التغـيير بالثقـافة
إن نقطة البداية
في التغيير هي تحديد جوانب السلوك والأداء المتوقع ودفعها داخل أرجاء المجتمع ، بناء
على تشخيص دقيق للوضع الحالي للإطار الثقافي، من خلال تحليل سلوكيات المجتمع
ومناهج الحياة فيه ، وعلى ضوء النتائج المتوصل إليها يجري التفكير في أنسب الطرق لإحداث
تغيير يساعد تجديد نظام القيم السائدة وإحلالها بقيم وثقافة وقائية تكون معدة لتتلاءم
مع التحولات المستمرة. وليس هناك حل سريع ولا سر يكشف عنه لتحرك مؤسساتنا
من ثقافتها النمطية الجامدة إلى ثقافة تركز
على التميز والإنجاز، والنتائج والتجانس، والجماعية والتفتح على الخارج والداخل، واليقظة
والتركيز على الأهداف القصيرة والطويلة، والمشاركة والابتكار، والاهتمام بالعاملين
كآدميين وتنمية معارفهم ومهارتهم وترسيخ صفات شخصية مدعمة للتغيير. وإن كان ذلك قد تحقق كله أو بعضا منه في
أزمنة متفاوتة فقد تم بمبادرات فردية محدودة وموقوتة أجهضت برحيل المبادرون بها .
ولنا في تجربة سعد الدين وهبة في الثقافة الجماهيرية درسا وعبرة كما أن لنا في
مبادراتنا المحلية والإقليمية في بعض المحافظات ( دمياط والإسكندرية وأسيوط وأسوان
وغيرها ) من خلال الوعي بأبعاد تلك المرحلة أيضا درسا وعبرة ، كما أن لنا في
تجربتنا الذاتية بدمياط في أوائل الثمانينيات والتسعينيات دروسا كثيرة وعبرا ينبغي
تذكرها ( * ) .
إن تعديل القيم
التنظيمية والاتجاهات وسلوكيات ومواقف الأفراد لا يمكن إحداثه إلا بتمهيد أذهان العاملين
وتهيئتهم نفسيا بقصد إقناعهم برفض الأفكار الشائهة السائدة الحالية. وأنهم مع التغيير
تتعاظم مصالحهم الذاتية وسيكونون في وضع أفضل نتيجة هذا التغيير ، وعندما تنجح الإدارة
في إقناعهم بأن مصالحهم تتعارض مع سلوكهم وطريقة أدائهم الحالي وتتكامل مع التغيير
حينئذ فقط سنجد من الجميع سعيا حثيثا نحو الأفضل بالتغيير .
إن الأوضاع الجديدة
تتطلب وجود رؤية إستراتيجية واضحة في إطار منظومة من القيم والمعتقدات والاتجاهات والسلوكيات
تتلاءم معها، تبررها وتدعمها الدعم المكاني والزماني المطلوب لواقع قائم بالفعل، فلابد
أن تكون هذه القيم منسجمة ومتجانسة مع الواقع والأوضاع الحالية. وهى قيم تقوم على التفكير
العقلاني البعيد عن الغيبيات وكذلك متطلبات العمل والقواعد التي تحكمه وتنظمه في عصر
تسيطر عليه روح المنافسة والرغبة قي تحقيق التقدم والنجاح، مع توفير أكبر قدر من الحرية
الشخصية وترسيخ مبادئ ديمقراطية. قيم إيجابية فاعلة
أكثر منها مواقف سلبية انفعالية، إحلال التفكير العلمي والتصرفات والأحكام والقرارات
العقلانية، التميز والإنجاز والإتقان في العمل والمبالغة في التحسين مع الاعتراف بمسؤولياتنا
عن الأوضاع الراهنة، وذلك بلا شك يتطلب تأمين إحداث تعديل للسلوكيات السياسية ونظام
التربية والتعليم بمراحله المختلفة، واستيعاب وإتقان ما لدى الآخرين من رصيد المعارف
وفنون الإنتاج. فالأمر يحتاج إلى تغيير نمط و نظام الإدارة والتغلب وبسرعة علي الفجوة الإدارية الهائلة
الواقعة حاليا بين أجيال القيادات المتعاقبة بالتدريب وإعداد قيادات الصف الثاني
والثالث ويكون البقاء لمن يعمل أفضل لا لمن يتحايل أكثر أو مسنود أقوي .
إن التغيير يحتاج
إلى بيئة ديمقراطية شفافة مدعمة لآليات التنافس مع العمل على خلق جيل جديد وقيم ثقافية
جديدة في إدارة المؤسسات، جيل يؤمن بضرورة التغيير وبالمبادئ التي يريدون ترسيخها داخل
المؤسسة، جيل يملك التخيل والتفكير الاستراتيجي والابتكار والمبادرة، جيل قادر علي الاعتماد علي نفسه ويعترف
بالتواصل مع من قبله وأنه يبني علي ما بناه من قبله لا أن يعمل ويبني من جديد .
الخطوات العملية
لإحداث التغيير الثقافي:
- لا سبيل للبقاء
والاستمرار في ظل التحولات المحلية والدولية إلا بتغيير سلوكياتنا واتجاهاتنا وقيمنا
وافتراضاتنا تجاه العمل، الوقت، النظام، السلطة، المؤسسة، القادة، أنفسنا، الآخرين،
وبالإقلاع عن الخلط بين العلاقات الإنسانية والشخصية وهدف ومصالح المؤسسات ، مع التأكيد
على أهمية التقويم المستمر.
- قيام الإدارة
بدراسة وفهم الثقافة السائدة، قصد التعرف على الجوانب الإيجابية والسلبية والعمل على
استثمار ما هو إيجابي والتخلص من كل ما هو سلبي.
- إسهام القيادات
الإدارية بأنماط السلوك الإيجابي المرغوب والمطلوب باعتبارهم القدوة والمثل في المؤسسة،
وأن يتعلموا شيئا مهما هو كيفية حب العاملين وتقييمهم والنظر إليهم كمورد وليس كتكلفة.
- العمل بجد على
التخلص من الاعتقادات الخاطئة وممارسات الإدارة بالأزمات وإحلالها بمبادئ إدارة الأزمات.
- تنشيط وتفعيل
الندوات والملتقيات قصد التعرف برصيد ومعارف وتجارب الآخرين الرائدة.
- وضع نظام فعال
للاتصال لتسهيل حركة الأفكار والممارسات بالشكل الذي يثري وينمي ثقافة المؤسسة.
- وضع نظام استحقاق
يستجيب للحاجات غير المشبعة وينمي الحاجة إلى الإنجاز والتميز.
- تثمين وتفعيل
نظم الاختيار والتعيين والتدريب والترقية وتقييم الأداء والحوافز باعتبارها الركائز
الأساسية لزرع الانضباط والنظام والمسؤولية وتنمية روح الالتزام، والانتماء والولاء
وترويضهم على الإبداع والابتكار وإبداء الرأي والرقابة الذاتية والعمل الجماعي.
- نقل الأعضاء
الذين يقاومون التغيير والذين تتسم اتجاهاتهم بالسلبية أو إحلالهم بأفراد راغبين في
التغيير ولهم الاستعداد للتكيف.
- وضع آليات تحول
دون سيطرة غير الأكفاء على الأكفاء.
( * ) قصة انتخابات مجلس الشعب عام 1976
( * ) بدء الجماعات الدينية في دمياط وقصة
إبراهيم الشيخ
( * ) قصة اتهام قصور الثقافية بالشيوعية
والتحول للنشاط الديني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق