الأربعاء، 6 فبراير 2013

الندابة - مهن انقرضت



الندابة 

مهن انقرضت ( 1 ) 

كتبها محمد عبد المنعم إبراهيم ، في 4 مايو 2009 الساعة: 09:47 ص

  الـــــــندابة
كثير من المهن التي كنت أراها من حولي في طفولتي وفي مراحل متقدمة من العمر لا أراها الآن ، لقد انقرضت من المجتمع واختفت تماما بفعل التطور الثقافي ربما أو بفعل التقدم التكنولوجي أحيانا إلا أن الإنسان يحس من حين لآخر بالحنين إلي الماضي والتحسر علي   زمانه ، فقد ارتبطت بعض هذه المهن بشخصيات معينة في مجتمعنا الصغير في زمانها ما زالت الذاكرة تحتويهم وتستدعيهم كلما عن ما يدعو إلي ذلك وكان من بين هذه الشخصيات من اكتسب حب المجتمع وربما احترامه في ذلك الزمان رغم تواضع مهنة تلك الشخصية أو بساطة حال صاحبها  ؛ 


الندابات موروث فرعوني قديم
من بين هذه المهن مهن كثيرة مثل المكوجي وخاصة مكوجي الرجل ، والطرابيشي ، ومبيض النحاس ، والحلاق المتجول ، والعريف ، والمسحراتي ، والمنادي ، والشيالين ، والندابات ، والخبازات ، والمجبراتي , وغيرهم  ، أغرب تلك المهن علي الإطلاق كانت مهنة الندابات ذلك أنها كانت مهنة لا تحتاج إلي رأسمال ولا محلات بل كل ما تحتاجه الصوت العالي والقدرة علي ابتكار بعض الجمل وحفظها وأداء بعض الحركات فالندابة في تلك الأزمنة كانت بديلا بشريا للميكرفونات والسيارات التي تجوب الشوارع للإعلان عن وفاة المرحوم فلان أو المرحومة علانة وكانت الندابات معروفات في القرية بالاسم ولهن رئيسة يذهب إليها أحد أفراد أسرة من توفاه الله فيخبرها أن فلانا مات ويعطيها المعلوم فتقوم هي بارتداء عدة الشغل وهي عادة كانت جلبابا أسود وطرحة سوداء ليست لتغطية الرأس ولكن لكي تستخدمها حزاما حول وسطها وتذهب إلي أعضاء فرقتها من الندابات وتجمعهن ويبدأن علي الفور في جولة في مختلف شوارع القرية للإعلان بالصراخ والعويل وتحريك الأجسام والأذرع فيما يشبه الرقص ولكن ليس بهز الوسط وإنما بالقفر في الهواء مع تحريك الأيدي بالطرحة السوداء أعلي الرأس يمينا وشمالا وبعضهم تخصصن في الصراخ والأخريات في إنشاد بعض الجمل من مثل : يا سبعي .. يا جملي .. يا صغير .. إلي آخره من مفردات قاموس الندب الذى كانت تبدعه هؤلاء الندابات وأخريات يهلن التراب علي رءوسهن ، وعلي قدر درجة المتوفي الاجتماعية علي قدر عدد اللفات والجولات في شارع القرية وكلما كان المعلوم أي الأجر المدفوع سخيا كلما كان الصراخ والعويل عاليا ومتعددا  . وكانت أشهرهن علي الإطلاق خالتي م ..أو هكذا كان يسميها جميع من في القرية احتراما لسنها وطيبة قلبها ، وكانت ذات شهرة كبيرة في المجتمع حتي أن أبناءها كان يناديهم الآخرون لا بأسماء أبيهم ولكن باسم فلان ابن الندابة ،  وماتت هذه السيدة الطيبة ولم يندبها أحد لأن الزمن كان قد تغير وكانت هي آخر الندابات ولتنتهي من بعدها تلك المهنة وتنقرض بظهور الميكروفونات علي المآذن وعلي السيارات تقوم بالمهمة بدلا من الاعتماد علي الصوت البشري النسائي والذي كان إلي جانب كونه وسيلة إعلامية وحيدة ومتفردة للإعلام بالموتي برغم أنه كان في كثير من الأحيان يوقظنا من النوم في الصباح الباكر مفزوعين .
وإلي لقاء آخر مع مهنة أخري من المهن التي انقرضت .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق