الأربعاء، 6 فبراير 2013

الطرابيشي - مهن انقرضت



الطرابيشي - مهن انقرضت ( 2  )

كتبها محمد عبد المنعم إبراهيم ، في 12 مايو 2009 الساعة: 07:06 ص

كثير من المهن التي كنت أراها من حولي في طفولتي وفي مراحل متقدمة من العمر لا أراها الآن ، لقد انقرضت من المجتمع واختفت تماما بفعل التطور الثقافي ربما أو بفعل التقدم التكنولوجي أحيانا إلا أن الإنسان يحس من حين لآخر بالحنين إلي الماضي والتحسر علي   زمانه ، فقد ارتبطت بعض هذه المهن بشخصيات معينة في مجتمعنا الصغير في زمانها ما زالت الذاكرة تحتويهم وتستدعيهم كلما عن ما يدعو إلي ذلك وكان من بين هذه الشخصيات من اكتسب حب المجتمع وربما احترامه في ذلك الزمان رغم تواضع مهنة تلك الشخصية أو بساطة حال صاحبها  ؛ 
 الطرابيشي


من المهن المحترمة في الأربعينات مهنة الطرابيشي وقد وعيت في قريتي في صباي ثلاث محلات شهيرة للطرابيش كان والدي رحمه الله بتعامل مع واحد منهم وكنت كثيرا ما أذهب إليه بطرابيش أبي وطربوشي وطربوش أخي وكنا صغيرين في التعليم الابتدائي وكان الطربوش جزء أساسي من الزي المدرسي في المدرسة الابتدائية القديمة ، وأذكر أنني كنت أقل حجما من زملائي لالتحاقي بهذه المدرسة في سن أصغر منهم أنا وصديق عمري في ذلك الزمان الدكتور إبراهيم العناني عميد حقوق عين شمس السابق وعضو مجلس الشورى حاليا فكان الزملاء الأشد عودا يخطفون طرابيشنا ويلعبون بها الكرة أو يتقاذفونها فيما بينهم ، ومع قيام الثورة ألغيت الطرابيش فلم نرتديها طويلا وبارت تجارة الطرابيش وتحول انثان من المحلات إلي أنشطة أخرى بينما ظل أقلهما حجما علي حاله حتي وقت قريب إلي جانب عمل آخر مساعد وظل عم فهمي رحمه الله محتفظا بتلك القوالب النحاسية الكبيرة والثقيلة الوزن التي كان يضع فيها الطرابيش بعد تنظيفها لكي تكوى تحت حرارة معينة ليخرج بعدها الطربوش نظيفا متوهجا مستقيم الجوانب مشدود القماش فقد كان يصنع من نوع خاص من القماش لا أعرف للآن كيف كان يصنع وأين ؟
  وكان أصحاب هذه المهنة في قريتي من أعيان البلد ومن الرجال المحترمين الذين يتمتعون باحترام الجميع ، وقد تخرج من الأسر الثلاث رجال محترمون لم يلتفت أي منهم لمهنة الأب الأساسية التي لم تعد تدر شيئا أو قادرة علي الاحتفاظ للأسرة بكيانها المحترم الذي تعودت عليه ردحا طويلا من الزمن ، وظل عم فهمي رمزا لهذه المهنة إلي وقت قريب وحثي لقي ربه ، من الأشياء الغريبة أن أصحاب هذه المهنة كانوا يتمتعون بالهدوء الغير عادي والصبر وطول البال وسمو الأخلاق لا أدري لماذا ، ومن العادات الغريبة في ذلك الزمان أن الشخص إذا مات يحمل في نعش علي الأكتاف إلي مثواه الأخير ويوضع علي خشبة مرتفعة نسبيا عن جسم النعش الطربوش الذي كان يرتديه أو العمامة أو الطاقية أو الشال ( التلفيعة ) التي كان يغطي بها رأسه لا أدري لماذا وظلت هذه العادة متبعة إلي وقت قريب حني تم اختراع نعوش حديثة أخف وزنا من الألمنيوم  (ألوميتال ) . فكان الطربوش ملازما لصاحبه في المقابلات الرسمية والمناسبات المهمة وفي الأعياد والمواساة في العزاء ويصاحبه إلي مثواه الأخير حيث يودع صاحبه مقبرته ويعود الطربوش وحيدا مع ما كان في النعش من مفروشات ليوضع في مكان مميز داخل البيت لا يمسه أحد حتي مضي الزمان ونسي الناس من مات ونسوا أيضا طربوشه الذي ما لبث أن ضاع وانقرض وانقرضت معه مهنة الطرابيشي .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق