار لا سفك الدماء وإفساد الديار كما ظن الملائكة في بادئ الأمر علينا أن ننتج ثقافتنا لا أن نعتمد علي منجزات الغير والتطفل علي ما يجود به .
ولا يمكن قبول مقولة إن هناك تعارض بين التقدم والدين أو أن هناك تعارض بين القيم الروحية وبين القيم الدنيوية فذلك ينم عن عدم وعي بما يحث عليه الإسلام من سعي يتكامل فيه إقامة الصلاة وإتيان الزكاة مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلدينا فرصة لم توات الغرب في حضارته التي قامت علي الجانب المادي في ظل غياب القيم الروحية . إلا أننا ما زلنا عاجزين لقصور في المفاهيم عن بلوغ التوافق بين الروح والمادة .
على أن من الخطأ الجسيم التسليم بأن التخلف المُطبِق، والنكوص المتشائم، هو سِمة حتميَّة مُلازِمة للمجتمع الإسلامي؛ بسبب طبيعة ازدواجية المعرفة الإسلامية في تعايشها العملي مع منهج النقل وتعطيل منهج العقل - كما يزعُم المُغرِضون من المستشرقين، والمُنبهِرون بهم .
لذلك؛ باتت الحاجةُ قائمة إلى الشروع باعتماد تنمية قوميَّة شاملة، تَنهض بكافة قطاعات الحياة العربية؛ من خلال المباشرة باعتماد سياسات نقْل وطنيَّة للتقنيات والمعارف المستجَدة ملائمةٍ للخصوصيات الوطنية، والعمل على اعتمادِ برامج عملٍ لتوطينها؛ بالانتفاع من الطاقات والكفاءات العربية، والعمل على تبنِّي المُبتكرات الجديدة؛ من خلال الاهتمام بالجوانب البحثية المَيدانية، وتعزيز ثقافة الابتكار والتغيير في بيئات العمل العربية والإسلامية، وتعميق مجالات التأهيل والتدريب؛ لتأمين تَراكُم الخبرة مع الزمن، وصولاً إلى مرحلة الإبداع، والتصنيع الوطني بالقُدرات الذاتية، بما يُحقِّق التغيير المستهدَف، ويُضاعِف معدَّلات النمو، ويرفع مستوى الرفاهية المطلوبة، ويُحقِّق الاكتفاء الذاتي والعدالة الاجتماعية .
وخلاصة القول أن التغيير الذي تسعي إليه بالثقافة لا يمكن أن يكون بسلوك الطريق المضاد أو المعاكس لطريق من فشل من قبلنا بمعني أن الاشتراكية لم تكن البديل الأنسب لمصر لأنها الطريق المعاكس لطريق الغرب الذي رفض مساعدتنا في بناء السد العالي وإمداد جيشنا بالسلاح كما أن الانفتاح علي الغرب كليا لم يكن الطريق الأنسب لنا في عصر السادات لأنه المعاكس لطريق عبد الناصر الذي انتهي بالنكسة وكذلك لم يكن طريق مبارك بالتقارب والتفاهم مع دعاة السلطة الدينية لم يكن الطريق الأنسب لأنه الطريق المعاكس لطريق السادات بمعاداة دعاة السلطة الدينية والذي انتهي هو أيضا بقتله والقفز في غفلة من الناس علي كرسي الحكم ليعودوا بمصر في عام واحد إلي غياهب القرون الوسطي فظهرت فجأة أزمات في الكهرباء والوقود والماء والخبز ، وظهرت فلسفة الأهل والعشيرة وتقسيم الناس بين الكفر والإيمان والزعم بامتلاك مفاتيح الجنة والنار أو أنهم خلفاء الله في أرضه ولا بد من أن يكون لنا طريقا خاصا بنا نصنعه وفق ظروفنا ومعتقداتنا وتاريخنا وجغرافيتنا


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق