الأحد، 18 أغسطس 2019

4 - صفحات من تاريخ الثقافــــة الجمـــاهيرية عبد الحميد سرايا



4 - صفحات من تاريخ

الثقافــــة الجمـــاهيرية





عبد الحميد سرايا






عبد الحميد سرايا نموذج فريد من بين رواد الصحافة فهو أول من أنشأ القسم الخارجي بالأهرام بدلا من أقسام الترجمة من قبل وكان له سلوكه المتميز في ساحة الصحافة وكان نوعا نادرا من البشر صفاء وشفافية وصلابة في الحق وأدي هذا إلي إبعاده عن الصحافة وتوليه عملا إداريا بوزارة الزراعة إلي أن صدر قرار برجوعه مرة أخري إلي الصحافة وتتلمذ علي يديه الكثير من نجوم الصحافة السابقين والحاليين فاستحق بجدارة أن يكون "الأستاذ".. ومن تلاميذه ابن أخيه الكاتب الصحفي أسامة سرايا ــ رئيس تحرير الأهرام الأسبق الذي يحدثنا عنه فقال إنه من مواليد 9 ديسمبر 1920 بقرية البجلات مركز منية النصر محافظة الدقهلية وحصل علي شهادة البكالوريا "الثانوية " من مدرسة علي الفلال الثانوية بالزرقا وتخرج من كلية الآداب قسم اللغة الانجليزية جامعة القاهرة عام 1948 وكان من زملائه في الدفعة البابا شنودة.    
 يقول عنه أحد تلاميذه أشرف سيد ( وبدأ العمل بالصحافة في نفس العام متنقلا بين مختلف أقسام العمل الصحفي وفي عام 1948تخصص في السياسة الخارجية وأبدع فيها حني أصبح رئيسا للقسم الخارجي بالأهرام وكان يسمي قبله بأقسام الترجمة وكان هذا من عام 1948 حني عام 1952 ثم انتقل إلي جريدة  الأخبار كرئيس للقسم الخارجي حثي عام 1956 ثم انتقل بعد ذلك مديرا للتحرير بوكالة أنباء الشرق الأوسط ثم مديرا للتحرير بجريدة الجمهورية والتي كان يرأس تحريرها د. طه حسين بجانب بعض السياسيين وكان اسمه يوضع علي الترويسة بالصفحة الأولي لأن رئيس التحرير كان عادة من بين مجموعة من الأدباء والسياسيين. وبعد خمس سنوات قضاها في عمل إداري بوزارة الزراعة تعسفا عاد عام 1970 إلي الأهرام مرة أخري كرئيس للديسك المركزي ورئيس للقسم الخارجي. فهو الذي قام بإنشاء أقسام التحرير الخارجي في كثير من الصحف المصرية، حيث كانت تسمي قبل ذلك بأقسام الترجمة.
 ونظرا لخبرته البارعة في كتاباته التحليلية وتصويرها بطريقة رشيقة وممتعة وسهلة المضمون كل هذا أدي إلي تنقله خلال فترة بين جميع المؤسسات الصحفية من وكالة أنباء الشرق الوسط إلي جريدة الأخبار أو جريدة الجمهورية والتي اشتغل بها مديرا للتحرير إلي جانب إشرافه علي قسم الترجمة الفورية والتيكرز بالجريدة لبراعته في الترجمة الفورية لما يرد من برقيات وكالات الأنباء ، وكان يعتبر دينامو الجريدة في ذلك الوقت حني عصفت به مراكز القوي يومها في مذبحة الصحفيين عام 1964 ونقل بعيدا عن العمل الصحفي إلي عمل إداري بوزارة الزراعة علي أيدي حلمي سلام في ذلك الوقت بعد أن عين الأخير رئيسا لمجلس إدارة دار التحرير ومن بين الذين عصف بهم حلمي سلام إلي جانب سرايا سعد الدين وهيه وإبراهيم نوار ومحمد الحيوان ومصطفي المستكاوي وإسماعيل الحبروك الذين نقلوا جميعا إلي وظائف إدارية في بعض الوزارات والمؤسسات بعيدا عن الصحافة فيما سمي آنذاك بمذبحة الصحفيين . إلي أن أصدر محمد حسنين هيكل وهو وزير للإعلام قرارا برجوعهم مرة أخري فعاد عبد الحميد سرايا إلي بيته القديم جريدة الأهرام وعين نائبا لرئيس التحرير وأشرف علي الديسك المركزي بالإضافة إلي إشرافه علي القسم الخارجي .
وعندما كنت طالبا في قسم الصحافة بآداب القاهرة في الصف الثالث كان القسم ينتدب بعض الكتاب الكبار لتعليمنا فنون الصحافة المختلفة كان منهم الكاتب الكبير مصطفي أمين وعبد الحميد سرايا وسعد لبيب أحد مؤسسي التليفزيون المصري وعبد الحميد الحديدى الإذاعي المعروف وغيرهم وكان سرايا يدرس لنا الترجمة الفورية وكانت هناك عدة أسباب جعلته يتبناني مهنيا أولها تفوقي في الترجمة ثانيا أنني كنت من القرية التي تلقي فيها سرايا تعليمه الثانوي ( الزرقا ) فأخذني معه إلي دار التحرير للعمل في جريدة المساء كمحرر تحت التمرين في باب ( كل الناس ) وكان يحرره الفنان القدير كمال الجويلي وعشت أحلي سني عمري في بلاط المساء بين كتاب كبار الكتاب بها ومنهم عبد الفتاح الجمل وعبد الوهاب دنيا ومصطفي المستكاوي وغيرهم وكان سرايا يستدعيني من حين لآخر للمساعدة في ترجمة برقيات التيكرز الواردة من وكالات الأنباء بالجمهورية ثم في العام التالي نقلني إلي جريدة الجمهورية لأعمل مع الكاتب عبود فوده في باب ( حديث المدينة ) وفي الوقت نفسه أقوم بالترجمة تحت إشرافه في قسم الترجمة كلما تطلب الأمر ذلك إلي أن تم إقصاء عبد الرحمن فهمي وكان رئيسا لقسم الرياضة بالجمهورية بسبب لجوء قريب له الملحق العسكري المصري في لبنان بعد انفصال سوريا من الوحدة مع مصر ويدعي زغلول عبد الرحمن فقام هذا الضابط بالهجوم علي عبد الناصر في مؤتمر شتورة بلبنان ولجأ سياسيا إلي سوريا ،  فكلف ناصف سليم المصحح بدار التحرير برئاسة قسم الرياضة خلفا لعبد الرحمن فهمي وكان باب الرياضة بالجمهورية في ذلك الوقت يشغل مساحة أقل من ربع صفحة وكان يكتب به كتاب بالقطعة مثل الجندي ونور الدالي والديبة وهم من مشاهير لعبة كرة القدم المعتزلين بالإضافة إلي كتاب مبتدئين في ذلك الوقت فاروق يوسف وقدري الطحاوي وكلفني مدير التحرير عبد الحميد سرايا بأن أقوم بعمل ماكيت الرياضة لأن ناصف سليم لم تكن له دراية بهذا الفن حيث كان كل رئيس قسم في ذلك الوقت يقوم بعمل ماكيت الجزء التحريري الخاص به ، وكنت علي وشك التخرج في ذلك العام فأحس ناصف سليم بالغيرة والخطورة من وجودي معه بقسم الرياضة وطلب مني الابتعاد عن القسم وعنه رغم أننا بلديات فهو من ميت الخولي احدي قرى مركز الزرقا  وفي فترة انقطاعي عن الجريدة بسبب امتحانات الليسانس حدثت هزة عنيفة أثرت علي مستقبلي المهني لأعوام طويلة تالية ، فقد استغل ناصف سليم تلك الفترة وبعد أن وقعت مذبحة الصحفيين فأوعز إلي حلمي سلام أنني وآخرين غيري من رجال عبد الحميد سرايا فأصدر قرارا تعسفيا سريعا بإبعادي من الجمهورية وكل مؤسسة دار التحرير لأجد نفسي بعد فترة معينا في القوى العاملة بمصلحة الاستعلامات بالقاهرة وحرمت بسبب تبني عبد الحميد سرايا المهني لي من العمل بالصحافة طوال حياتي إلي أن تم تعيين مصطفي بهجت بدوي رئيسا لدار التحرير ووزع جوائز مالية علي أوائل قسم الصحافة لأول وآخر مرة وكنت الثاني علي دفعة 1964 فكان من حقي جائزة مالية من الجمهورية في حفل كبير أقامته الجريدة لتكريم أوائل هذا القسم ويومها أعلنت تنازلي عن المكافأة الكبيرة وقتها ( 35 جنيها ) مقابل عودتي للعمل مرة أخرى بالجمهورية فوعدني بدوي أن يحاول مساعدتي ولكن القدر لم يمهله طويلا فأقصي سريعا قبل أن يوفي وعده معي .
وكانت المحطة الأخيرة في حياة عبد الحميد سرايا معي عندما عاد مرة أخرى بعد الإقصاء إلي جريدة الأهرام كنائب لرئيس التحرير فسأل إحدى زميلاتي وكانت قد أبعدت للثقافة الجماهيرية معي نقلا من الاستعلامات وأعادها سرايا للعمل بالصحافة ولكن في وكالة أنباء الشرق الأوسط وهي السيدة الفاضلة الراحلة مني سليمان عوني وعلم منها ما جرى لي فكلفها بالاتصال بي لمقابلته وعندما قابلته كنت قد نقلت إلي دمياط وتزوجت وارتبطت بأسرتي فعرض علي أن أعود إلي الصحافة مرة أخرى في جريدة الأهرام ولكني اعتذرت له شاكرا وحزينا في نفس الوقت ذلك لأنني لم أكن قادرا علي الاستجابة لعرضه رغم ترحيبي به لظروفي الأسرية المعقدة في ذلك الوقت . رحم الله عبد الحميد سرايا .
4 أغسطس 2012


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق