الوفاء المفقود
كتبها محمد عبد المنعم إبراهيم ، في 8 يونيو 2011 الساعة: 22:28
م
———————————————
الوفاء المفقود
الوفاء المفقود
في 10 مارس 2009 بدأت الكتابة في هذه المدونة وكانت أول مقالة كتبتها
بعنوان الوفاء قلت فيها :
من الصفات المصرية الخاصة جدا في كل العهود البدء دائما من نقطة الصفر
وقد توارثنا للأسف هذه الصفة المقيتة عن أجدادنا الفراعنة حيث كانت كل أسرة تأتي
إلي الحكم في عهد الأسرات الفرعونية القديمة تقوم علي الفور بهدم معابد الأسرة السابقة
ومسلاتها ومقابرها ومحو كل ما يمكن أن يذكر الناس بعهدها وفي أحسن الأحوال إذا لم
يتيسر ذلك تقوم الأسرة الجديدة بمحو أسماء ملوك وفراعنة الأسرة السابقة من علي
آثارها وكتابة أسماء ملوكها الجدد علي تلك الآثار المعمارية الكبيرة وظلت هذه العادة
المصرية الفرعونية تتناقل عبر الأجيال جيلا بعد جيل حتى عصرنا هذا ، وعلي جميع
المستويات الإدارية في مصر حتى ناظر المدرسة الابتدائية في أصغر قرية أو نجع عندما
يتولي أمر إدارة تلك المدرسة يقوم علي الفور بمحو كل اللافتات والنشاطات التي تحمل
اسم الناظر السابق عليه وإزالة كل أثر يشير إليه حتى لو كان هذا الناظر قدر ترأس
عليه في ذات المدرسة وربما كان من المقربين إليه والمتسابقين للتزلف إليه وهكذا نفس
الحكاية في سائر المجالات في المصانع في المتاجر في المعاهد في الجامعات في
المستشفيات وبعد أن يضيع المدير الجديد كثيرا من الوقت في محو آثار المدير السابق
والتفتيش في الملفات عما يدينه ويسيء إليه يبدأ هو في البناء من الصفر مرة أخري
وبدلا من أن يكمل ما بدأه من سبقوه يبدأ في البناء من جديد لذلك تقدم العالم كله
وتأخرنا نحن لأننا كما قلت دائما وأبدا نبدأ من الصفر .
وكأنني كتبت هذه المعاني قاصدا ما نعيشه اليوم وكل يوم علي مر تاريخنا
المصري القديم جدا والحديث والمعاصر ، وقد كانت تلك المعاني التي قد يسئ البعض
تفسيرها وليدة تجارب شخصية بحتة لا علاقة لها بالسياسية وإن كانت تنطبق علي
السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والرياضة وحثي في اللهو والترويح إلا أنني
كنت أنطلق من تجربة ذاتية عشتها في العمل الثقافي بالثقافة الجماهير أو ما سميت
بعد ذلك هيئة قصور الثقافة فقد بدأت حياتي الوظيفية كمدير لقصر ثقافة دمياط في سن
مبكرة حيث كان عمري 27 عاما ورغم أننا بدأنا مع الزملاء في هذا القصر بناء
الثقافة في دمياط حتى وصلنا في أوائل الثمانينات إلي خلق كيان ثقافي وحركة
ثقافية في دمياط يشار إليها في ربوع مصر كلها بتفرد وتميز نعتز به حني يومنا هذا
فما تحقق بعد ذلك كان بناء فوق هرم كبير من العمل الثقافي المتنوع والمتحرك في كل
ربوع المحافظة بل أزعم أن تأثيره قد امتد إلي كثير من المحافظات في مصر .
ثم ماذا حدث بعد ذلك .. سأقفز علي كثير من الأحداث التي يطالبني
البعض بكتابة مذكراتي لعلهم يجدوا فيها من بعد أن نفارق الدنيا ما يكشف خبايا تلك
المرحلة من تاريخ الثقافة وتاريخ دمياط ، سأتجاوز ذلك مؤقتا ولكني فقط سأذكر تلك
اللحظة التي كان علي فيها أن أغادر مصر للعمل في السعودية عام 1992 وأقام الزملاء
حقلا كبيرا مؤثرا في رأس البر في فندق الرياض وتباري
المتحدثون وكان من بينهم زملاء وقيادات ثقافية وشعبية تقدمهم الراحل الكبير حمزة
السنباطي وما زلت أذكر بعض الكلمات التي قيلت وتركت في نفسي انطباعا عميقا أحدث
جرحا نفسيا غائرا فيما بعد لأنه بعد ذلك بقليل تباري بعض المتحدثون في
الانقلاب علي ما قالوه في ذلك وكان من بينهم من هو أقرب الناس إلي نفسي ومنهم من
قدمت له خدمات لا تنسي فكانوا بعد تعيين المدير الجديد الذي خلفني في دمياط في ذلك
الوقت محمد فريد عدس رحمه الله أن تباروا في أول لقاء معه علي الثناء عليه وعلي
قيادته الديمقراطية التي ستخلصهم من آثار الديكتاتورية التي عانوا منها من قبل ،
وهو لم يقدم بعد أي عمل فعلي يمكن أن يترجم ما قالوه إلا أنه التراث الفرعوني
القديم الطعن في القديم أيا ما كان والثناء علي الجديد وقد تجاوز البعض حدود
اللياقة وقال أن المصريين يقدسون الكرسي ومن يجلس عليه أيا كان واكتسبنا موروثا
شعبيا قد لا يكون موجودا في كثير من الدول الأخرى المتقدمة والنامية والفقيرة علي السواء يقول ( مات الملك يحيا الملك ) وآخر عامي يقول ( من يتزوج أمي أقول له يا عمي )
أرجو ألا يسقط ما أقول علي الظرف السياسي الراهن فقد كنت ومنذ زمن
طويل أسير حلم كنت أتمني فيه أن أعيش حتى آري مصر بغير مبارك وقد حقق الله ما تمنيت ولكني أقول ما قلت وأهديه إلي كثيرين من
الأصدقاء الذين كانوا يلحون علي بالكتابة في صحفهم عندما كنت أجلس علي كرسي
المستشار الإعلامي لمحافظ دمياط بعد تركي الخدمة الرسمية وإحالتي للمعاش وعلي
رأسهم المهندس العزيز يحي الحزاوي صاحب أخبار دمياط ورحبت بالكتابة فيها رغم كثير
من التحفظات لتقديري لتاريخها الطويل ودورها في المجتمع الدمياطي سلبا أو إيجابا
إلا أنه بعد تركي لهذا العمل باختياري ما عاد أي منهم يطلب مني أن أكتب له وكأن
الكرسي هو الذي كان يكتب ، بعد طول عناء ومعاناة مع بطانة البرادعي في ديوان
المحافظة والذين كانوا يتسابقون ويتزاحمون للجلوس علي حجره وبعد ما شهدته من
تحولات يخجل منها شيخ المنافقين من البعض في أعقاب أحداث الانتفاضة الشعبية في 25
يناير ومحاولة البعض ركوب الموجة والتهجم علي كل شيء ليس من باب الشجاعة فلم تكن
حليفتهم من قبل ولا من باب الحرص علي المصلحة العامة فقد تنكروا لها طويلا
وكرسوا جهودهم في بناء مصالحهم الخاصة ولكن من باب الحقد علي كل نجاح كفانا
منه الله وعافانا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق