الأحد، 3 فبراير 2013

الشيخ سعيد الجلب - شخصيات في حياتي



شخصيات في حياتي     


2- الشيخ سعيد الجلب


  كتبها محمد عبد المنعم إبراهيم ، في 26 يوليو 2010 الساعة: 12:10 م   














أشهر كتاب ( وجمعه كتاتيب )  في قرية الزرقا في الخمسينيات كان كتاب الشيخ سعيد الجلب وكان يقع في حارة جانبية متفرعة من الشارع الوحيد الذي تم تبليطه بطوب من البازلت الأسود المار أمام نقطة الشرطة في ذلك الحين وكان يشغل حجرة تشترك مع مشغل للنسيج اليدوي في شقة بالدور الأرضي أرضيتها من الطين الأسود الجاف حيث لم يكن البلاط قد انتشر استخدامه ومن ثم السيراميك وفي حجرة الكتاب التابع لجمعية الإصلاح الاجتماعي كان الشيخ سعيد الجلب يقوم بتعليم تلاميذه كل شيء اللغة العربية والحساب وحفظ وتجويد القرآن الكريم رغم أنه لم يكن حاصلا علي أي شهادات دراسية أو أزهرية إلا أنه في ذلك الكتاب قد تخرج فيه من عباءة الشيخ سعيد الجلب الكثير من الأعلام والشخصيات الاجتماعية المرموقة وكذلك الشيوخ الأفاضل الذين نبغوا في علوم الدين من بعد ، ولما بدأت السنة الرابعة من عمري قرر والدي رحمه الله أن يذهب بي بنفسه إلي الشيخ سعيد الجلب ويوصيه بأن يشدد علي وعلي أخي بعد ذلك في تحصيل العلم ولو بالفلقة وكان لدي الشيخ فقلة يمد عليها من لا يقوم بكتابة الواجب أو حفظ ما فرض عليه حفظه من آيات القرآن الكريم وهذه الفلقة استخدمت فيما بعد كثيرا في نقط البوليس وفي دوار العمد لتأديب المنشقين والخارجين علي القانون أو الحصول منهم علي اعترافات بما ارتكبوا من جرائم ينكرونها في بادئ الأمر وعند وضع أرجلهم في الفلقة كانوا يبادرون بالاعتراف قبل نزول أول خرزانة علي أرجلهم المكبلة بالحبل في عامود من الخشب هو والحبال مكونات تلك الفلقة التي اشتهرت بأسماء عديدة في ذلك الحين ، كانت تشد إليها الأقدام حافية وتثبت إليها ويحمل الفلقة شخصان واحد من كل جانب لضمان رفع الأقدام في مستوى الضرب وأيضا ضمان عدم تحركها مهما كانت قوة المربوط إليها .
وأذكر أنني ومعي صديق عمري إبراهيم العناني ( الذي صار فيما بعد عميدا لحقوق عين شمس وعضوا معينا في مجلس الشورى وأحد أعضاء لجنة مصر أمام محكمة العدل الدولية للدفاع عن قضية طابا والتي كسبناها بفضله وبفضل زملائه ) كنا نتنافس علي سرعة حل الواجب المنوط بنا في الحساب قبل الخروج من حجرة الكتاب مستعينين بلوح من الإردواز والطباشير الذي كان الشيخ سعيد يكافئنا به علي شطارتنا وكنا ونحن جلوس علي الأرض نحل الواجب نشهد شيخان في مقتبل العمر حرما نعمة البصر يدعي أحدهما الشيخ صابر والآخر الشيخ سيد فرج وكانا زبونان دائمان في فلقة الشيخ السعيد عند قيامهما بتسميع واجب حفظ القرآن لكثرة ما كانوا يخطئون في التلاوة أو التلعثم في مجرد القراءة للفظ من الألفاظ .
كانت أياما جميلة وصافية نذهب إلي الكتاب مسرعين فرحين خاصة يوم الخميس لنبادر قبل الدرس بدفع المعلوم وهو قرش صاغ واحد للشيخ الذي يكافئنا بأصبع كامل من الطباشير . ولما تقدم بنا العمر وازدادت مهارتنا قليلا في الكتابة كان ذلك حافزا لأهلنا أن يشتروا لنا كراسة وريشة ودواة حبر نكتب بها وتعلمنا مبكرا تحسين الخطوط علي غير قواعد وتعلمنا اختراع أقلام الحبر من البوص لكثرة تلف الريشة المشتراة وغلو ثمنها .

في كتاب الشيخ سعيد الجلب تعلمنا قبل أن نلتحق بالمدرسة الكتابة والحساب وحفظ أربعة أجزاء من القرآن الكريم وجودة مطالعة آيات القرآن حيث كانت وصية والدي دائما أن كثرة القراءة في القرآن تحسن النطق ومخارج الألفاظ كما تحسن الصوت أيضا وكان صادقا بالفطرة في كل ما قال فقد ساعدني ذلك كثيرا في الحفاظ علي سلامة الكتابة وسلامة النطق وجودة الإلقاء مما جعلني من الصغر مؤهلا للمشاركة في الإذاعة المدرسية وإلقاء الكلمات في الحفلات التي تقام بالمدارس في المناسبات المختلفة وحتى بعد التخرج من الجامعة أهلتني كيف أواجه الجماهير وكيف أكون محدثا وخطيبا يستمع إليه ويستحسن صوته في اللقاءات والمؤتمرات الرسمية وغير الرسمية فيما بعد وإلي وقت قريب حتى سألني الدكتور الفاضل أحمد جويلي يوما وهو محافظ لدمياط لماذا لم أعمل بالإذاعة ولم أجبه لأن الإجابة كانت تثير في نفسي كثيرا من الشجن والحنق علي شخصيات أخرى كان لها دورا سلبيا في حياتي  أما حديثي اليوم عن الشيخ سعيد الجلب الذي لم يعد يذكره أحد هو حديث للاعتراف بالفضل لهذا الرجل ولكتابه الذي تخرج منه كثير من أعلام الزرقا وليتني أجد منهم هنا من يضيف إلي ما قلت فقد تكون الذاكرة قد خانتني وهو شيء مؤكد ، وللحديث بقية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق