السبت، 2 فبراير 2013

د. رفعت المحجوب - أعلام دمياط

أعلام دمياط - 10-   
 رفعت المحجوب       










 
رفعت المحجوب  ( 23 أبريل 1926 -  12 أكتوبر 1990  رئيس مجلس الشعب الأسبق ولد في مدينة الزرقا دقهلية والتي أتبعت لمحافظة دمياط بعد ذلك بعد قيام ثورة يوليو 1952  وقد حاز علي ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة عام 1948 ثم حصل علي الدراسات العليا من كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية بجامعة باريس بفرنسا 1950 ودبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد من جامعة باريس عام 1951 وحصل علي الدكتوراة في الاقتصاد من جامعة باريس أيضا عام 1953 ثم عاد إلي مصر عقب الثورة حيث تدرج في عدة وظائف في جامعة القاهرة حتي وصل إلي عمادة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عام 1971   وفي الوقت نفسه تدرج في العمل السياسي فتولي أمانة الدعوة والفكر بالاتحاد الاشتراكي العربي ثم أمينا أول ثم أمينا للجنة المركزية وبعد اغتيال السادات ركن في الظل أربع سنوات حيث عين عضوا بمجلس الشعب في عهد مبارك وانتخب رئيسا لمجلس الشعب ثم أعيد انتخابه مرة أخرى وكان متوقعا أن يستمر فيه بعد حل مجلس الشعب وانتخابه من جديد لولا اغتياله في يوم الاستفتاء علي الحل . 
وفي يناير 1984 تولي رئاسة مجلس الشعب المصري وظل كذلك حتي اغتيل في 12 أكتوبر 1990 في عملية نفذت بوحشية وبدرجة عالية من الاحتراف أثناء مرور موكبه من أمام فندق سمير أميس متوجها إلي فندق الميريديان لمقابلة وفد برلماني سوري عندما أطلق عليه وابل من الرصاص نتج عنه مصرعه في الحال هو وكل من كانوا معه في السيارة وهرب الجناة علي دراجات بخارية في الاتجاه المعاكس علي كورنيش النيل بالقاهرة . 
فعند فندق سميراميس كان علي السيارة التي يستقلها رفعت المحجوب أن تهدئ من سرعتها حتي تنحرف في اتجاه الكورنيش في طريقها إلي الميريديان.. وفي تلك اللحظات الخاطفة خرج من تحت الأرض أربعة شبان لا يزيد أكبرهم علي 25 سنة.. يركبون دراجتين بخاريتين ويحملون أسلحة آلية سارعوا بحصار السيارتين ثم ترجلوا وراحوا يطلقون النار علي من فيهما بلا رحمة.. ومن بين 400 طلقة خرجت من أسلحتهم استقرت ثمانين طلقة في جسد الدكتور رفعت المحجوب  وحارسه الشخصي الجالس إلي جواره المقدم عمرو سعد الشر بيني وسائقه كمال عبد المطلب وموظف بمجلس الشعب هو عبد العال علي رمضان.
نفذت العملية بدرجة عالية من الاحتراف.. واستقل الجناة الموتوسيكلين وهربوا في الاتجاه المعاكس لحركة المرور إلا واحدا منهم لم يتمكن من اللحاق بهم فأجبر سائق تاكسي علي الركوب معه.. وعند إشارة فندق رمسيس نزل من السيارة الأجرة شاهرا سلاحه فحاول بعض المواطنين الإمساك به إلا أنه أكمل مهمة إطلاق النار واستغل زحام يوم الجمعة في منطقة المول التجاري للفندق وتسلل منها إلي خبايا المنطقة العشوائية القريبة واختفي.
كان هناك ضحية أخري ساقها قدرها لحتفها هو العميد عادل سليم بمباحث القاهرة.. تلقي بلاغا بغرق شاب في النيل فجاء هو والملازم أول حاتم حمدي إلي مكان الحادث وعرف من الأهالي بالمتهم الهارب فراح يطارده بسيارته وهو في سيارة التاكسي ولحق به في إشارة المرور القريبة من هيلتون رمسيس وتصدي له فأفرغ فيه دفعة رشاش قتلته في الحال وأصابت مساعده.
بعد ساعات عقد وزير الداخلية اللواء محمد عبد الحليم موسي  مؤتمرا صحفيا بدا فيه مرتبكا وضعيفا ومثيرا للسخرية فهو يسمي الوفد السوري بالوفد الكوري.. وهو مرة يتهم التنظيمات الإرهابية العربية ومرة يتهم الجماعات الإسلامية الداخلية..
أجمع شهود العيان علي أن الجناة ليسوا مصريين.. قال مورو محمد فهمي موظف بشركة لتأجير السيارات كان يقف بالقرب من فندق سميراميس: "ملامح الجناة ليست مصرية".. وقال صلاح إسماعيل الموظف بهيلتون رمسيس: "المتهم الهارب كانت لهجته شامية".. ونشرت الصحف رسومات تخيلية للجناة بدت فيها ملامحهم خليجية أو فارسية.. ونسبت مجلة المصور لمصدر أمني أن التحقيقات تشير إلي أن الجريمة قادمة من الخارج.
علي أن الأهم هو دقة المعلومات التي عرفها الجناة وسهلت لهم الجريمة.. فقد عرفوا بموعد اللقاء بين الدكتور رفعت المحجوب  ورئيس البرلمان السوري.. وعرفوا الطريق الذي سيسلكه الضحية ولحظة وصوله إلي المكان المتفق عليه لإطلاق النار عليه..فكيف تيسر لهم ذلك؟.. بل اللافت للنظر أن الطريق أغلق في وجه وزير الداخلية وهو في طريقه إلي مكتبه ثم فتح ليمر منه رئيس مجلس الشعب السابق ليلقي حتفه.
لكن.. أجهزة الأمن قبضت علي مئات من أعضاء الجماعات الإسلامية المتشددة تلافيا للحرج الذي شعرت به وقدمت 27 منهم إلي محكمة أمن دولة العليا طوارئ في 10 يونيو 1991 وبعد 100 جلسة انتهت المحكمة إلي قرارها في 10 يونيو 1993 إلي براءة 17 متهما وسجن عشرة من 3 إلي 15 سنة بتهم ليست لها علاقة بجريمة القتل.. منها التزوير وإحراز مفرقعات وأسلحة وكارنيهات نقابة المحامين.
لم تأخذ المحكمة باعترافات المتهمين خاصة طالب الهندسة وقتها محمد النجار الذي قبض عليه أمام كليته في يوم 27 أكتوبر 1990 بعد أن شاهد زميلين له يسقطان قتلي برصاص الشرطة.. بل إنه هو نفسه أصيب برصاصة في رقبته.. وقالت حيثيات الحكم: "إن الشرطة كان يسهل عليها قتله لكنها ردت إليه حياته حتى يكون تحت سيطرتها ينفذ مطيعا ما يطلب منه وما يؤمر به.. بل كان يزيد علي رجالها تطوعا وتزلفا فضلا عن التعذيب الذي كان يتعرض له حتى جعلوا منه راويا للأقاويل التي يلقنونها له ليدلي بها في التحقيقات معتمدا علي ذاكرته الحافظة التي وهبها الله له كما صنعوا منه شاعرا يقرض الشعر في خلواته التي اختاروها له بمستشفي سجن ليمان طره وكاتبا لمذكراته التي تملي عليه وصنعوا منه ممثلا يتظاهر بالمرض ويتقن دوره بأنه كان مصابا بأعراض التهاب الزائدة الدودية حتى لا ينقل إلي جهة التحقيق ثم يبل فجأة من مرضه ويبدي استعداده لاستجواب استمر أياما متلاحقة دون أن يشكو مرضا أو يبدي تعبا بل ومتنازل عن الضمانات التي كفلها له القانون ثم يطلب منه أن يعيد تمثيل الحادث فيمثل ويجيب ثم صنعوا منه دليلا ومرشدا لأوكار المتهمين وقام بكل هذه الأدوار دون تعب أو كلل أو ملل أملا في وعد بتسفيره إلي الخارج أو وعيد بتعذيب يلحق به إذا خرج عن الدور المرسوم له. 

لكن.. محمد النجار في الجلسات الأخيرة من المحاكمة تراجع عن كل ما قال صارخا: "إنهم يضربونني في مكان لا أعرفه، يأخذونني من السجن إليه والاعترافات التي أدليت بها كلها بناء علي كلام لضباط أمن الدولة الذين أملوني الإجابات والشهادات".
وحاول شهود الإثبات من ضباط امن الدولة الإيحاء بأن قتل الدكتور رفعت المحجوب  كان رد فعل لاحتجاز زوجات أمراء الجماعات الإرهابية قبل الحادث بنحو شهرين ونصف الشهر.. ومنهن السيدة فاطمة معوض زوجة صفوت عبد الغني المتهم الأول في القضية والسيدة وحدة عبد المقصود زوجة عبود الزمر.. ولكن.. الشهود لم يتعرفوا علي واحد من المتهمين الذين عرضتهم عليهم المحكمة.
علي أن المفاجأة الأكبر هي التي فجرها الرائد محمد بركات وأشار إليها منتصر الزيات في كتابه عن القضية والذي تغير عنوانه من(  احنا اللي قتلنا المحجوب ( إلي "من قتل  المحجوب بعد حذف فقرات منه.. لقد اقتصر دور أمن الدولة في عملية القبض علي محمد النجار علي تأمين المكان وتولت جهة غامضة مجهولة قيادة وإدارة العملية.. وبالتالي هي التي ضبطت محمد النجار.. وتساءل منتصر الزيات:"لو كانت هذه الجهة مصرية لما خفيت علي الشهود لأن جهات الأمن المصرية علي تعددها تعرف بعضها البعض.. إذن فمن الذي قبض علي محمد النجار؟.. هل هو الموساد؟ أم وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي أي أيه) التي لها باع طويل في انتهاك حرمة مصر وسيادتها كما حدث في قضية ثورة مصر وغيرها.. كما أن بعض أمناء الشرطة أكدوا في التحقيقات وجود جهة أخري لا يعرفونها ولكن كان هناك اتصال لاسلكي بها". 
إن إيمانه بالقومية العربية والاشتراكية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وشخصيته القوية جعلت منه رجلا يحسب له ألف حساب ويصعب التخلص منه إلا بالقتل فوجوده يقف حائلا ضد التغييرات الحادة التي كان علي النظام السياسي في مصر القيام بها.. خاصة التغييرات الداخلية التي تتجاوز في أهميتها وخطورتها تصوراته القومية.. لقد نسب إليه وصف القطط السمان في إشارة واضحة منه للفساد الذي استشري.. فكانت إزاحته فرصة لأن تتحول القطط إلي أفيال وديناصورات وباقي الفصائل الضخمة التي أصبحت قائمة مثل الخرتيت وسيد قشطة والحمار الوحشي. 
وقد تجاوز الدكتور رفعت المحجوب  مرحلة التعبيرات البلاغية إلي مرحلة المواقف البرلمانية والسياسية.. فقبل اغتياله بنحو عامين.. وبالتحديد في فبراير 1988 نشبت مواجهة بينه وبين وزير السياحة في ذلك الوقت فؤاد سلطان ــ الذي كان أول من نادي بالخصخصة ــ تحت قبة البرلمان بسبب هدم وبيع أرض فندق سان ستيفانو في الإسكندرية.. وقال وهو رئيس لمجلس الشعب: "اليوم حنسمح ببيع الفنادق، بكره نسمح ببيع المصانع والشركات والمستشفيات". 
وعلق جمال عصام الدين في صحيفة الأهرام نفسها: إن اغتيال الدكتور رفعت المحجوب  قد"فتح الباب علي مصراعيه بعد ذلك لمرور جميع قوانين السوق والخصخصة من مجلس الشعب وكأنه كان هو العائق لمرورها". 
لقد كان التخلص من الدكتور رفعت المحجوب  ضرورة فرضتها قوي داخلية وإقليمية وعالمية لتغيير شكل الحياة في مصر من الاشتراكية إلي الرأسمالية.. ومن القطاع العام إلي الخصخصة.. ولتغيير شكل التفاهم في المنطقة من تحالف القومية إلي تفتت الانعزالية.. ومن معاداة إسرائيل إلي الصلح معها. 
وما ضاعف من تأثيره أن نظامي حكم الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك كانا يحترمانه ويأخذان باقتراحاته.. ويستجيبان لنصائحه.. فهو عالم في تخصصه.. مؤثر في شخصيته.. جرئ في تصرفاته.. ويصعب علي منافسيه إقناع رءوس السلطة بإزاحته.. فلم يكن هناك مفر من قتله علنا لتفتح الطرق المسدودة وتنطلق المخططات المدروسة لتصبح أمورا واقعة ونافذة وهو ما نراه الآن واضحا.. صارخا.. صاخبا. 
وقد كان اغتياله في اليوم المناسب لهذه المخططات تماما.. يوم إعلان الاستفتاء علي حل مجلس الشعب.. والتمهيد لانتخابات جديدة كانت ستأتي به رئيسا له لثالث مرة.. فيقف كالعقلة في الزور لدورة برلمانية جديدة.. تتعطل فيها مصالح تستعد للفوز بالغنيمة.. وتتجمد قوي مستعدة للوثوب والانطلاق والسيطرة.. وتتوقف فيها تغييرات مستعدة للتحولات الحادة والانقلابات الحادة. 
بل أخطر من ذلك قيل إنه عين نائباً للرئيس قبل وفاته بساعات وإن ذلك عجل بإطلاق الرصاص عليه حتي لا يتسلم منصبه الجديد الرفيع.. وأكدت مصادر مختلفة ذلك القرار الذي جعل المحكمة التي نظرت قضية اغتياله ترسل خطابا لرئاسة الجمهورية تسألها عن حقيقة صدوره.. وكان طبيعيا أن تكون الإجابة بالنفي.. فمثل هذه الأسئلة لهذه الجهة في هذه الظروف لابد أن تكون علي النحو الذي قدمته رسميا.
حصل المحجوب علي عدة جوائز و أوسمة رفيعة منها وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى   عام 1963  من قبل الرئيس جمال عبد الناصر و وسام الجمهورية من الطبقة الأولى 1975 من قبل الرئيس أنور السادات و جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية من المجلس الأعلى للثقافة، عام  1980 
المؤهلات العلمية
*   ليسانس الحقوق ،جامعة القاهرة  عام 1948 . 
*  دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص من جامعة القاهرة ، عام 1949 . 
* الدراسات العليا في القانون العام ، كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية بجامعة باريس ،  عام 1950 . 
* دبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد من جامعة باريس عام 1951 .
* دكتوراه الدولة في الاقتصاد من جامعة باريس ، عام 1953 .
التدرج الوظيفي
§  معيد ثم مدرس ثم أستاذ مساعد بكلية الحقوق ، جامعة القاهرة 
§ أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية عام 1964 .
§ رئيس قسم الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، عام 1970 .

§ عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، عام 1971 .
§ وزير برئاسة الجمهورية ، عام 1972 .
§ نائب رئيس وزراء برئاسة الجمهورية ، عام 1975 .
§ انتخب أمينا للاتحاد الاشتراكي العربي ،  عام 1975 . 
§ رئيساً منتخباً لمجلس الشعب المصري ،  من عام 1984 : 1990
إنجازاته
§  كان له دور كبير في تأصيل مفهوم الاشتراكية العربية بالإيضاح عن معالم النظام الاشتراكي فى الجمهورية العربية المتحدة بلا لبس ولا غموض.
§ له دراسات قيمة فى الاقتصاد الإسلامي يعتمد عليها اعتمادا أساسيا طلاب الدراسات العليا فى هذا الفرع من فروع الدراسات الاقتصادية.
عضويات
§  عضو المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية سابقا ، ومقرر اللجنة الاقتصادية به.
§  عضو بالمجلس القومي للإنتاج . 
§  عضو مجلس إدارة  الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع . 
مؤلفاته
§ السياسة المالية وتحديد سعر الفائدة بغرض تحقيق توازن التشغيل الكامل 1953
§  الاقتصاد السياسي ج 1 ، ج2 ، ج3 .    
§  الطلب الفعلي مع دراسة خاصة بالبلاد الآخذة فى النمو   1963 . 
§ إعادة توزيع الدخل القومي من خلال السياسة المالية  1964 . 
§ النظام الاشتراكي فى الجمهورية العربية المتحدة  1964 . 
§ دراسات اقتصادية إسلامية  1979   . 
 والعديد من المقالات المنشورة فى مجلة القانون والاقتصاد.
 تجاوزات
فى 23 يونيو عام 1984 ، تولى الدكتور رفعت المحجوب رئاسة البرلمان، فى وقت كانت الأوضاع السياسية يتجاذبها حبلان، الأول ناحية مصر «الناصرية» فى الخمسينيات والستينيات، والثاني ناحية مصر «الساداتية» فى السبعينيات، وفى هذا المناخ جاء رفعت المحجوب على رأس برلمان أفرزت انتخاباته فى دورتى 1984 و1987 عن دخول عشرات من نواب المعارضة، وهما الدورتان اللتان أجريت فيهما الانتخابات بالقائمة النسبية، وبفضلها كان الوفد والإخوان حليفين فى انتخابات عام 1984، وتغيرت فى انتخابات عام 1987 بتحالف العمل والإخوان والأحرار، وكانت المعارضة وقتئذ جذرية إلى حد ما فى توجهاتها السياسية، فحزب التجمع كان معتصما بحبل يساريته، ولهذا لم يدخل البرلمان فى هاتين الدورتين، ولم ينجح زعيمه خالد محي الدين  بفضل التزوير، وكان الوفد يطرح نفسه بوصفه «البديل» الليبرالي لـ «الوطني»، مستندا إلى طبعته التاريخية المكتوبة بأسماء زعيمين هما سعد زغلول ومصطفى النحاس، أما الإخوان فكان مطلب تطبيق الشريعة الإسلامية هو الشعار الذى تلهب به مشاعر الناس، أما  حزب العمل  بزعامة إبراهيم شكري فدخل الساحة بثوب جديد بعد اغتيال السادات عام 1981 حيث سحب موافقته على اتفاقية كامب ديفيد، ورفع شعارات تقترب من الناصرية، حتى تحول إلى ثوبه الإسلامي بتحالفه مع الإخوان عام 1987   . 
فى هذه الأجواء جاء شكل مجلس الشعب فى الثمانينيات، وجاء رفعت المحجوب رئيسا، يمارس ألاعيب ومناورات السياسي القديم الذى كان بارزا فى الاتحاد الاشتراكي مع عبدا لناصر، وزاد مع السادات، وأصبح فى الصف الأول مع مبارك، ومع مبارك كان هناك من الرموز السياسية المحسوبة على دولة عبدا لناصر تراه سدا منيعا لطموح توجهات فريق من «الوطني»، يسانده الوفد فى إلغاء قوانين مثل «الإصلاح الزراعي»، وإلغاء القطاع العام، وغيرها من القوانين الاشتراكية، وفى السر أجرى المحجوب مفاوضات مع بعض رموز الدولة الناصرية لإقناعها بالانضمام للحزب الوطني، وقال لهم نصا كما سمعته من أحدهم: «انضموا ولا تتركوا الساحة لهم».. ولم تلق هذه المفاوضات صدى حقيقيا، لكنها خلقت بين هؤلاء مساحة للتواصل مع الدولة، لأن فيها من يدافع عن توجهاتهم، ولنسأل ما علاقة هذا الاستطراد عن المحجوب بسرور؟تتبع الحالة يصنع سؤالا، من قلب السؤال السابق، وهو: هل كان شبح المحجوب يطارد سرور؟
فى المتابعة أيضا ستجد ممارسات برلمانية فى ظل المحجوب «صاخبة» أحيانا، كما حدث فى محاولة اعتداء نائب الوفد طلعت رسلان على وزير الداخلية اللواء زكى بدر، وهو يلقى بيانه أمام أعضاء المجلس، ومفيدة أحيانا فى قوة الاستجوابات التى كان الرجل يسمح بها، وهذه «الطبخة» البرلمانية يضعها النائب البرلماني السابق أبو العز الحريري فى سياق أشمل وهى: «أن المحجوب كان رجل دولة، واغتيل لذلك، كان يلقى فى كلمته كل دورة تصورات مجلس الشعب بما يفرض على الحكومة أن تتبعه، ولأنه كان مع بداية حكم مبارك فكان يعى أنه يساهم فى صنع دولة وأن له رؤية فى ذلك كالحفاظ على القطاع العام والدفاع عنه».
التقييم القاطع من أبو العز الحريري  يعيدنا إلى حالة المتابعة، حتى نعرف ما إذا كان صحيحا أم لا؟ وفى المتابعة نجد أن برلمان 1990 الذى تولى رئاسته سرور عقب أول انتخابات بعد اغتيال المحجوب قاطعته المعارضة، ولم يكن فيه سوى 5 من حزب التجمع الذى شذ عن المقاطعة، وبرلمان مثل هذا فلنتخيل كيف كان الرجل يديره؟ وفى 1995 كانت المعارضة 13 نائبا فقط، ومرة أخرى فلنتخيل أيضا برلمانا مثل هذا، كيف كان الرجل يديره؟ وفى هذه الدورة تحديدا شهدت مصر قوانين سيئة السمعة، أشهرها قانون حبس الصحفيين الذى دخل البرلمان فى جنح الظلام، وتمت مناقشته وإقراره مساء دون مروره على لجان المجلس المختصة، وانتفض الصحفيون ضد ما حدث، ومازالوا يدفعون الثمن، كان سرور في هذه القضية ليس رئيسا لمجلس الشعب يمارس دورا رقابيا، وإنما مدافع عن الحكومة وسياستها بالدرجة التي تجعله معبرا عنها وليس رقيبا عليها، حدث هذا مثلا فى قانون 100 للنقابات المهنية التي اكتشفت الحكومة كارثته الآن، وعلى منوال أشد ألغت المحكمة الدستورية قوانين مثل «الضريبة على المصريين العاملين فى الخارج»، وعدم دستورية «قانون الجمعيات الأهلية» وغيرها من القوانين التي خرجت من تحت يد سرور فقيه القانون، ووضع كهذا يدفعنا إلى القول وبكل ثقة إن كل التشريعات المخالفة للدستور خرجت من برلمان يقوده هو، وليس خافيا على أحد أن أيمن نور النائب البرلماني السابق والذى  سجن وما زال محروما من ممارسة حقوقه السياسية ، كان يشاغب الرجل أحيانا بقوله: «هذا مخالف لما تكتبه أنت فى القانون» فيرد سرور: «اللي اكتبه حاجة، وهنا حاجة ثانية»، كيف يمكن إذن تفسير هذا السلوك؟
المعنى الأقرب فى التفسير هو سير الرجل على الحبل الذى يحافظ من خلاله على منصبه، ولأجل هذا تضيع كما يقول أبو العز الحريري «هيبة» الرجل الثاني فى الدولة بحكم الدستور، فهو يلعب دورا وكأنه زعيم الأغلبية وليس رئيسا للبرلمان، أبو العز يتذكر حوارا دار بينه وبين سرور، سأله فيه: «ليه كل هذا الدفاع منك عن الحكومة؟ رد سرور: «أنا أدافع عن النظام»، سأله أبو العز: «هل المجلدات والمراجع والتقارير الموجودة أمامك والتى تمر عليك ليست كافية لإسقاط حكومة؟»، رد: «تكفى لإسقاط 20 حكومة»، «لماذا إذن الدفاع عن الحكومة؟»، هكذا سأل أبوالعز، فرد سرور: «أنا أدافع عن النظام
عن رفعت المحجوب
وهو الذي ينتمي إلي مدينة «الزرقا» بمحافظة «دمياط» التي أنجبت قبله رئيس وزراء العصر الملكي «إبراهيم باشا عبد الهادي»، وكان أبوه السيد المحجوب من رجال التعليم وينتمي انتماء قويا لحزب الوفد بينما كانت عائلة إبراهيم باشا عبد الهادي المليجي تنتمي إلي حزب السعديين الذى كان الباشا يترأسه وكان عمدة الزرقا في ذلك الحين عبد الرحمن بك المليجي شقيق إبراهيم باشا رجلا حادا لم يقبل باستمرار السيد المحجوب في تمرده الوفدي في قرية يحكمها فطرده منها وخرج السيد المحجوب وعائلته من الزرقا إلي القاهرة حيث ربي أولاده وعلمهم تعليما عاليا ونبغ منهم رفعت المحجوب فتخرج متفوقا من كلية الحقوق وأرسل إلي باريس ليكمل تعليمه وحصل علي ا لدكتوراه وقيل أن حزب الوفد هو الذى تكفل بمصاريف هذه البعثة   ، ورغم ذلك كان الدكتور رفعت المحجوب شديد الوفاء لأبناء قريته وساعدهم في الجامعة ماليا وماديا ومدهم بالكتب الجامعية وكانت باهظة الثمن وفوق مستوي الإمكانات المادية للكثيرين منهم وكان أكثر كرما مع أبناء عائلة المليجي حيث تبني بعضا منهم في العمل بالسلك الدبلوماسي خاصة أبناء أشقاء إبراهيم باشا عبد الهادي .
من المآثر التي تذكر عن المحجوب أنه أول من انتخب رئيسا لمجلس الشعب من بين الأعضاء المعينين عندما دخله بالتعيين عام 1984 . وعندما كان د. «رفعت المحجوب» رئيسًا لـ «مجلس الشعب» تألق بصورة مبهرة وكانت خطبته السنوية عند تقديم رئيس الجمهورية في افتتاح البرلمان قطعة رفيعة في الأدب والفكر معًا، وأذكر أنه في إحدي المناسبات ألقي خطبته بالكامل، قياسًا علي الذكر الحكيم، مقتبسًا من القرآن الكريم في روعة تدعو إلي الخشوع والاحترام، ظل وللحطة الأخيرة مدافعا عن مجانية التعليم والقطاع العام ورافضا بيعه وكان ضد إرسال قوات مصرية للحرب في الكويت وربما كانت مواقفه هذه هي السبب في التخلص منه بهذه الطريقة المقيتة . 
وهو الذي نزل من فوق المنصة في احدي جلسات «مجلس الشعب» عندما تزايد الهجوم عليه والانتقاد لتصرفات شقيق له، فوقف بين صفوف الأعضاء، وكرر عبارته الشهيرة (لا تكونوا كأهل «أورشليم» كلما جاءهم نبي رموه بحجر ) ومن مآثره علي محافظة دمياط تحويل عدد من القرى إلي مدن وهي السرو والروضة وكفر البطيخ وعزبة البرج  وكان داعما قويا لكثير من المشروعات التي تمت علي أرض المحافظة . 
رحم الله د. «رفعت المحجوب» فقد كان طرازًا فريدًا في الترفع والكبرياء، والعجيب أن قاتليه قد حصلوا علي البراءة، ومازالوا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، والرجل في رحاب ربه راضيا مرضيا. وتظل رحلته الأخيرة إلي العالم الآخر  يكتنفها الغموض حتي الآن ورغم سقوط كثير من الأقنعة إلا أن موته واغتياله ما زال سرا غامضا لم تتكشف حجبه حتي الآن لأن كثيرا من أهله ونحن أبناء بلدته والقريبين منه نؤمن منذ اللحظة الأولي لاغتياله أن نظام مبارك هو المسئول الأول عن اغتياله والتخلص منه . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق