الجمعة، 22 فبراير 2013

المسحراتي - مهن انقرضت -


مهن  انقرضت
 ( 5 ) المسحراتي
كتبها محمد عبد المنعم إبراهيم ، في 3 سبتمبر 2009 الساعة: 12:14 م

كثير من المهن التي كنت أراها من حولي في طفولتي وفي مراحل متقدمة من العمر لا أراها الآن ، لقد انقرضت من المجتمع واختفت تماما بفعل التطور الثقافي ربما أو بفعل التقدم التكنولوجي أحيانا إلا أن الإنسان يحس من حين لآخر بالحنين إلي الماضي والتحسر علي   زمانه ، فقد ارتبطت بعض هذه المهن بشخصيات معينة في مجتمعنا الصغير في زمانها ما زالت الذاكرة تحتويهم وتستدعيهم كلما عن ما يدعو إلي ذلك وكان من بين هذه الشخصيات من اكتسب حب المجتمع وربما احترامه في ذلك الزمان رغم تواضع مهنة تلك الشخصية أو بساطة حال صاحبها  ؛ 






المسحراتي
كنا ونحن أطفال صغار نستعد لاستقبال شهر رمضان كل عام اعتبارا من ليلة الرؤية حيث يلتف الجميع حول المذياع لسماع نتيجة الرؤية في بيان دار الإفتاء عقب نشرة أخبار الثامنة والنصف مساء فإذا ما أعلن ثبوتها انطلقت جموع الأطفال تجري وتجوب الشوارع في القرية يطلقون أناشيد استقبال رمضان والفرحة بقدومه ومع أول أيام رمضان وحثي نهايته كنا نتجمع في ساحة الجامع الكبير بقريتنا حيث يتجمع كل أطفال القرية في تلك الساحة قبل الغروب  انتظارا للراية الخضراء التي يرفعها مؤذن المسجد من أعلي المئذنة إيذانا بالإفطار والإعلان عن غروب الشمس وقد كان الشيخ عبد الرءوف طعيمة رجلا متميزا محبوبا ومحترما من الجميع وعندما يرفع الراية الخضراء يفرح الجميع ويتهللوا وينظموا مسيرات حاشدة في تجمعات يجرون في شوارع القرية من أقصاها إلي أدناها يرددون بعض الأهازيج الرمضانية المتوارثة  ثم يأوي الجميع إلي بيوتهم لتناول الإفطار مع أسرهم وسرعان ما يأوي الصغار إلي فراشهم مبكرا انتظارا لسماع دقات طبلة المسحراتي وأناشيده الجميلة التي كان يرددها عند كل منزل مناديا علي صاحب المنزل كبير العائلة بوضع اسمه في سياق الأناشيد التي يشدو بها والتي كنا جميعا نطرب لسماعها وترديدها من ورائه وأذكر أن كثيرين قد قاموا بأداء هذا الدور ولكن تفرد من بينهم رجل عذب الصوت نحيل القامة له دقاته الشهيرة وأناشيده المتفردة يلقيها بصوته الرخيم وبعد أن يحيي صاحب البيت الذي يمر أمامه ينادي في أناشيده علي أبنائه واصفا إياهم بأوصاف الأمير ابن الأمراء إلي آخره من صفات المديح الطيب من رجل يتمتع بصوت محبوب وشخصية طيبة محبوبة للجميع ، وكان من المعهود في ذلك الحين أن يحمل في يده فانوسا مصنوعا من الزجاج والصفيح علي يد أمهر سمكري في القرية وكان يدعي عم إبراهيم الطهراني ويضاء الفانوس بلمبة جاز صغيرة ويحمل في يده الأخرى طبلة وعصا يضرب عليها إيقاعات واحدة ثابتة يقطعها بأناشيده العذبة عن فضائل الصوم والسحور وتحية ومجاملة أصحاب البيوت التي يمر عليها وترديد أسماء أبنائهم الذين كانوا يسعدون لذلك ويغضبون إذا ما نسي عم أحمد أبو فورة أن يذكر اسم أحدهم مرة ، وكان رمضان يأتي في الشتاء والقرية مظلمة والبرد قارص وكان من عادة بعض الفلاحين أن يربوا كلابا في بيوتهم أو زرائب لمبيت ماشيتهم ملحقة بمنازلهم ويطلقونها في الخارج ليلا وأذكر مرة أن الشيخ محمود أبو قوره شقيق عم أحمد اعترض أحد الكلاب طريقه أثناء جولته لإيقاظ أهل القرية للسحور وهو مستمر في أناشيده ولكن الكلب وقف وسد عليه الطريق بنباحه المتصل محاولا منعه من التقدم خطوة واحدة وإلا هجم عليه إذا ما تقدم  فإذا بعم الشيخ محمود ينشد في أهازيجه قائلا ( يا صاحب الكلب حوش كلبك … الله ) مرددا إياها حتى خرج صاحب الكلب وحجز كلبه حثي يستمر عم محمود في طريقه وتجواله وظل الناس يمازحونه بهذه المقولة زمنا طويلا حني لقي ربه . ومن الأهازيج التي أذكرها والتي كانت تطربنا في ذلك الزمان الجميل : اصحي يا نايم قوم وحد الدايم  يا حاج عبده يا حبيب الصباح … يا عقد لولي فوق صدور الملاح .. يا حاج محمد أذكر الله  ..يا أبو الصبايا الملاح    قوم اتسحر نور النبي لاح … اصحي يا نايم قوم وحد الدايم .. وكان أجر المسحراتي يدفع صبيحة أول أيام العيد عندما يمر أمام البيوت في الصباح يدق علي طبلته منشدا ومهنئا بالعيد فيتزاحم الكبار والصغار علي إعطائه ما تجود به الأنفس من حلوى وفطائر وتمر ..  ونادرا بعض النقود حتى يمتلأ الخرج علي الحمار ويحمد الله وينصرف إلي أهل بيته  ..كل عام وأنتم يخير


كتبها محمد عبد المنعم، في 3 September 2009 09:57 AM——




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق