كتبها محمد عبد المنعم إبراهيم ، في 3
يناير 2012 الساعة: 11:27 ص
ارفع رأسك فوق أنت مصري … ولكني لا أستطيع أن أرفعها
حتي الآن
أمضي
أكثر من خمسة وثلاثين عاما في خدمة القوات المسلحة خاض خلالها في الجيش كل المعارك
بدءا من حرب 1967 وما تلاها من حروب استنزاف واشتباكات مستمرة حتى حرب
أكتوبر وفي كل دقيقة كانت أرواحنا جميعا في البيت تخبو وتعود وأذكر
أثناء حرب الاستنزاف كان موقعه في صان الحجر في محطة للرادار هناك فقد كان عمله
فنيا في صيانة أجهزة الرادار وسمعنا في نشرة الأخبار أن الطيران الصهيوني المعادي
قد أغار علي تلك المنطقة وقتل من قتل وأصبب من أصيب وكان والدي علي فراش المرض
فطلب إلي أن أذهب لأطمئن عليه فلم تكن هناك وسيلة أخرى للاتصال به وركبت إلي
المطرية دقهلية وهناك سألت كيف التوجه إلي صان الحجر فقيل أنها باتجاه الشرق في
الصحراء ولا توجد لها وسيلة مواصلات سوي الجرارات الزراعية أو عربات الجيش وبالفعل
ركبت جرارا زراعيا وطلبت إليه أن يوصلني إلي موقع الرادار هناك فقال لي إنه ليس في
طريقه ولكنه سينزلني في أقرب نقطة إليه ونصحني بالانتظار حتى تأتي إحدى سيارات
الجيش وبالفعل بعد مدة ليست طويلة جاءت سيارة من سيارات الجيش فأشرت لها فوقف
الجندي وسألني عما أريد فقلت له إني قادم بتكليف من أب مريض للاطمئنان علي أخي في
محطة الرادار فنظر إلي بأسي وقال المحطة دمرت تماما وكل من بها قد ماتوا
وسألني عن اسم أخي فقلت له اسمه فقال لي إنه لم يكن موجودا لأنه نزل أجازة قبل
الغارة بيوم قلت له إنه لم يأت إلينا فقال ربما هو في الطريق إلي البيت الآن وارجع
وسوف تجده هناك ونصحني بذلك فعدت أدراجي وفهمت أنه لا يستطيع أن يذهب بي إلي هناك
وعند وصولي إلي بيتنا في قرية الزرقا في ذلك الوقت من صيف 1969 تقريبا ووجدته
بالفعل قد وصل إلي المنزل فقد ذهب أولا لإنهاء متعلقات له في مقر الكتيبة ثم عاد
إلي البيت وحمدنا الله علي سلامته وظل كذلك مطاردا من طيران العدو الذى كان يستهدف
محطات الرادار التي ذهب إليها في كل مكان من شمال مصر إلي جنوبها ومن شرقها إلي
غربها وأخيرا استقر في مرسي مطروح حتي مضي العمر وانتهت خدمته قانونا وأحيل للمعاش
مقدما فنيا بعد أن قضي في خدمة الجيش أكثر من خمسة و ثلاثين عاما
ومنذ شهر تقريبا فرحنا جميعا بولادة ابنته الوحيدة بعد حمل مضني وفي الإسكندرية
وفي مستشفي فيكتوريا الشهيرة احتاجت إلي نقل دم وكانت المصيبة الكبرى أن الدم الذي
نقل إليها كان ملوثا بمرض نادر سبب لها جلطة سريعة في الساق ونقلت إلي مستشفي مصطفي
كامل للحاق وعمل شيء وبعد محاولات دامت أسبوعا أعلنوا يأسهم ونقلت إلي مستشفي القوات
المسلحة بالمعادي علي نفقة أبيها لأنها خرجت من التأمين الصحي الخاص به لأنها تزوجت
وهذا أمر غريب وبعد أيام قليلة شاء الله أن تلقي ربها وتعود مكفنة لتدفن في الإسكندرية
مرة أخرى ولم تتجاوز بعد العقد الثاني من العمر وتركت طفلتها التي لم ترها منذ ولادتها
في رعاية الأبوين وعناية الله ، أكتب هذه السطور لأنفث عما يضيق به صدري من غم وحزن
عليها فقد كانت فاطمة ابنة شقيقي وتوأم روحي عبد الرحمن المقدم بالمعاش غالية علي الأسرة
كلها وعلي كل من عرفها رحمها الله وجعل مثواها جنات النعيم وأفاض علي أبيها وأمها صبرا
مما يجيش في قلوبهم من إيمان ؛
ولكني وقد بعثت استغاثة للمشير طنطاوي علي صفحة المجلس العسكري بالفيس
بوك من المصاريف الباهظة التي تحملها أبوها في مستشفي القوات المسلحلة بالمعادي ، والتي
ينوء بها معاشه الذي لا يكاد يفي بمتطلباته بعد كل هذه الخدمة في حين أن بعض من اعتدوا
علي منشآت الدولة في أحداث الثورة وأصيبوا عوملوا بطريقة أفضل وسافر بعضهم بطائرات
خاصة للعلاج في الخارج وعلي نفقة الدولة . ولكن لا استغاثتي قرئت أو لاقت أي اهتمام
ولا خدمته في الجيش شفعت له في مستشفي الجيش ولا تضحياته في سبيل الوطن في ثلاث حروب
لم يشفع له كل ذلك أن يرد علينا أحد أو أن ترد الدولة له بعض الجميل الذي لم يمن به
علي الوطن .
وتذكرت قصة عبد العاطي صائد الدبابات الذى دمر العشرات من دبابات العدو،
والذي مات في قريته بعد معاناة قاسية مع مرض الكبد دون أن يكترث به أحد ، فابتلعت حزني
ومرارة إحساسي بالانتماء لهذا الوطن الذى ما زال الإنسان فيه بلا كرامة رغم أنني سمعت
وقرأت كثيرا بعد الثورة المباركة ( ارفع رأسك فوق أنت مصري ) وما زالت أحاول أن أرفع
رأسي فأنا مصري ولكني للأسف ما استطعت حتى الآن .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق