السبت، 18 أكتوبر 2014

4- المسرح في دمياط - عن الثقافة في دمياط

 المسرح في دمياط

عندما توليت أمر الثقافة في دمياط في خريف عام 1971 كان لا يوجد مسارح بدمياط إلا مسرح مجلس المدينة وكان يطلق عليه المسرح القومي وكانت معظم المحافظات التي بها نشاط مسرحي أو فنون شعبية علي قلتها كانت تلك الأنشطة فيها تابعة للمحافظات نفسها وهي التي تنفق عليها وتديرها وكانت فرقا متميزة ولكن نشاطها كان قاصرا علي عواصم المحافظات في مسارحها الخاصة بها وكانت الثقافة الجماهيرية في الغالب تدعم هذه الفرق في العامين الأخيرين قبل تولي سعد وهية رئاسة الثقافة الجماهيرية بالمخرجين وبعض التقنيات مثل البروجيكتورات وكان مواكبا لهذه الفترة ظهور كتاب كبار للمسرح مثل توفيق الحكيم وميخائيل رومان ومحمود دياب ولم يكن جيل الشباب من الكتاب قد تبلور بعد وصاحبهم جيل من المخرجين الكبار مثل سعد أردش ونبيل بدران وكرم مطاوع وجلال الشرقاوي ونبيل الألفي وحسن عبد السلام وعلي الغندور وغيرهم وفي دمياط كان الوضع مختلفا بعض الشيء فكانت لها فرقة مسرحية وأخرى للفنون الشعبية تابعين للمحافظة تبعية كاملة ولهما مجلس إدارة وكانت الثقافة ممثلة فيه بمديرها ولم يكن له أي صلاحيات تجاه هذه الفرق ولمع علي خشبة المسرح القومي نجوم محليين كان منهم عبد الكريم عبد الباقي ونبيل عمر ومحمد ناصف والسيد مسحه ومعاطي حبة وغيرهم وفي الفنون الشعبية لمعت وجوه كان لها تأثيرها في الحياة الفنية في دمياط ومنهم الملحن العبقري وفيق بيصار وأحمد شبكة ومحمود أمين ومصطفي السنباري ومحمد محفوظ والسيد الغطاس وغيرهم كثيرين لا تسعفني الذاكرة لذكرهم جميعا أما في قصر الثقافة فلم يكن هناك اهتمام مباشر بأن يكون له فرقة مسرحية أو أن يقوم بالدور المفروض أن يقوم به بشكل أكبر في فرقة المحافظة مكتفيا بدور الوسيط أحيانا في مصاحبة بعض العروض خارج المحافظة فكثيرا ما قمت وأنا أخصائي ثقافي بمصاحبة فرقة دمياط للفنون الشعبية إلي القاهرة في رمضان للعرض في سرادق الثقافة الجماهيرية بالحسين أو في مسابقة التليفزيون حيث حصلت فرقة دمياط في منتصف الستينات علي كأس التليفزيون في أحد أعوام تلك المسابقة متقدمة علي فرق كبيرة كانت تشارك في تلك المسابقة ومنها فرقة البحيرة الأقدم والأشهر وفرقة الشرقية التي ذاع صيتها فيما بعد أما النشاط المسرحي في مركز الثقافة والاستعلامات حتي أوائل السبعينيات فكان قاصرا علي محاولات متواضعة جدا بقيادة الراحل جمال البسيوني كمخرج ومؤلف ومصمم ومنفذ ديكور لأعمال مدرسية صغيرة تقدم في صالة مركز الثقافة بعمارة السمبسكاني في المقر الذى يشغله حاليا حزب الأحرار أمام مبني السنترال القديم فكان من الغريب أن جمال البسيوني يختار النص ويجري البروفات ويصمم الديكور وينفذه بيده حتي الأحذية كان يفصلها علي يديه ويخيطها ثم يقوم بعمل المكياج للمثلين وكانت هناك محاولات أخرى جادة من بعض الفنانين في دمياط لتقديم أعمال مسرحية بجهودهم الذاتية وكان علي رأسها فرقة المسرح العمالي بقيادة حلمي سراج والتي كانت تقدم عروضها علي مسرح مدرسة الزراعة في غيط النصاري وفرقة الإستاد الرياضي بقيادة أحمد جبر وفرقة أخرى في الساحة الشعبية بقيادة نادر شحاتة ومعها رضا حسني وسارعت فرقة المسرح العمالي الأكثر إنتاجا ونضجا بالعمل في إطار قصر الثقافة سعيا للعثور علي كيان رسمي يقدمها فاحتضنتها وقدمت أعمالها التي استطاعت هذه الفرقة أن تقدم كثيرا منها في مختلف المواقع بالقرى والمدن .
 مما سبق يتضح أن المسرح في الثقافة الجماهيرية في السبعينيات لعب دورا مهما في ريف ومدن مصر كلها ويتضح أيضا أن البداية انطلقت من هواية محببة لبعض الشباب حتى أن الفرقة كانت تحمل الديكور فوق سيارة نقل أو جرار زراعي معار من أي جهة حكومية ثم يركبون فوق الديكور ويذهبون إلي قرية وينصبون ديكوراتهم ويقدمون عرضهم ويعودون في ساعة متأخرة من الليل إلي بيوتهم بكل الحب والترابط وكانت الرابطة بين أعضاء الفرقة رابطة صداقة متينة ومحببة فكانوا يحتفلون بأعياد ميلاد بعضهم البعض علي خشبة المسرح ويقفون إلي جانب بعضهم في الملمات والأفراح وعرف الناس في بلدنا يعني إيه مسرح لأول مرة ، علاوة علي ذلك لم يكن يكلف ميزانية الدولة شيئا يذكر ولعب المسرح دورا تنويريا مهما اعتبارا من نكسة 67 إلي أواخر الثمانينيات بتقديم عروض متفاعلة مع الواقع المعاش ومع القضايا الوطنية المثارة علي الساحة فلا زلت أذكر الدور الذي لعبته مسرحية أغنية علي الممر بعد النكسة في العروض التي قدمتها الفرق لفترة طويلة وفي حرب الاستنزاف ، لم تكن الحركة والحياة وردية علي طول الخط بل كانت هناك معوقات ومنغصات اعترضت الطريق كثيرا ولاقينا فيها الكثير من المعاناة ولكن بالترابط الذي كنا نحرص عليه وروح الأسرة التي كانت تضم الجميع لعبت دورا مهما في الاستمرار والاستقرار وكانت قهوة العزوني بشارع الجلاء بدمياط التي تحولت الآن إلي محل حلواني الملاذ الهام الذي يجمع الجميع في نهاية الليل بعد كل عرض لتستمر الحوارات حول العمل الذي قدم نقدا وتحليلا بسيطا دون تراكيب أو تقعير بينما كانت الحركة الأدبية هي الأخرى تلعب نفس الدور وبعد نشاطها يجتمع الكثيرون في صالون النبوي سلامة المقابل للمقهى المذكور وهكذا إلا أن أهم المواقف التي يجب الإشارة إليها موقف أجهزة الدولة من هذا النشاط الذي كان يزعج البعض أحيانا كثيرة فحدث مثلا وبعد افتتاح القصر أن تصادف إعجاب حلمي سراج والجميع معه بكتابات علي سالم المسرحية فظل لفترة طويلة يخرج أعمالا له ومن باب المصادفة الغريبة أن أغلب مسرحيات علي سالم وغيره تحمل أسماء تثير الاعتراض دينيا لأول وهلة مثل الناس اللي في السما الثامنة والراجل اللي ضحك علي الملائكة وزيارة عزرائيل للسلاموني وقد أثار ذلك حنق وغضب بعض التيارات الدينية وكان منهم فضيلة الشيخ البواب حفظه الله فكانت معظم خطبه في الجمعة بمسجد المعيني القريب من قصر الثقافة انتقادا وتهجما علي تلك المسرحيات وعلي قصر ا لثقافة الذى كان يطلق عليه ( دار الندوة ) تشبيها بدار الندوة لكفار مكة قبل البعثة وكان هذا كافيا لإثارة الرأي العام ضد الثقافة فظهر اتجاه قوي مضاد لحركة الثقافة في دمياط فكان لابد أن نتجه إليه ونحاوره في مسجد المعيني حيث كان الرجل يتمتع بشعبية كبيرة وحب كبير من المواطنين وأنا منهم ودعوته إلي القصر ليلقي فيه محاضرة أو يجري حوارا ولكنه أبي في حين نجحت بعد ذلك في عقد علاقة ورابطة مع أنصار السنة بدمياط ونجحنا في إقامة سلسلة من المحاضرات الدينية بمسرح القصر الذي لم يكن قد اكتمل وبأجهزة إذاعة بدائية فأذكر محاضرات ناجحة لفضيلة الشيخ الراحل عبد الحميد عرنسة ومصطفي برهام والدكتور السيد رزق الطويل وغيرهم وقد لعب ذلك دورا كبيرا في تحسين صورة الثقافة أمام الرأي العام وكان ذلك ردا علي ما أثارته بعض أجهزة الدولة ومنها أمن الدولة أن قصور الثقافة خلايا شيوعية بعد ذلك نجحنا في اعتماد فرقة قصر الثقافة كفرقة قومية واستقدمنا لها مخرجين كبار كان لهم فضل كبير في التثقيف المسرحي مثل عباس أحمد وحافظ أحمد حافظ وماهر عبد الحميد ومحمد توفيق وإبراهيم الدالي وسعد أردش وناصر عبد المنعم وغيرهم ومن الفرقة خرج كثير من المخرجين الذين تمكنا من اعتمادهم بخلاف حلمي سراج ومحمد ناصف مثل رأفت سرحان وفوزي سراج ورضا حسني واستضفنا كثيرا من العروض الهامة بدءا من مسرحية بيومي أفندي ليوسف وهبي وأمينة رزق ثم محمد صبحي وسعيد صالح ونجوم المسرح القومي والطليعة في عصرهما الذهبي وتصاعد نجم المسرح في مصر وفي دمياط من خلال الثقافة الجماهيرية في عهد سعد وهبة وازداد تألقا في عهد سمير سرحان عندما تولي رئاسة الثقافة الجماهيرية وشاركت الفرقة القومية للمسرح في دمياط وفرقتي فارسكور وكفر سعد في عديد من المهرجانات المحلية والقومية وحصدت العديد من الجوائز 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق