المسرح في دمياط
عندما توليت أمر الثقافة
في دمياط في خريف عام 1971 كان لا يوجد مسارح بدمياط إلا مسرح مجلس المدينة وكان
يطلق عليه المسرح القومي وكانت معظم المحافظات التي بها نشاط مسرحي أو فنون شعبية
علي قلتها كانت تلك الأنشطة فيها تابعة للمحافظات نفسها وهي التي تنفق عليها
وتديرها وكانت فرقا متميزة ولكن نشاطها كان قاصرا علي عواصم المحافظات في مسارحها
الخاصة بها وكانت الثقافة الجماهيرية في الغالب تدعم هذه الفرق في العامين
الأخيرين قبل تولي سعد وهية رئاسة الثقافة الجماهيرية بالمخرجين وبعض التقنيات مثل
البروجيكتورات وكان مواكبا لهذه الفترة ظهور كتاب كبار للمسرح مثل توفيق الحكيم
وميخائيل رومان ومحمود دياب ولم يكن جيل الشباب من الكتاب قد تبلور بعد وصاحبهم
جيل من المخرجين الكبار مثل سعد أردش ونبيل بدران وكرم مطاوع وجلال الشرقاوي ونبيل
الألفي وحسن عبد السلام وعلي الغندور وغيرهم وفي دمياط كان الوضع مختلفا بعض الشيء
فكانت لها فرقة مسرحية وأخرى للفنون الشعبية تابعين للمحافظة تبعية كاملة ولهما
مجلس إدارة وكانت الثقافة ممثلة فيه بمديرها ولم يكن له أي صلاحيات تجاه هذه الفرق
ولمع علي خشبة المسرح القومي نجوم محليين كان منهم عبد الكريم عبد الباقي ونبيل
عمر ومحمد ناصف والسيد مسحه ومعاطي حبة وغيرهم وفي الفنون الشعبية لمعت وجوه كان
لها تأثيرها في الحياة الفنية في دمياط ومنهم الملحن العبقري وفيق بيصار وأحمد
شبكة ومحمود أمين ومصطفي السنباري ومحمد محفوظ والسيد الغطاس وغيرهم كثيرين لا
تسعفني الذاكرة لذكرهم جميعا أما في قصر الثقافة فلم يكن هناك اهتمام مباشر بأن
يكون له فرقة مسرحية أو أن يقوم بالدور المفروض أن يقوم به بشكل أكبر في فرقة
المحافظة مكتفيا بدور الوسيط أحيانا في مصاحبة بعض العروض خارج المحافظة فكثيرا ما
قمت وأنا أخصائي ثقافي بمصاحبة فرقة دمياط للفنون الشعبية إلي القاهرة في رمضان
للعرض في سرادق الثقافة الجماهيرية بالحسين أو في مسابقة التليفزيون حيث حصلت فرقة
دمياط في منتصف الستينات علي كأس التليفزيون في أحد أعوام تلك المسابقة متقدمة علي
فرق كبيرة كانت تشارك في تلك المسابقة ومنها فرقة البحيرة الأقدم والأشهر وفرقة
الشرقية التي ذاع صيتها فيما بعد أما النشاط المسرحي في مركز الثقافة والاستعلامات
حتي أوائل السبعينيات فكان قاصرا علي محاولات متواضعة جدا بقيادة الراحل جمال البسيوني
كمخرج ومؤلف ومصمم ومنفذ ديكور لأعمال مدرسية صغيرة تقدم في صالة مركز الثقافة
بعمارة السمبسكاني في المقر الذى يشغله حاليا حزب الأحرار أمام مبني السنترال
القديم فكان من الغريب أن جمال البسيوني يختار النص ويجري البروفات ويصمم الديكور
وينفذه بيده حتي الأحذية كان يفصلها علي يديه ويخيطها ثم يقوم بعمل المكياج
للمثلين وكانت هناك محاولات أخرى جادة من بعض الفنانين في دمياط لتقديم أعمال
مسرحية بجهودهم الذاتية وكان علي رأسها فرقة المسرح العمالي بقيادة حلمي سراج
والتي كانت تقدم عروضها علي مسرح مدرسة الزراعة في غيط النصاري وفرقة الإستاد
الرياضي بقيادة أحمد جبر وفرقة أخرى في الساحة الشعبية بقيادة نادر شحاتة ومعها
رضا حسني وسارعت فرقة المسرح العمالي الأكثر إنتاجا ونضجا بالعمل في إطار قصر
الثقافة سعيا للعثور علي كيان رسمي يقدمها فاحتضنتها وقدمت أعمالها التي استطاعت
هذه الفرقة أن تقدم كثيرا منها في مختلف المواقع بالقرى والمدن .
مما سبق يتضح أن المسرح في
الثقافة الجماهيرية في السبعينيات لعب دورا مهما في ريف ومدن مصر كلها ويتضح أيضا
أن البداية انطلقت من هواية محببة لبعض الشباب حتى أن الفرقة كانت تحمل الديكور
فوق سيارة نقل أو جرار زراعي معار من أي جهة حكومية ثم يركبون فوق الديكور ويذهبون
إلي قرية وينصبون ديكوراتهم ويقدمون عرضهم ويعودون في ساعة متأخرة من الليل إلي
بيوتهم بكل الحب والترابط وكانت الرابطة بين أعضاء الفرقة رابطة صداقة متينة
ومحببة فكانوا يحتفلون بأعياد ميلاد بعضهم البعض علي خشبة المسرح ويقفون إلي جانب
بعضهم في الملمات والأفراح وعرف الناس في بلدنا يعني إيه مسرح لأول مرة ، علاوة
علي ذلك لم يكن يكلف ميزانية الدولة شيئا يذكر ولعب المسرح دورا تنويريا مهما
اعتبارا من نكسة 67 إلي أواخر الثمانينيات بتقديم عروض متفاعلة مع الواقع المعاش
ومع القضايا الوطنية المثارة علي الساحة فلا زلت أذكر الدور الذي لعبته مسرحية
أغنية علي الممر بعد النكسة في العروض التي قدمتها الفرق لفترة طويلة وفي حرب
الاستنزاف ، لم تكن الحركة والحياة وردية علي طول الخط بل كانت هناك معوقات
ومنغصات اعترضت الطريق كثيرا ولاقينا فيها الكثير من المعاناة ولكن بالترابط الذي
كنا نحرص عليه وروح الأسرة التي كانت تضم الجميع لعبت دورا مهما في الاستمرار
والاستقرار وكانت قهوة العزوني بشارع الجلاء بدمياط التي تحولت الآن إلي محل
حلواني الملاذ الهام الذي يجمع الجميع في نهاية الليل بعد كل عرض لتستمر الحوارات
حول العمل الذي قدم نقدا وتحليلا بسيطا دون تراكيب أو تقعير بينما كانت الحركة
الأدبية هي الأخرى تلعب نفس الدور وبعد نشاطها يجتمع الكثيرون في صالون النبوي
سلامة المقابل للمقهى المذكور وهكذا إلا أن أهم المواقف التي يجب الإشارة إليها
موقف أجهزة الدولة من هذا النشاط الذي كان يزعج البعض أحيانا كثيرة فحدث مثلا وبعد
افتتاح القصر أن تصادف إعجاب حلمي سراج والجميع معه بكتابات علي سالم المسرحية فظل
لفترة طويلة يخرج أعمالا له ومن باب المصادفة الغريبة أن أغلب مسرحيات علي سالم
وغيره تحمل أسماء تثير الاعتراض دينيا لأول وهلة مثل الناس اللي في السما الثامنة والراجل اللي ضحك علي الملائكة وزيارة عزرائيل للسلاموني وقد أثار ذلك حنق وغضب
بعض التيارات الدينية وكان منهم فضيلة الشيخ البواب حفظه الله فكانت معظم خطبه في
الجمعة بمسجد المعيني القريب من قصر الثقافة انتقادا وتهجما علي تلك المسرحيات
وعلي قصر ا لثقافة الذى كان يطلق عليه ( دار الندوة ) تشبيها بدار الندوة لكفار
مكة قبل البعثة وكان هذا كافيا لإثارة الرأي العام ضد الثقافة فظهر اتجاه قوي مضاد
لحركة الثقافة في دمياط فكان لابد أن نتجه إليه ونحاوره في مسجد المعيني حيث كان
الرجل يتمتع بشعبية كبيرة وحب كبير من المواطنين وأنا منهم ودعوته إلي القصر ليلقي
فيه محاضرة أو يجري حوارا ولكنه أبي في حين نجحت بعد ذلك في عقد علاقة ورابطة مع
أنصار السنة بدمياط ونجحنا في إقامة سلسلة من المحاضرات الدينية بمسرح القصر الذي
لم يكن قد اكتمل وبأجهزة إذاعة بدائية فأذكر محاضرات ناجحة لفضيلة الشيخ الراحل
عبد الحميد عرنسة ومصطفي برهام والدكتور السيد رزق الطويل وغيرهم وقد لعب ذلك دورا
كبيرا في تحسين صورة الثقافة أمام الرأي العام وكان ذلك ردا علي ما أثارته بعض
أجهزة الدولة ومنها أمن الدولة أن قصور الثقافة خلايا شيوعية بعد ذلك نجحنا في
اعتماد فرقة قصر الثقافة كفرقة قومية واستقدمنا لها مخرجين كبار كان لهم فضل كبير
في التثقيف المسرحي مثل عباس أحمد وحافظ أحمد حافظ وماهر عبد الحميد ومحمد توفيق وإبراهيم الدالي وسعد أردش وناصر عبد المنعم وغيرهم ومن الفرقة خرج كثير من المخرجين الذين تمكنا من اعتمادهم بخلاف حلمي سراج ومحمد ناصف مثل رأفت سرحان وفوزي سراج ورضا حسني واستضفنا كثيرا من العروض الهامة بدءا من مسرحية بيومي أفندي
ليوسف وهبي وأمينة رزق ثم محمد صبحي وسعيد صالح ونجوم المسرح القومي والطليعة في
عصرهما الذهبي وتصاعد نجم المسرح في مصر وفي دمياط من خلال الثقافة الجماهيرية في عهد سعد
وهبة وازداد تألقا في عهد سمير سرحان عندما تولي رئاسة الثقافة الجماهيرية وشاركت الفرقة القومية للمسرح في دمياط وفرقتي فارسكور وكفر سعد في عديد من المهرجانات المحلية والقومية وحصدت العديد من الجوائز
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق