الأحد، 17 فبراير 2013

قصة الأقفاص السمكية في دمياط




قصة الأقفاص  السمكية في دمياط

كتبها محمد عبد المنعم إبراهيم ، في 3 أبريل 2009 الساعة: 00:31 ص  



                                           صورة الأقفاص تسد مجرى نهر النيل قبل إزالتها  

نشر خبر منذ أيام عن سقوط سيارة وبها شاب صغير في قرية العدلية بنهر النيل وعند إخراج السيارة بصعوبة بجوار الشاطئ ظهرت كميات هائلة من سراب مخلفات التلوث مازالت قابعة في قاع النهر والمترسبة من التغذية السيئة للأسماك في الأقفاص التي أزيلت ونشرت بعض الصحف مؤخرا أخبارا عن مؤتمر عقد برعاية وزارة الزراعة لبحث موضوع استزراع السمك في المياه العذبة في نهر النيل وفي أعقاب ذلك نشرت أخبار عن محاولة إنزال بعض الأقفاص السمكية مرة أخرى إلي مياه النيل تم التصدي لها علي الفور وأزيلت كما نشر أن هناك ثمة تفكير في وزارة الزراعة يمثل تراجعا عن القرارات السابق اتخاذها علي مستوى أعلى ويتعارض معها والتي صدرت من المجموعة الوزارية للخدمات واعتمده رئيس الوزراء .


والقضية ترجع إلى عام 1986 بموافقة مبدئية من الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية بإنزال أربعة أقفاص فقط  لتربية الأسماك في نهر النيل بدمياط ونتيجة للعائد الاقتصادي المجزى والسريع لتوافر المكان المجاني مع سهولة التربية فقد تزايدت أعداد هذه الأقفاص بشكل كبير وعشوائي حتى وصلت إلى 2084 قفصاّ وبدون أي ترخيص من الجهات المعنية .
وفى عام 1989 حدثت ظاهرة النفوق الجماعي للأسماك فى هذه الأقفاص مما أدى إلى تلوث كبير فى مياه الشرب نتيجة لتدهور حالة المياه فى النهر.. مما لفت الأنظار إلى خطورة المشكلة والبدء فى بحثها .
كان لتواجد هذه الأقفاص بشكل مكثف فى وسط مجرى النيل - ابتداء من موقعه أمام هويس دمياط وحتى نهاية حدود المحافظة وازدياد كثافتها أمام قرى الشعراء وعزب النهضة والعدلية والبستان والحورانى والسرو – أدى إلى أن أصبح الحمل البيئى للنهر فى هذه المناطق غير قادر على استيعاب تربية الأسماك مما أدى إلى تلوث المياه والأسماك معا ليس فى داخل الأقفاص فقط ولكن خارجها حتي أصبح التلوث يهدد مآخذ مياه الشرب فى هذه المناطق التي يبلغ عددها 14مأخذا لمحطات التنقية الموجودة بطول النهر داخل حدود المحافظة .
وفى سبتمبر 2000عقدت المحافظة مؤتمرا علميا اشتركت فيه جميع الجهات المسئولة وصدر عن المؤتمر توصيات هامة لم تطبق ولم يصل إلى حل حاسم لهذه المشكلة مع الاعتراف بأبعادها وخطورتها فى التلوث البيئى وإعاقة الملاحة النهرية فى نهر النيل . مماأدى إلى قيام وزارة الموارد المائية والرى بإصدار قرار عام2003 بإزالة كافة الأقفاص السمكية بنهر النيل لمنع التلوث وتيسير الملاحة النهرية لتطوير مشروع النقل النهري كأحد مشروعات خطة الدولة للتنمية.. ونتيجة لتدخل بعض الجهات تم تأجيل التنفيذ إلى ديسمبر2003 ولم يتم وطلبت الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية تأجيل الإزالة إلى فبراير 2004 . ولم يتم أيضا .
ومع استفحال المشكلة وتشعب أطرافها وخطورة أبعادها تم تشكيل لجنة وزارية بالقرار رقم72 لسنة2004 من الجهات المعنية لدراسة أبعاد المشكلة وطرق علاجها انتهت إلى تقارير مؤكدة عن وجود تلوث خطير فى الأسماك وتدهور فى حالة المياه المعدة للتنقية فى محطات مياه الشرب.. بالإضافة إلى إعاقة الملاحة النهرية إعاقة تامة .
وتم عرض الأمر على الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء الذى اعتمد تقرير اللجنة الوزارية وأعطى الحق للسادة المحافظين فى المحافظات التي توجد بها هذه المشكلة على فرعى دمياط ورشيد فى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع التلوث حفاظاّ على صحة المواطنين وتيسير الملاحة النهرية .
ومن الناحية القانونية فإن القانون رقم48 لسنة1982 فى شأن حماية نهر النيل والمجارى المائية من التلوث يعاقب المخالف بالحبس مدة لا تقل عن خمس سنوات والغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه وأسند التنفيذ إلى وزارة الموارد المائية والرى وتضمنت ضوابط وأحكام قانون الري والصرف رقم12 لسنة1984 وقانون التلوث رقم48 لسنة1982 حظر تربية الأسماك فى الأقفاص العائمة بالمياه العذبة لنهر النيل وفرعيه .
إضافة إلى كل ما سبق فإن هذه الأقفاص كانت تمثل عائقاّ كبيراّ يمنع تطهير مجرى النيل وتصنع سداّ لتجمع ورد النيل فيصعب تطهيره مما يعوق الملاحة النهرية إعاقة تامة .
ومن الناحية العلمية فقد أثبتت التحاليل المعملية بمعامل وزارة الصحة المركزية لعينات من مآخذ محطات مياه الشرب وكذلك الأسماك بالأقفاص والعلف المستخدم لتغذية السمك أثبتت:
·  عدم مطابقة عينات المياه المأخوذة من المآخذ للمواصفات الواردة بالمادة 60من القانون48لسنة1982 .
·  عدم مطابقة عينات السمك المأخوذ من أمام محطة مياه والعدلية والبستان للمواصفات القياسية3494لسنة2000
·  عدم صلاحية عليقه الأسماك المستخدمة لوجود تلوث ميكروبي بها .



         
 وبعد أن اتضحت الرؤية نتيجة لما سبق كان لابد من سرعة إزالة هذه الأقفاص حرصاّ على الصحة العامة والمصلحة العليا للوطن فى مشروع النقل النهري . وأصبح السكوت عليها يعد جريمة في حق البشر في دمياط وخارجها .   
لهذا أصدر وزير الري قراراّ بإزالة جميع الأقفاص السمكية من فرع نهر النيل بدمياط تطبيقاّ لتوصيات اللجان العلمية والقرارات الوزارية المترتبة عليها والتي أقرتهاالمجموعة الوزارية والتي اعتمدها الدكتور رئيس مجلس الوزارء .     
وقامت بعض الصحف بالكتابة في قضية الأقفاص بموضوعية والانحياز للصالح العامللمواطنين فنشرت جريدة "الأخبار" فى عددها الصادر يوم 26/12/2004 تحقيقاّ شاملاّ عن الثروة السمكية فى مصر أشارت فيه إلى أن الأقفاص السمكية كارثة بيئية واستمرارها كارثة أكبر.




وفى عددها الصادر يوم الاثنين 27/12/2004 نشرت جريدة "المصري اليوم" خبراّ تحت عنوان ( تعليم آخرأمى - إزالة الأقفاص السمكية - افتتاح الميناء العملاق ) . وأشارت الصحيفة إلى إن قرار الدكتور البرادعى بإزالة الأقفاص السمكية من أهم إنجازات المحافظ خلال عام2004 مما أكد لدى الرأي العام أن المحافظ يولى قضية الأقفاص السمكية اهتماماّ كبيراّ ويربطها بالمشروعات الكبرى بالمحافظة وأنه لن يساوم أو يتراجع عن هذا القرار الجريء الذي يتعلق بالصحة العامة لأكثر من مليون و200ألف مواطن هم سكان محافظة دمياط .
ثم توالى النشر الصحفى حول هذا الموضوع حيث نشرت جريدة "الأحرار" فى 1/1/2005 خبراّ بعنوان (محافظ دمياط يطالب بإزالة الأقفاص السمكية بالنيل) حيث ورد فى الخبر إن لجنة الإدارة المحلية بمجلس الشعب وافقت فى اجتماعها على اقتراحات الدكتور فتحي البرادعى التي أكد فيها على ضرورة إزالة جميع الأقفاص السمكية الموجودة بنهر النيل بدمياط نظراّ لعدم قانونيتها وخطورتها على نهر النيل وعلى صحة المواطنين إضافة إلى تلوث الأسماك نفسها.
وقال المحافظ رداّ على البيان العاجل المقدم من أحد النواب حول قرار المحافظ بإزالة 3200 قفص أسماك بنهر النيل أنه كان يتوقع مساءلته حول التأخر فى إصدار هذا القرار وليس الاعتراض عليه لأنها مشكلة تهدد نهر النيل وصحة المواطنين مشيراّ إلى أن القضية ليست قضية 30أسرة من أصحاب هذه الأقفاص لكنها قضية مليون و200ألف مواطن وتساءل الدكتور البرادعى لمن ينحاز وقدانحاز بالفعل إلى شعب دمياط بعد أن ظلت تلك القضية مطروحة طوال عشر سنوات وكانت تمثل كارثة بكل المقاييس ، إلا أن بعض الصحف توسعت فى نشر معلومات خاطئة بغرض الدفاع عن أصحاب الأقفاص ضاربين بالصالح العام عرض الحائط  لقاء إعلانات مدفوعة الأجر طبعا .
ووسط هذا الضباب الصحفى أزالت جريدة " الأهرام المسائي" هذا الضباب بالخبر الذي نشرته بعددها الصادر 27/1/2005 بعنوان (قرار من رئيس الوزارء بإزالة الأقفاص السمكية حفاظاّ على نهر النيل) فقد أشار الخبر على لسان الدكتور محمود أبو زيد وزير الموارد المائية والرى إلى القرار الوزاري رقم72 لسنة2004 بتشكيل لجنة فنية لتقييم الأقفاص السمكية بفرعي رشيد ودمياط والتي شارك فى عضويتها ممثلون عن أجهزة الوزارة البحثية والفنية ووزارة الزراعة واستصلاح الأراضي ممثلة فى هيئة الثروة السمكية ووزارة الدولة لشئون البيئة وأيضا ممثلين عن وزارة الصحة والسكان وعرض ما انتهت إليه اللجنة من توصيات فى شأن الأقفاص السمكية بنهر النيل وفروعه والآثار السلبية التي ترتبت على إنشائها على السيد الدكتور رئيس الوزارء حيث صدر قراره بالموافقة على التوصيات التي انتهت إليها اللجنة واتخاذ ما يلزم لمنع تلوث المياه حفاظاّ على صحة المواطنين كما أوضح السيد وزير الموارد المائية بأنه قد تم بحث موضوع الأقفاص السمكية بنهر النيل بلجنة الإدارة المحلية بمجلس الشعب وقد أكدت أجهزة الوزارات المعنية بضرورة إزالة الأقفاص السمكية تنفيذاّ لقرار رئيس الوزراء .
 ومن أهم المقالات التي تناولت هذا الموضوع كانت تلك التى كتبها الأستاذ عباس الطرابيلى فى جريدة " الوفد " بتاريخ 28/1/2005 والسبت 29/1/2005 ومرة أخرى فى نفس الموضوع يوم الثلاثاء 1/2/2005 .
ثم جاءت تأكيدات جديدة للسيد الدكتور المحافظ فى المؤتمر السياسي الذي عقده بالمحافظة وحضرة ممثلو الأحزاب والنقابات والمجالس المحلية وأعضاء مجلس الشعب والشورى حيث نشرت جريدة " الأخبار " فى عددها الصادر فى 1/2/2005خبراّ تحت عنوان (محافظ دمياط لا تراجع عن قرار إزالة الأقفاص السمكية) ، كما نشرت جريدة الأحرار فى عددها الصادر فى 2/2/2005تحت عنوان (محافظ دمياط يؤكد: إزالة الأقفاص السمكية بالنيل حفاظاّ على صحة مليون مواطن ) . ثم نشرت جريدة " المصري اليوم " فى عددها يوم الجمعة 4/2/2005 خبراّ تحت عنوان (الإدارة المحلية بمجلس الشعب تؤيد إزالة الأقفاص السمكية) .      كما نشرت جريدة "أخبار اليوم" فى عددها الصادر يوم السبت5/2/2005 تقريراّ عن اجتماع لجنة الإدارة المحلية بمجلس الشعب لمناقشة طلب إحاطة خاص بقرار إزالة الأقفاص السمكية وأكدت فى تقريرها على إزالة جميع الأقفاص السمكية بالنيل وعدم تأجيل الإزالة ولا يوم واحد .
ثم نشرت جريدة "الأهرام المسائي" تقريراّ عن زيارة وزير البيئة لمحافظة دمياط وما أعلنهبعد معاينة الموقع علي الطبيعة علي ضرورة إزالة هذه الأقفاص .
وفي محاولة للتشبث بما كان قائما قام أصحاب الأقفاص برفع قضية أمام القضاء الإداري بالمنصورة ضد رئيس الوزراء ومحافظ دمياط والتي طالبت بوقف إزالة الأقفاص بالنيل حيث كان السيد الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء قد أعتمد قرار المجموعة الوزارية للخدمات بإزالة جميع الأقفاص السمكية الموجودة بفرعي النيل بجميع المحافظات التي يمر بها .
وقد رفض القضاء الإدارى بالمنصورة هذه الدعاوي بجلسة 16/5/2005 وأكدت القرارات الموجبة لإزالتها أنها تسبب تلوثا لنهر النيل مما يؤثر علي انتاج مياه الشرب وما يمكن أن ينجم عنها من نشر بعض الأمراض .
وكانت الجمعيات الأهلية ومن بينها جمعيات حماية المستهلك ورعاية مرضي الأورام وأصدقاء المرضي والوقاية وتنمية المجتمع بقسم أول بمدينة دمياط وجمعية حماية الطفل وأيضا شركة مياه الشرب والمجلس الشعبي المحلي للمحافظة قد تداخلوا في هذه الدعاوي مؤيدين لقرارات الإزالة .
   

وبذلك أصبح القرار يتعلق بقضية قومية لحماية نهر النيل في مصر من التلوث وأصبح الأمر في يد اللواء وزير الداخلية لتنفيذ إزالة الأقفاص السمكية بهذه المحافظات وبناءً علي قرار الدكتور محمود أبو زيد وزير الموارد المائية والري وبتعليمات من اللواء وزير الداخلية قامت الشرطة بحملة مكثفة بالتنسيق مع الإدارة العامة لحماية النيل بوزارة الري وفي يوم 7 ديسمبر الماضي بإزالة الأقفاص السمكية من النيل ولتعود الشمس تشرق من جديد علي مياه النيل في فرعه أمام دمياط وتتلألا علي صفحته مرة أخري بعد غيبة طويلة وليعود الأمل يتجدد لدي أجيالنا والأجيال القادمة في الأطمئنان علي سلامة مياه الشرب وعدم الخوف من تلك الأقفاص .

               

 وإذاكانت أسماك الأقفاص التي أزيلت متهمة بتلويث المياه أو أنها كما يزعم أصحابها ضحية للتلوث من مصادر أخري فإنها في جميع الأحوال قد شكلت بؤرة للتلوث تخلصنا منها تماماً وبلا عودة إن شاء الله .
ولعل ما كتبه الأستاذ عباس الطرابيلي ابن دمياط بجريدة الوفد يوم 9/12/2006 تحت عنوان ( في قضية الأقفاص نتعاطف مع من ؟ ) يعتبر تحليلا موضوعياً لهذه المشكلة التي أرقت الرأي العام الدمياطي . ولكن أصحاب المصلحة في هذا النشاط مازالوا ينفقون الملايين علي بعض الأقلام ولعقد مؤتمرات مدفوعة الأجر ويستصدرون بعض الموافقات التي تتوارى خجلا خلف بعض الشروط لمعاودة نشاطهم ولم يستسلموا لنداء المصلحة العامة تحت ضغط مصالحهم الخاصة فهل يقف المجتمع مكتوف الأيدي وهل يمكن أن يصدر المسئولون قرارات عكسية لما سبق أن أصدروه وكأن القضية مرتبطة بشخص المحافظ ؟ الذى يجب أن نحييه ونحيي رجال الشرطة علي وقفتهم المنحازة لصالح الشعب والقانون ويقظتهم في مواجهة محاولات جس النبض بإعادة بعض الأقفاص إلي مياه النيل مرة أخرى .               

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق